+ A
A -
ترجمة- هشام عبد الرؤوف
تثبت الأحداث التي تدور رحاها حالياً في كل من الجزائر والسودان أن جمال خاشقجي كان على حق في معارضته للنظام السعودي، وهو الأمر الذي كلفه حياته، عندما قتل بطريقة بشعة. وكان على حق فيما تنبأ به من أن الثورات سوف تمتد إلى بقاع أخرى من العالم العربي.
فعندما نطالع الصور التي بثتها وكالات الأنباء من السودان، يتحقق لنا صدق مقولة هذا الصحفي المتميز، من أن شعوب المنطقة تبحث عن الديمقراطية.
وفي آخر مقال كتبه علي صفحات الواشنطن بوست أعرب خاشقجي الذي قتل قبل أيام من عيد ميلاده الستين عن أسفه لغياب الحريات عن معظم دول المنطقة، مما يجعل مواطنيها يجهلون حقائق أساسية عن القضايا المهمة، أو تصل إليهم معلومات غير دقيقة، وباتوا غير قادرين على التعامل على نحو سليم مع القضايا الرئيسية، التي تؤثر على منطقتهم وبلادهم، بل حتى التي تؤثر على حياتهم اليومية.
فهم يستقون معلوماتهم -أو غالبيتهم بمعنى أصح- من وسائل إعلام خاضعة لنظم الحكم في بلادهم، التي يهمها ألا تعرف شعوبهم أكثر مما تريد، وللأسف تشير كل المعطيات إلى أن هذا الوضع الخاطئ سوف يستمر لفترة طويلة.
وتقول صحيفة واشنطن بوست إنه لو كان خاشقجي حياً في الوقت الحالي سوف يسعد بصدق توقعاته، في ضوء ما يحدث في الجزائر والسودان؛ حيث ضاق الشعبان في البلدين بنظم الحكم القمعية التسلطية، التي تحكمه بالطغيان وبالحديد والنار، وبدأ يسعى إلى الديمقراطية ويطالب بها، وكان في الوقت نفسه سوف يعترف بخطئه في القول إن الغالبية العظمي من أبناء الشعوب يلجؤون إلى الإعلام السلطوي، للحصول على المعلومة وبدؤوا يسعون إلى الحصول علي المعلومة من مصدرها الصحيح.
وهذا في الوقت نفسه، شهادة لصالح خاشقجي، الذي رفض ترديد المقولة العنصرية السائدة في المنطقة، التي تسعي النظم الحاكمة وأنصارها إلى ترويجها، بأن شعوب المنطقة غير مستعدة بعد للديمقراطية، لكن ثبت أن العكس هو الصحيح.
وسوف يكون أكثر سعادة عندما تصدق مقولته، بأن ما حدث في 2011 كان بداية وليس نهاية لتيار ديمقراطي يجتاح المنطقة، ولن يتوقف مهما واجهته النظم الحاكمة بالعنف.
وعلى العكس زادت الحركة الديمقراطية نضوجاً وتنبه المطالبون بالديمقراطية إلى أهمية وضع الترتيبات الكافية؛ حتى لا يقفز العسكريون ويستولوا على الحكم، ويحصدوا ثمار هذه الثورات، بدلاً من الشعوب.
وهم يعترفون للجيش في البلدين بدوره في عزل الحاكم الطاغية، لكنهم لا يقبلون أن يتحول الجيش إلى مؤسسة حاكمة لأن تجارب المنطقة والعالم مع الحكم العسكري غير مبشرة، خاصة ما يرتكبونه من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، تصل إلى التصفية الجسدية الوحشية، وبات المطالبون بالديمقراطية يسعون إلى ضمان حقوق الإنسان، بدلاً من مجرد الإطاحة بحاكم سيئ ليأتي حاكم أكثر سوءاً.
وكان خاشقجي يؤمن بأن الشعوب في العالم العربي سوف تختار نظم حكم ذات مرجعية إسلامية، إذا أتيح لها الاختيار، ويجب احترام إرادة هذه الشعوب، طالما أن الاختيار تم عبر صندوق الانتخابات، وطالما احترمت النظم قواعد الديمقراطية.
وصدقت رؤيته عندما وصل حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية إلى الحكم في تونس، والتزم بقواعد الديمقراطية وتبنى نهجاً عملياً، ولم يحاول احتكار السلطة وتقاسم الحكم مع العلمانيين، وتلك الرؤية أثارت غضب النظام السعودي ووجدها في غير صالحه فكان لابد من اختفائه.
copy short url   نسخ
19/04/2019
2979