+ A
A -
إيان بوروما محرر «مجلة نيويورك للكتب»
يرى باوديت أن المهاجرين، وخاصة المسلمين، يعملون على إضعاف نقاء السكان الأصليين وتقويض الثقافات الغربية بطرقهم الغريبة. وهو يعتقد أن الحضارة الأوروبية مهددة بنفس القدر من قِبَل «الماركسيين المستحدثين» الذين ينبغي تطهير المدارس والمؤسسات الوطنية منهم. ويرغب باوديت في الحفاظ على الهوية الوطنية عن طريق سحب هولندا من الاتحاد الأوروبي. ومثله كمثل ترامب، الذي يعرب عن إعجابه به، يعتقد باوديت أن تغير المناخ مجرد خدعة.
لماذا يلاقي مثل هذا الفِكر القبول بين عدد كبير من الناس في بلد مستقر ومزدهر؟ ولماذا يفترض الساسة الذين يشعرون بالقلق إزاء المهاجرين والانحدار الوطني بشكل شبه تلقائي أن تغير المناخ ليس مشكلة؟ الواقع أنني توصلت إلى إجابة محتملة، ليس في أمستردام، ولكن في لندن، حيث شاركت قبل بضعة أسابيع مع مئات الآلاف من مواطني المملكة المتحدة في مسيرة احتجاجية ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي.
كان الحشد متحضرا تماما، بل كان أنيقا أرستقراطيا، وكان ينضح بنفحة من الفضيلة. كان هناك افتراض غير معلن مفاده أن أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي ليسوا على خطأ فحسب، بل إنهم متعصبون وكارهون للأجانب. وقد يصدق هذا على العديد من أنصار الخروج، وخاصة بعض مشجعيهم الرسميين الأكثر صخبا. وكانت مشاعري بالكامل مع المتظاهرين. لكن افتراض الفضيلة بين أولئك الذين يعتبرون أنفسهم على نفس القدر من التقدم ربما يساعد في تفسير شعبية المحرضين اليمينيين، فضلا عن الصِلة بين المشاعر المعادية للمهاجرين وإنكار تغير المناخ.
اعتادت أحزاب يسار الوسط تمثيل المصالح الاقتصادية للطبقة العاملة الصناعية. لكن التركيز بدأ يتغير في العقود الأخيرة من القرن العشرين، عندما أصبح العِرق، والجنس، والبيئة من شواغل اليسار الأكثر أهمية. وكانت أهداف مثل مكافحة العنصرية، والمساواة في الحقوق ، فضلا عن صحة كوكب الأرض - وكلها أهداف جديرة بالاحترام - سببا في إضفاء حس الفضيلة القوي على السياسة التقدمية. فكنا نعرف ما هو الأفضل للناس، وأولئك الذين عارضونا كانوا إما أغبياء أو أشرارا.
ربما يكون من الصعب التسامح مع هذا الموقف، وخاصة عندما يكون مصحوبا بامتياز اجتماعي وتعليمي، وهذه هي الحال غالبا. كانت هولندا تتمتع بتقليد قديم يتمثل في تحكيم الفضيلة. ويمكنك أن ترى هذا في لوحات فرانس هالز التي تصور هولنديين بارزين من القرن السابع عشر يرتدون ملابس سوداء رصينة لكنها باهظة الثمن. كانت هذه الشخصيات، الملهمة غالبا بدوافع نبيلة، تتمسك باعتقاد راسخ مفاده أن فضائلهم البروتستانتية الفطرية أعطتهم الحق في الحكم.
وقد ظل شيء من هذا التقليد باقيا في هولندا لفترة طويلة. فكانت الأحزاب الليبرالية والديمقراطية الاجتماعية بشكل خاص تنبئ الناس بأن المواطنين الصالحين لابد أن يؤمنوا بالتكامل الأوروبي، وأن «يرحبوا بالعمال الضيوف» واللاجئين، وأن يأكلوا ويشربوا ما يفيد صحتهم، وأن يبذلوا قصارى جهدهم للتخفيف من الأضرار الناجمة عن الظروف المناخية المتغيرة.
جاءت ردة الفعل على هذا النوع من الأبوية المعقولة النابعة من حسن النوايا غالبا في هيئة شعبوية مشاكسة شرسة. وكمثل الطفل الذي يرفض تناول السبانخ، لمجرد أن والدته تزعم أنها مفيدة له، يريد أنصار ترامب، أو الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، أو باوديت إظهار احتقارهم للساسة من أنصار الفضيلة.
{ عن (بروجيكت سينديكيت)
copy short url   نسخ
16/04/2019
618