+ A
A -
أسامة أبو ارشيد كاتب وباحث فلسطيني مقيم في واشنطن
تلك حساباتهم. وللأسف، قد لا نستطيع تغييرها، ولكننا نملك القدرة على تجنب الأخطاء التي ارتكبناها في ثورات «الربيع العربي» الموؤود. وهم قد يكونون نجحوا في وأد تلك الثورات، لكنهم لم ينجحوا في إطفاء جذوة الجمر تحت الرماد، ويُستبعد أن ينجحوا، فكل المعطيات تقول إن انفجاراً عظيماً آت لا محالة في المنطقة العربية.
ولمن أراد الدليل، فلينظر إلى الجزائر والسودان، فكيف تكون كل العناصر القابلة للاشتعال بجانب النار ونمنّي أنفسنا بأنها لن تمسك بها وتنتج حريقاً هائلاً؟ الفساد باقٍ كما هو، بل تضاعف.
القمع كما هو، بل تزايد. وانسداد الأفق، والعجز عن تصور مستقبل واعد ازداد سوداوية.
ما نراه حتى الآن أن جماهير الجزائريين والسودانيين ترفض أن تسقط ضحية احتمالات تلاعب العسكر.
«إما النصر أو مصر»، هذا أحد شعارات ثورة السودان، وهو تعبيرٌ واعٍ عن خشيةٍ من سرقة الثورة واستبدال جنرالٍ محل جنرال، تماماً كما سرقت ثورة مصر، فحل عبدالفتاح السيسي محل حسني مبارك. انتهت مصر إلى الأسوأ، ولا يريد الجزائريون والسودانيون مصيراً مشابهاً. ولكن الإنجازات لا تتحقق بالتمنّي والشعارات، والخشية ليست من الجماهير، ولكن من النخب التي تتصدّر التغيير أو تركب موجته.
في السودان مثلاً، سارع المجلس العسكري الانتقالي إلى التودّد للرياض وأبو ظبي.
هذه بادرة سيئة. الأخطر أن تفعل قيادات الأحزاب والحراك في الشوارع الأمر ذاته، حينها، تكون كمن أدخل الدبَّ كرمه.
وفي الجزائر، ترى نخباً وأحزاباً تعتبر رئيس الأركان الجزائري، أحمد قايد صالح، كأنه الحكم العدل ضد الشخصيات المدنية الضعيفة في واجهة الحكم، وكأنها تخرج عن طوعه، أو جيء بها رغما عنه! يذكّرنا ذلك بثورة يناير في مصر عام 2011.
الأخطر أن تمارس الثورات منطق إقصاء مكوناتٍ أساسيةٍ في مجتمعاتنا، فننتهي بحروبٍ حزبيةٍ وفكريةٍ وأهلية، يطلب الناس بعدها تدخل الجيش ليضبط الوضع بصرامة. وهكذا نعود من حيث بدأنا! مثال على هذا التخوف الدعوات التي يطلقها بعضهم في السودان اليوم لا لحظر حزب البشير فحسب، بل وحتى حزب الإخوان المسلمين، الذي انشق عن حزب آخر انشق عنهم، أي إننا أمام انشقاقين.
ألم نتعلم بعد أن تصفية الحسابات الحزبية والسياسية والإيديولوجية لن تعود علينا إلا بالكوارث؟ يتقاتل هؤلاء على اقتسام كعكةٍ محصنةٍ وراء أسيجةٍ وجُدُرٍ لم يملكوا مفاتيحها بعد! باختصار، صحيحٌ أن الأمور لم تستقر بعد عربياً، وقد نكون على موعدٍ مع انفجار حتمي، عاجلاً أم آجلاً، ولكن هذا لا يعني أن ثمّة ضمانة أن يكون أي تغيير قادم إيجابياً، بل قد يكون كارثياً علينا، إن لم نُحسن التخطيط والتصرّف.
وفي كل الأحوال، أكان التغيير إيجابياً متحكّماً به وبمخرجاته، أم كارثياً منفلتاً من أي ضوابط، ستكون النتيجة على أنظمةٍ عربيةٍ كثيرة وبالاً، فصيغة وجودها تصطدم بسنن كونية.
{ (عن (العربي الجديد)
copy short url   نسخ
22/04/2019
383