+ A
A -
ترجمة- نورهان عباس«أثبت الحصار أن قطر آمنة غذائيا.. وأنه لا بديل عن تحقيق حلم الاكتفاء الذاتي».. تلك هي الخلاصة والنتيجة الرئيسية، التي خرج بها تقرير استراتيجي لمؤسسة راند الأميركية RAND Corporation الذي أكد أن حلم الاكتفاء الذاتي لم يعد اختياريا بل هو أشبه بمسار إجباري تسير البلاد فيه في مرحلة ما بعد الحصار الذي نجحت في تجاوز تداعياته بامتياز.
وقال التقرير إن « قطر أثبتت أنها دولة آمنه غذائياً، وهذا ينبع من مصدر قوتها المالية، الذي تدعمه بالأساس صادرات النفط والغاز، مع الاحتفاظ بمستويات عالية من احتياطيات الغذاء وإمكانية الوصول إليه من خلال الواردات السريعة».
وشدد التقرير على أن توفير الأمن الغذائي للجيل الحالي والأجيال القادمة بمثابة بوابة كبيرة تؤمنهم على كافة الأصعدة خاصة في ضوء الظروف البيئية والمناخية الصعبة، التي تشكل تحدياً رئيسياً أمام دول منطقة مجلس التعاون الخليجي بأسرها، إضافة إلى إمكانية ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية نتيجة عوامل طبيعية أو عوامل أخرى من صنع الإنسان، وهنا سيكون الفائز الحقيقي من استعد مبكراً وقام بتأمين احتياطاته الاستراتيجية من الغذاء على غرار قطر.
وقال التقرير: «يوضح الحصار المفروض على دولة قطر منذ الخامس من يونيو 2017 كيف يمكن أن تتعامل بلد من دول مجلس التعاون الخليجي بذكاء مع الأزمات وتديرها لصالحها، رغم التغيرات الكبيرة، التي طرأت على منظومة إمداداتها الغذائية التقليدية».
وأضاف: «قبل الحصار كان حوالي 25 % من إجمالي المنتجات الزراعية و60 % من منتجات الألبان المستوردة في قطر تأتي من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وحتى الدول العالمية الأخرى، التي كانت ترسل إمدادات غذائية لقطر كان يمر 40 % منها عبر الحدود البرية مع المملكة العربية السعودية والبحرية في الإمارات، وبالتالي فإن حصار مثل الذي تم فرضه على قطر كان بمقدوره أن ينعكس سلبا على الاقتصاد القطري، ولكن قطر قلبت الطاولة على المحاصرين، وبدلاً من أن تنغلق على نفسها انفتحت أكثر على العالم، وتسببت في تكبد اقتصادات الدول المحاصرة لمبالغ هائلة فقدتها بسبب منع منتجاتها من دخول السوق القطري عقب الحصار».
ويلفت التقرير، إلى أنه وعلى الرغم من أن قطر فقدت القدرة على الوصول إلى حدودها البرية الوحيدة، إلا أن ميناء حمد عمل بطاقته الاستيعابية القصوى لكسر الحصار وهو ما نجح فيه بامتياز.
ويوضح تقرير مؤسسة راند أن قطر استخدمت مجموعة من الاستراتيجيات للتعامل مع الحصار ولضمان الأمن الغذائي ورغم أن الدولة كانت تمتلك احتياطيات غذائية كافية تلبي احتياجاتها لأكثر من 10 أشهر فإنها لم تتقاعس ولو ليوم واحد منذ ذلك الحين، حيث قامت بتدشين خطوط بحرية مباشرة وعقد شراكات مع حزمة من الموانئ وايجاد بدائل استيرادية فضلا عن تحفيز خطط دعم المنتجات الوطنية والانتاج الزراعي والصناعي وعلى المدى الأطول، واصلت البلاد استراتيجية التحول نحو اكتساب مجموعة مختلفة من الشركاء التجاريين الموثوقين، وأبرزهم الكويت وسلطنة عمان وتركيا وباكستان.
وركزت استراتيجيات قطر الفورية للتعامل مع الحصار على استبدال الطرق التجارية القديمة بأخرى جديدة، كما تتخذ الدولة أيضًا خطوات جدية لزيادة الإنتاج الغذائي المحلي.
وتشير التقارير الإخبارية المحلية إلى وجود جهود جارية حالياً بلا هوادة، لتكييف إنتاج الخضراوات مع مناخ قطر، وزيادة الإنتاج الحيواني المحلي، باستخدام أحدث الابتكارات العالمية.
الاكتفاء الذاتي
وأضاف التقرير: لعل السبب الرئيسي وراء نجاح قطر في تجاوز الحصار هو إيمان البلاد بأن أمنها الاسترتيجي ومستقبلها يتوقف على تحقيق الاكتفاء الذاتي في البلاد، ودعم تلك الاستراتيجية، في ضوء توافر موارد هائلة في البلاد، مع مواصلة تصدير البلاد للغاز الطبيعي المسال، كما أن ميناء حمد مازال مفتوحا وقد لعب هذا الميناء دورا كبيرا في مواجهة الحصار.
ويلفت التقرير إلى مواقف قطر الدبلوماسية في سياستها بتصدير الغاز الطبيعي، حيث تفصل بين السياسة والجوانب الاقتصادية رغم الحصار. ودلل التقرير على ذلك بقوله: على الرغم من أن دولة الإمارات واحدة من الدول المشاركة في حصار قطر، تواصل البلاد تصدير الغاز الطبيعي هناك عبر خط أنابيب دولفين، وهذا يدل على ذكاء دبلوماسي كبير من الحكومة القطرية، وهذا الذكاء يترجم إلى أرقام فعلية تؤكد نمو الصادرات القطرية عقب الحصار.
ويشير التقرير إلى أن كافة الاستراتيجيات، التي اتخذتها الحكومة القطرية تبدو ناجحة حتى الآن، حيث استقرت أسعار المواد الغذائية، بحلول شهر أكتوبر من عام 2017، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد وانما أصبحت الأسعار أرخص من ذي قبل بحلول صيف عام 2018، منخفضة إلى مستويات ما قبل الحصار، وسبب هذا في ارتفاع الشعور العام بالرضا عن الأداء الحكومي بين المواطنين والمقيمين في قطر. أيضاً. حقق الاقتصاد القطري نموا بنسبة 2.1 % في عام 2017، و2.6 % في عام 2018. وفي عام 2017، أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي ورقة بحثية بعنوان: «أربعة عوالم مستقبلية محتملة»، مبيناً آثار مختلفة لخطط الاكتفاء الذاتي على منتجي الغذاء العالمي والمستهلكين حتى عام 2030. وبنيت سيناريوهات على محورين رئيسيين، هما: اتصال السوق واتجاهات الطلب. وقال التقرير، إنه نظراً للموقف الفريد لدول مجلس التعاون الخليجي، وأنها تتمتع بوضع مالي قوي، فإنها تعتمد بدرجة كبيرة على الواردات، لدرجة أن الأمن الغذائي الخليجي مرتبط بشكل وثيق بالوصول البحري والجوي والبري إلى الدول الأخرى، وليس بقدرتها على دفع أسعار أعلى لتلك الواردات. وفي ضوء تلك النتيجة أعادت قطر تنظيم أوراق اللعبة لتركز مرة أخرى على منافذها البحرية والجوية، وإلى جانب الدعم الهائل الذي تمد به الخطوط الجوية القطرية والشركة القطرية للشحن، فقد قامت البلاد بافتتاح ميناء حمد الجديد، الأكبر والأكثر تطوراً في المنطقة الذي ساهم بحصة كبرى في قهر الحصار.
زيادة المخزون
ودعا تقرير مؤسسة راند دول مجلس التعاون الخليجي إلى زيادة المخزونات الغذائية. وبالتالي فإنه في حالة حدوث خلل، تكون المخزونات المادية من الطعام والماء موجودة بما فيه الكفاية، بالقرب من المراكز السكانية لتكون بمثابة إمدادات للطوارئ كما أوصى أيضا بعقد اتفاقيات بين دول مجلس التعاون الخليجي وبعضها البعض، لتوفير إمدادات الطوارئ من الغذاء أو المياه، ومع ذلك، فهذا الحل سيكون أقل جدوى، إذا حدثت صدمة تؤثر على بلدان متعددة، وتسببت في إغلاق طرق التجارة الإقليمية، وستكون على الأرجح ناجمة عن صراعات كبرى، ووقتها يمكنها الاستعانة بدائل قصيرة الأجل بخلاف المخزونات المادية، مثل النقل الجوي للغذاء.
وبعيداً عن حلول الأزمات الغذائية المتوقعة، التي قد تجدها هذه الدول مفيدة، يرى التقرير أن هناك أيضاً استراتيجية للتطوير الاستباقي لمحفظة متنوعة من طرق التجارة، والعلاقات التجارية، والعقود طويلة الأجل مع الموردين، وبالتالي، إذا تعطلت إحدى الطرق أو فشل أحدها تماماً، سيكون من الممكن التبديل بسرعة أكبر للواردات من شريك تجاري أو مورد آخر أو استيراد المواد الغذائية عبر طريق بري أو بحري آخر وهناك حل آخر لتوفير الأمنذ الغذائي يتمثل في استئجار أراض أجنبية شديدة الخصوبة ضمن سلة مشاريعها الاستثمارية الكبرى لإنتاج الغذاء بجودة ممتازة في الخارج، ومن ثم إعادة شحنه بحراً أو جواً إلى البلاد. ويلفت التقرير إلى أن دولة قطر تتبني معظم هذه الحلول لتأمين الأمن الغذائي.
ويقول تقرير مؤسسة «راند»: قد ترغب دول مجلس التعاون الخليجي، التي تسعى لإنتاج الغذاء في الخارج إلى دعم أسواقها المحلية، بالنظر في جدوى الاستثمار في مجموعة واسعة من البلدان المتنوعة جغرافياً.
ويرى التقرير ان دعم المنتجات الوطنية ومنح تسهيلات للزراعة وزيادة إمكانيات الإنتاج المحلي يمثل مرتكزاً رئيسيا لمرتكزات تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي وهو الحل الذي اختارت قطر القيام به في مواجهة الحصار. ولاحظ التقرير أنه إذا استمر دعم دول مجلس التعاون الخليجي وبصفة خاصة قطر في سياستها لتشجيع الزراعة المحلية، فأن الأسمدة المستوردة والمدخلات الأخرى المطلوبة للزراعة المحلية، يمكن أن تكون صناعة محلية هي الأخرى على المدى الطويل غير أنه أشار إلى أهمية الحفاظ على المخزونات المادية الاستراتيجية من البذور لدرء أية مخاطر محتملة.
درء المخاطر
وقال التقرير إنه في ضوء انخفاض مخاطر تعطل الإمدادات الغذائية، من المرجح أن تجد قطر ودول مجلس التعاون الخليجي فائدة عظيمة من التركيز على زيادة الإنتاج الغذائي المحلي، كما سوف تستمر على الأرجح في زيادة القدرة على تحلية المياه، وهذا سوف يكون مدفوعا في المقام الأول من قبل الزيادة السكانية، التي ستحتاج إلى مزيد من إمدادات المياه مستقبلاً، مع توجيه مياه البحار الأكثر ملوحة نحو الاستخدام الصناعي بدلا من الاستخدام الزراعي. وفي سبيل تحقيق قطر والخليج لسياسة اكتفاء ذاتي صحية، يجب أن تركز استراتيجيات الأمن الغذائي الواعدة كذلك على تخفيض مستويات الانكشاف على مخاطر الأسعار المرتبطة بالواردات، فنظراً لأن دول مجلس التعاون الخليجي قادرة الآن على مواصلة تصدير النفط والغاز، فهي قادرة ايضا على تحمل الواردات الغذائية حتى مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ومع ذلك، يمكن أن يسبب ارتفاع أسعار الغذاء المستمر عالمياً في تقليل إمكانية الوصول إلى الغذاء بنفس الجودة على المدى الطويل، وشعور بالعجز عن مواكبة تلك الأسعار بالنسبة لبعض فئات السكان. وشدد التقرير على أهمية وضع الميزانيات الحكيمة في قطر وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي، التي يجب أن تنظر للوضع الحالي والمستقبلي وبالتالي سيكون من المفيد التحوط ضد مخاطر الأسعار باستخدام الأدوات المالية المختلفة مشيرا إلى أنه في السنوات الأخيرة، اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي خطوات لإنتاج الغذاء المحلي، وذلك من خ?ل اعتماد أنواع المحاصيل الجيدة للتربة، والتي تصمم جينياً في معامل عالمية متخصصة ?ستص?ح ا?راضي الصحراوية، إلى جانب تحسين إمدادات ا?راضي والمياه من بين مداخلات أخرى عديدة داعيا إلى ضرورة الفوز بحرب تحدي الظروف المناخية والزراعية البيئية الطبيعية، والاستمرار في استخدام سلاح التكنولوجيا المتطورة لتكبيل تلك المعوقات على نطاق واسع، وعلى وجه الخصوص، عائقي محدودية موارد المياه العذبة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي، والارتفاع الهائل في درجات الحرارة، الذي تغلبت عليه الحكومة القطرية باستخدام التكنولوجيا المستحدثة رغم تكلفتها العالية.
copy short url   نسخ
23/02/2019
3759