+ A
A -
عبدالستار قاسم كاتب فلسطيني
أخطر ما صنعته سلطة أوسلو ضد الشعب الفلسطيني هو الاعتماد على الغير، بخاصة الأعداء، في توفير الرواتب، أي توفير جزء كبير من رغيف خبز الشعب بأموال مساعدات قدمتها أميركا ودول أوروبية وعربية، وأموال مسؤول الكيان الصهيوني عن جمعها. كان في ذلك ما ولد عقلية التسول والاعتماد على غير الذات في كسب لقمة العيش. أخذ الناس في فلسطين المحتلة 67 ينتظرون هبات الغير المالية وإحسانهم وصدقاتهم لتغطية نفقاتهم وتعليم أبنائهم.
وبهذا ارتضى الناس لأنفسهم أن يكونوا أصحاب اليد السفلى، وهي يد مسلوبة الإرادة وعليها أن تنصاع لأوامر من يهب ويتصدق. فكان الكسل والشعور بالعجز هما عنوان مرحلة أوسلو، وفقد أغلب الناس الثقة بأنفسهم وقدراتهم، واستمرأوا الهوان وذل مد اليد. الشعوب الأبية لا تقبل مثل هذه الأوضاع، وكان من المفروض أن يتحرك الشعب الفلسطيني منذ البدء ضد القادة الذين مرغوا كرامتهم بالتراب. لكن المؤسف أن ما حصل في عهد السلطة لم يكن إلا امتدادا لسيرة منظمة التحرير التي طالما تبنت سياسة شراء الذمم بأموال تسولتها في الغالب.
في هذه المعمعة الإعلامية التي تواكب تشكيل حكومة فلسطينية غير شرعية جديدة، قال لي أحد الإعلاميين في معرض تفاؤله بهذه الحكومة: إن الدكتور محمد اشتية يعرف مداخله إلى المؤسسات الأجنبية وهو صاحب خبرة في هذا المجال، وسيتمكن من جمع المال لسد العجز المالي الذي يضرب ميزانية السلطة. أي أنه «شاطر في التسول أو الشحدة»، وكان هذا الطرح في قمة الإصرار على بقاء أيدي الشعب الفلسطيني دونية وذليلة، لقد اعتاد الناس على ذلك، وسرعان ما يقولون إن فلسطين لا تملك القدرة على تمويل نفسها، ولا مفر من اللجوء إلى الإحسان والتسول.
فكان أن قلت لهذا الإعلامي: إن معيار النجاح والفشل هو سياسات الاعتماد على الذات، المساعدات الخارجية هي ثمن الوطن، وعندما اطمأن الأعداء إلى استهتار القيادات الفلسطينية بالوطن الفلسطيني، جاء دور الشعب فقطعوا عنه الأموال، فإذا كان اشتية يبغي النجاح فإن عليه وضع استراتيجية للاعتماد على الذات لكي تتحرر الإرادة السياسية للشعب الفلسطيني، وعليه أن ينتبه إلى أن تحرير الإرادة السياسية الفلسطينية يتناقض مع اتفاقية أوسلو وما تبعها من اتفاقيات. أي عليه أن يخلع عن نفسه رداء أوسلو تدريجيا لكي يتمكن من السير بخطط ناجحة، وإلا فسينتهي بحكومة فاشلة لا تختلف عن الحكومات السالفة.
من المفهوم أنه من الصعب على الشعب الفلسطيني تحقيق الاكتفاء الذاتي، والاعتماد على الذات كليا، لكن علينا أن نعرف كيف نتدبر أمورنا دون المساس بحريتنا السياسية.
لا يكفي أن نبقى نطلق شعارا كاذبا اسمه القرار الوطني الفلسطيني المستقل، بل علينا أن نترجم ذلك واقعا.
ومن السبل التي أراها أمامنا هي الاعتماد بقدر الإمكان على الاستثمارات التي أقامتها منظمة التحرير قديما والتي لم نعد نسمع عنها.
{ عن(عربي 21)
copy short url   نسخ
15/03/2019
358