+ A
A -
أسامة أبو أرشيد كاتب وباحث فلسطيني مقيم في واشنطن
يؤكّد ما يجري في الجزائر والسودان أن زلزال الثورات العربية كان أعمق مما تنبأ به كثيرون، وأن الأرض لمَّا تستقر بعد، فالزلازل الارتدادية مستمرة، وعلى كل الطغاة العرب أن يتحسّسوا رؤوسهم. وتثبت الأحداث أن الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت أواخر عام 2010 كانت مفصلا تاريخيا، ولم تكتمل، فالظواهر الكبرى تستغرق سنوات وعقودا حتى تستقر، وقد نرى أنباء ذلك بعد حين. وهذا يعني أنه لا مبرّر، بعد، لليأس من إمكانية التغيير، كما أنه لا توجد ضمانة، بعد، للأنظمة الدكتاتورية، كي تنام ملء جفونها ثقة واطمئنانا أنها أجهضت تلك الإمكانية. ومع ذلك، لا بد من الحذر، إذ إن الشعوب العربية ونخبها إن لم تُحسن التخطيط والبذار، فإننا جميعا سنحصد العلقم.
المتابع لتطورات الساحتين، الجزائرية والسودانية، يلحظ صراع الإرادات بين الشعوب في الشوارع وما تعرف بالدولة العميقة وأجنحتها وأجهزتها. ثمّة جماهير في الميادين تخشى أن تئد طموحاتِها وتُضَيِّعَ تضحياتها وَتُحْبِطَ آمالها أجهزة الأمن والعسكر، كما جرى في مصر. وثمّة من هم في المؤسسات العسكرية والأمنية، ومن والاهم، من ينظرون إلى الاحتجاجات الجماهيرية ضد واجهات النظم الرسمية أنها حُصُنُ طروادة، يتسللون عبرها إلى سدة الحكم المباشر، أو على الأقل للحفاظ على خيوط اللعبة في أيديهم، بشكل ننتهي من حيث بدأنا، ولكن عبر لافتات وأطر ووجوه جديدة.
أيضا، واضح جدا أن ثورة على الفساد والظلم في بلد عربي ما ليس شأنا محليا، بل هو شأن إقليمي ودولي. كان هذا هو الحال في الأمس، وهذا الحال الواقع اليوم. وبالعودة إلى الوضعين، السوداني والجزائري، فإنك ترى ذلك الاستعجال السعودي والإماراتي، وغيرهما، للدخول على الخط، كما ترى الاندساس الأميركي والفرنسي، وغيرهما، في الحالتين. لماذا؟ لأن السعودية والإمارات، اللتين تقودان محور الثورات المضادة، تدركان أن تغييرا يتم بإرادة شعبية في أي دولة عربية يعني تجربةً قد تتكرر في بلاد عربية أخرى. هما لم ينسيا وقع الدومينو الذي أحدثته ثورة تونس عام 2011، حتى أنها وصلت إليهما بعض إرهاصاتها. وبالتالي، لإجهاض تغيير بإرادة شعبية في دولتيهما، لا بد من ضربات استــباقية خارج الـــــحدود. أما القـوى الدولــية التي تمارس سياســــــات إمبريالية في فضائنا، وتشـــــمل روســــيا أيضا، فإنها لا تريد تغيــــــيرا غـــير متحكّم به، ينتهي إلى أن يتراجع نفوذها في دولٍ تعدّها تابعاً أو وكيلاً لها.
تلك حساباتهم. وللأسف، قد لا نستطيع تغييرها، ولكننا نملك القدرة على تجنب الأخطاء التي ارتكبناها في ثورات «الربيع العربي» الموؤوود.
copy short url   نسخ
21/04/2019
346