+ A
A -
كان الناس فيما مضى يظنون أن التسويق يتعلق بالمنتجات أو بالخدمات التجارية، أو حتى خاص بالحكام وصناع القرار في الدول، لكن بحوث التسويق والتجارب والاحتكاك، أوضحت أن التسويق متشعب ومتشابك، ويدخل في كل شيء في حياتنا. فهناك تسويق الدول والأفكار، بل حتى تسويق الأشخاص. هذا ما وصل اليه الخبير المعروف الدكتور عبدالله باهمام في كتابه الموسوم بعنوان «سوق نفسك». حيث قال في مقدمة كتابه مبررا سبب اهتمامه بموضوع تسويق النفس «اهتمامنا بهذا الموضوع منصب على تشجيع الأخيار والفضلاء، وأصحاب الطاقات ليسوقوا أنفسهم وأفكارهم، ويحملوا رسائل قيمية وهادفة للمجتمع الذي يعملون فيه أو يستهدفونه عبر برنامج مهني منظم». وفي الحقيقة جاءت رغبتي في الكتابة في هذا الموضوع لاتاحة الفرصة للمهتمين من أصحاب الإبداعات في أن يكون لهم دور مجتمعي فاعل للمساهمة في تنمية مجتمعاتهم عبر تبني وتسويق مبادرات فاعلة في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، تساهم في تسويق الشخص ذاته، وكذلك تسويق القيم والقضايا والمبادرات التي يحملها على عاتقه. وقضية تسويق النفس وشرعيتها تناولها الكثير من المتخصصين من أبعاد متعددة. ففي جانبها الشرعي يقول الدكتور عبدالله باهمام «إن الناس انقسموا إلى فريقين حول هذا الموضوع. فالفريق الأول: يتساءل: ألسنا مع الله؟ فلماذا نشرك معه غيره؟ أليس في تسويقنا لأنفسنا قدح في إخلاصنا لله سبحانه وطلب لما عند الناس؟ ثم ألا تكفي أعمالنا لتسوق لنا، وإذا كان الأمر كذلك فما الداعي للحديث عن وسائل وطرق تسويق الشخص نفسه؟ أليس من الأفضل أن نكون أتقياء أنقياء أخفياء، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي». أما الفريق الثاني: يقول نعم نريد أن نكون أكثر إخلاصا، ولكن مع هذا الإخلاص نريد أن نكون أئمة في الخير يتبعنا الناس ونقودهم له مصداقا لقوله تعالى (واجعلنا للمتقين إماما). وكان استدلالهم من خلال موقف سيدنا يوسف عليه السلام، حينما قال «اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم». ويقول الدكتور عبدالله باهمام، إن لتسويق النفس تبريرات هامة منها: الرغبة في تحقيق الريادة والترقي والإمامة. يقوم ابن القيم «لما كانت الإمامة من الرتب العالية.. كان جزاء العبد الغرفة العالية في الجنة». وكذلك من أجل نفع الآخرين مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». ويسوق الإنسان نفسه كذلك من أجل تحقيق ما يريد، حيث في الغالب تفتح الكثير من الأبواب للمشاهير والمؤثرين «أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». إضافة إلى ذلك، فإن أفضل البضائع يمكن أن تكسد إذا لم تسوق.. حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر «لأعطين الراية رجل يحب الله ورسوله» بات الصحابة يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، حتى قال عمر بن الخطاب «فما تمنيت الإمارة إلا يومئذ». وأخيرا، يسوق الإنسان نفسه إبراء للذمة من خلال السعي للتعريف بمهاراته ومعارفه وإنجازاته لإيجاد فرصة للمساهمة في تنمية نهضة الوطن والأمة. ويقول الدكتور عبدالله بن سالم باهمام في كتابه «سوق نفسك» على أن الإنسان يعمل على تسويق رؤيته وصفاته وأخلاقه.. ويعتبره تسويقا بعيد المدى والأثر كأن يسوق الشخص نفسه أنه شخص موثوق به، وتسويقه لمصداقيته، وتسويق التزامه ونحو ذلك. وكذلك يسوق الإنسان لمهاراته ومعارفه، وهو تسويق لمهاراته وقدراته، وليس على تسويق الصفات والأخلاق (مثل تسويق الإنسان لقدراته الخطابية، أو التربوية، أو اتقانه مهارة التدريب أو نحو ذلك). والنوع الآخر هو التسويق الوقتي (فرصي)، وهو تسويق وقتي لفرص حانت كأحداث ساخنة مرت بالمنطقة، أو غير ذلك، وهو تسويق يقطف ثمرات الأنواع السالفة الذكر من أنواع التسويق. ولتسويق الإنسان نفسه تسويقا يحدث أثرا في المستهدفين من جهوده التسويقية، يستلزم أن يمتلك مهارات شخصية ومعرفية، ومهارات تقنية، وأخرى لغوية، وكذلك مهارات تساعده على التحليل والتفكير السليم. وختاما، لنجعل من شهر رمضان انطلاقة لنا نحو تسويق ذاتنا بمعيار مبني على قيم، اصول معرفية سليمة، وخاصة أن هذا الشهر الفضيل يحمل في طياته أحداثا وفعاليات وفرصا عديدة.
copy short url   نسخ
19/05/2019
477