+ A
A -
كتب– محمد الأندلسي
قالت وكالة «بلومبيرغ» الأميركية إن كيانات مصرفية عالمية مثل «غولدمان ساكس»، و«HSBC» وغيرها ندمت على ابتعادها عن قطر فور نشوب الحصار ومراهنتها على السعودية، وقد ترجمت هذه المصارف «ندمها» في تحركات تقوم بها حاليا لخطب ود قطر مجددا بهدف تعزيز علاقاتها مع كل من وزارة المالية القطرية وصندوق الثروة السيادي «جهاز قطر للاستثمار» للحصول على موطئ قدم في سوق المشاريع القطري المتنامي وذلك بعدما تأكدت من نجاح الاقتصاد القطري في تجاوز التداعيات الاقتصادية للحصار المفروض على البلاد منذ الخامس من يونيو 2017 إلى جانب تعثر طرح «أرامكو» السعودية وتلطخ سمعة الاقتصاد السعودي بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي حتى إن بعض مسؤولي البنوك العالمية أخفوا شاراتهم عن حضور المؤتمر الاقتصادي الدولي في السعودية الذي انعقد في أكتوبر 2018 وفي المقابل تسابق كبار المصرفيين للحضور العلني لمؤتمر يوروموني قطر الذي انعقد مطلع ديسمبر 2018.
وأظهر الاقتصاد الوطني نموا يفوق التوقعات ونجاحا كبيرا في تجاوز تأثيرات الحصار وهو ما تمخض عن تسابق مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية لرفع التصنيف السيادي لقطر حيث رفعت وكالة التصنيف الائتماني العالمية «موديز» نظرتها المستقبلية لقطر إلى مستقرة مع تثبيت التصنيف الائتماني للدولة عند مستوى (AA3)، مشيرة إلى أن قطر قادرة على مواجهة أية مخاطر محتملة بفضل احتياطياتها الضخمة وقوتها الاقتصادية. ورفعت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لدولة قطر إلى مستقرة، مؤكدة تصنيف قطر السيادي على المدى الطويل عند درجة «-AA» مرجحة أن تحقق قطر فائضاً يوازي 2.9 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 بالتزامن مع توقعات بارتفاع الإنفاق الحكومي الرأسمالي على المشاريع التنموية الكبرى بينما أكدت وكالة التصنيف الائتماني العالمية «كابيتال انتليجنس» تصنيف العملات المحلية والأجنبية طويل الأجل لدولة قطر عند درجة -AA مع تصنيف العملات المحلية والأجنبية على المدى القصير عند +A1، فيما أكدت وكالة ستاندرد آند بورز العالمية S&P التصنيف الائتماني السيادي لدولة قطر بالعملات المحلية والأجنبية .
وقطعت قطر أيضا شوطا كبيرا في سبيل تحسين مناخ الاستثمار وتطوير بيئة الأعمال الأمر الذي يعزز فرص استقطابها للتدفقات الأجنبية عبر حزمة من القرارات والتشريعات المرنة مثل اعفاء مواطني 88 دولة من تأشيرة الدخول وإقرار قانون تنظيم الاستثمار الأجنبي في النشاط الاقتصادي، والذي يجيز لغير القطريين الاستثمار في جميع القطاعات كما يتيح للمستثمر الأجنبي التملك بنسبة 100 % في غالبية قطاعات الاقتصاد بعدما كانت هذه النسبة لا تزيد على 49 % وخلال 2018 تم إقرار قانون بشأن تنظيم تملك غير القطريين للعقارات والانتفاع بها، وبموجب أحكام المشروع يجوز لغير القطريين تملك العقارات والانتفاع بها، في المناطق ووفقا للشروط والضوابط والمزايا التي يصدر بتحديدها قرار من مجلس الوزراء كما تم تعديل بعض أحكام القانون رقم 34 لسنة 2005 بشأن المناطق الحرة الاستثمارية وأيضا حلت البورصة القطرية ضمن قائمة أفضل الأسواق العالمية أداء في 2018 بارتفاع مؤشرها بنسبة 20.83 % وذلك على وقع رفع سقف ملكية الأجانب لدى قطاع واسع من الشركات المدرجة في البورصة القطرية لمستوى 49 % الأمر الذي زاد الوزن النسبي لهذه الشركات بمؤشري مورغان ستانلي كابيتال للأسواق الناشئة MSCI ومؤشر فوتسي وقد أدت هذه الإجراءات المحفزة للاقتصاد الوطني إلى تفوق البورصة القطرية على أسواق دول الحصار وحلت بالمرتبة الأولى خليجيا من حيث استقطاب الاستثمارات الأجنبية ببلوغ التدفقات الأجنبية الواردة إلى بورصة قطرخلال 2018 مستوى 2.46 مليار دولار فيما جاء السوق السعودي في المرتبة الثانية بتدفقات أجنبية واردة بلغت 794 مليون دولار فقط وجاء سوق ابوظبي المالي في المرتبة الثالثة مستقطبا 506 ملايين دولار بينما جاء سوق مسقط في المرتبة الرابعة بتدفقات سلبية أدت لخروج استثمارات أجنبية بقيمة 309 آلاف دولار ثم جاء سوق دبي بالمرتبة الخامسة بخروج استثمارات أجنبية بلغت قيمتها 245 مليون دولار مما يعني أنه الأسوأ أداء خليجيا علما بأن البيانات لم تتضمن معلومات بشأن أداء كل من بورصتي الكويت والبحرين.
وفي التفاصيل يقول المحلل المالي، فواز الهاجري: «باتت قطر اكثر قوة عن ذي قبل، ولم يزدها الحصار الجائر، إلا جاذبية استثمارية اعلى وذلك لأنها تحركت بذكاء وواجهت الحصار بإجراءات وتدابير عززت مناخ الاستثمار وطورت تشريعاتها الاقتصادية وباتت اكثر مرونة وانفتاحا، وما تشعر به الكيانات والمؤسسات المصرفية من ندم لتفريطها في الاستثمار بدولة قطر ليس إلا انعكاسا حقيقيا لقوة الاقتصاد القطري، ورغبتها في معاودة الفوز بفرص استثمارية بالسوق المحلي خصوصا في ظل المشاريع الكبرى والفرص الاستثمارية في قطر».
وأضاف الهاجري: «تتعدد أوجه الاستثمارات التي تسعى اليها البنوك الأجنبية في السوق المحلي غير انها تتركز على تمويل المشاريع الكبرى وإدارة الثروات خصوصا أن موازنة 2019 تتضمن ترسية مشاريع بقيمة 48 مليار ريال فيما تشير التقديرات إلى أن حجم المشاريع الجارية والأخرى المخطط لها والمتوقع تنفيذها في قطر خلال السنوات المقبلة تقدر بنحو 85 مليار دولار الأمر الذي يعني أن السوق القطري زاخر بالفرص التي تستقطب المصارف العالمية».
وشدد الهاجري على أن قوة الاقتصاد القطري ومعدلات نموه المتسارعة كانت مفاجأة ألجمت الذين راهنوا على دول الحصار.. وعقدت ألسنتهم غير أن هذه البنوك تقيس استثماراتها وفقا لاعتبارات الجدوى الاستثمارية ولذلك فإنها عادت نادمة إلى قطر تبحث عن حصة من كعكة الاستثمارات والمشاريع.
بدوره قال المستثمر، محمد سالم الدرويش: «شعور كيانات مصرفية عالمية بالندم بعدما تبين لها خطأ قرارها السابق بالرهان على السعودية يعكس قوة الاقتصاد القطري في مواجهة انكماش الاقتصاد السعودي.. أن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبدا.. ورغم ان تغيير موقف هذه المؤسسات المصرفية العالمية جاء بعد اكثر من 18 شهرا من الحصار الجائر على قطر، إلا انه يؤكد مدى القوة والجاذبية الاستثمارية لدولة قطر وتفوقها ايضا على اقتصادات دول الحصار».
وأكد الدرويش ان تعثر طرح شركة أرامكو السعودية وقضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تركيا، وتراجع جاذبية الاستثمار بالسعودية.. كل ذلك أفشل الرهان على السعودية وفي المقابل كانت قطر تسجل أعلى معدل نمو اقتصادي خليجي وتتسابق وكالات التصنيف الائتمانية على رفع تصنيفاتها السيادية وتحقق طفرة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتباشر تطوير تشريعاتها الاقتصادية.
وأوضح الدرويش قائلا: البنوك العالمية تدرك أهمية دخول السوق القطري الذي يوفر حزمة من المحفزات والفرص الاستثمارية المتعددة بالاضافة إلى الاستفادة بالبيئة التشريعية المحفزة على الاستثمار في قطر فضلا عن رغبتها بأن يكون لها نصيب في تمويل المشاريع الضخمة في قطر، بالاضافة إلى الانخراط بقطاع إدارة الثروات .
وأكد الدرويش أن الاقتصاد القطري يخطو بثبات وقوة وفق رؤية القيادة الرشيدة التي مكّنت الاقتصاد القطري من تحقيق معدلات نمو جعلته واحداً من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، لافتا إلى استفادة البنوك العالمية من كافة المحفزات الاقتصادية في السوق القطري.
من جهته يقول المستثمر يوسف أبو حليقة إن الضغوط التي مارستها دول الحصار على البنوك الدولية من اجل ان تبتعد عن دولة قطر، باءت كلها بالفشل الذريع، والدليل الاكبر هو معاودة مثل هذه المؤسسات المصرفية العالمية التقرب مرة أخرى إلى دولة قطر، لاسيما وأن القطاع المصرفي المحلي يتميز بالقوة والمتانة، كما تتمتع البنوك القطرية بملاءة مالية ومستويات سيولة كبيرة وتحقق أداء إيجابيا رغم استمرار الحصار.
copy short url   نسخ
18/02/2019
1436