+ A
A -
حوار - أمين بركةالانسحـاب الأمـيركي من سـوريا تصـرف غير مســؤولالتطــبيع مــع نــظــام الأســــد جــريــمـــةوضعت التطورات الأخيرة التي طرأت على معطيات الثورة السورية لا سيما في ما يتعلق بتغير الموقف الأميركي، ومعه موقف بعض الدول العربية، إزاء نظام بشار الأسد، علامات استفهام متعددة حول طبيعة الصراع في سوريا ومستقبل الثورة السورية وبقاء بشار الأسد في الحكم إلى ما لا نهاية. في هذا الحوار تتحدث الوطن مع المعارض السوري البارز ومدير مركز «الشرق العربي» للدراسات الاستراتيجية والحضارية زهير سالم حول محاولة بعض الأنظمة العربية إعادة العلاقات مع النظام السوري، وتغير بعض المواقف الغربية من النظام السوري في محاولة لإعادة تأهيل الأسد للاستمرار في الحكم والعديد من القضايا الأخرى التي تتعلق بمستقبل الثورة السورية.
وأكد «سالم» خلال الحوار على أن سوريا تبحر نحو المجهول، ونحو حالة من استمرار الصراع بأساليبه المختلفة، لافتا إلى أن الروس والأميركيين والإيرانيين يشعرون أنهم انتصروا في احتواء المد الثوري وفرض حل عسكري على الشعب السوري.. وإلى نص الحوار:
} كيف ترى مستقبل ثورة سوريا في ظل ما يجري من محاولات عربية لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد؟
- سوريا الدولة والوطن والإنسان تبحر نحو المجهول. نحو حالة من استمرار الصراع بأساليبه المختلفة؛ فالروس والأميركيون والإيرانيون مع زمرة الأسد يشعرون أنهم انتصروا في احتواء المد الثوري، ثم في فرض حل عسكري على الشعب السوري. إن كل ما قيل عن حل سياسي كان كذبة كل المعارضين الذين غربلهم ونخلهم الروس والأميركيون والدول الإقليمية التي تسعى لإعادة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد هي مجرد دمى هم مجرد دمى، وما انكسر لن يجبر، وإذا كان لبعض الدول مصالح في تقسيم سوريا فإن هذا السهم سينفذ، لا قدر الله. أما الدول العربية – مع كل الأسف – فلم تكن في أي مرحلة صاحبة قرار في الثورة السورية. كانت قلوب كثير من القادة العرب ومن الشعوب العربية مع الشعب السوري وثورتهم؛ ولكن قرارهم جميعا ظل تحت السقف الدولي (الروسي – الأميركي). وشاهدنا أنه ولا دولة عربية ولا إقليمية تجرأت على أن تمد السوريين بصاروخ واحد مضاد للطيران؛ ولاسيما بعد أن حول الروس المعركة إلى معركة جوية يسكبون فيها على الشعب السوري كل أنواع البلاء. نذكر أن الصواريخ المضادة للطائرات بأنواعها هي أسلحة دفاعية، ومنها ما هو سلاح فردي غير استراتيجي. والدول التي لم تكن مؤثرة تأثيرا نوعيا عندما أقبلت لن تحدث هذا التأثير عندما يتغير موقفها في أي اتجاه.
} كيف تقيم الموقف الغربي والأميركي الأخير من الثورة؟
-واحد لم يتغير منذ انطلاق هذه الثورة، وإنما يتم الإعلان عنه يوما بعد يوم. حسب مقتضى الحال. قامت الاستراتيجية الأميركية والأوروبية تابعة لها على قاعدة: احتواء الثورة السورية، والالتفاف على الثوار، وتشتيتهم واتهامهم بالإرهاب، والتمسك بنظام الاستبداد الطائفي كما تمسكوا في مصر بنظام العسكر، وها هم اليوم يحققون مبتغاهم عن طريق حل عسكري باشره الروس والإيرانيون ويفرضونه اليوم على الشعب السوري. أوباما وترامب بالنسبة للثورة السورية واحد والموقف مشتق من الإرادة الصهيونية في التمسك ببشار الأسد.
} هل ترى أن ثورة سوريا ضاعت بين سندان جرائم الأسد وحلفائه ومطرقة التخلي العربي عن الثورة السورية؟
- مازلت بحمد الله متفائلا. سوريا لم تضع ولن تضيع.. صحيح أن الثورة تمر باختناقات صعب جدا، وأن الثوار قد أحيط بهم دوليا وإقليميا ولاسيما بين مزدوجات التوافق الأميركي – الروسي – الصفوي – الصهيوني إلا أن نظرة واحدة على واقع الحياة العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في مناطق سيطرة النظام ينبئنا أن الوضع في سوريا الأخرى أشد تدهورا وإرباكا. لست في وارد تحميل الدول العربية المسؤولية عما جرى في سوريا. العربي يقول: يدك منك وإن كانت أشلاء. مع الأسف هؤلاء هم قومنا وظهيرنا وعزوتنا. ربما كان الفلسطيني والسوري واليمني سينشد: لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذاً لقام بنصري معشر خشن
عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا
في مأثورنا الشعبي نردد: قيل للأرنب هل تأكلين اللحم؟ قالت حتى أسلم على لحمي!!
} كيف تقيم دعم قطر لثورة سوريا؟
-كانت قطر – حمى الله قطر وشعبها وقيادتها – من الدول العربية السباقة إلى دعم الثورة السورية، وهي وقفت معنا قلبا وقالبا.
} ما السبيل الأمثل لإنهاء الأزمة في ظل الدعم الكبير الذي يقدم لنظام الأسد من قبل إيران وروسيا؟
-السبيل الأمثل لحل الأزمة أن تستطيع قوى الثورة على الأرض إعادة تنظيم نفسها والاستفادة من تجارب السنين السبع، ومن نجاحاتها وأخطائها، وإدراك أن الثورة ليست في حمل السلاح فقط، ووضع استراتيجيات جديدة أهم ما فيها أنها لا تجعل قرار المعارضة مرهونا بإرادة عدو أو صديق؛ فالبدائل في عقول العقلاء كثيرة إنما يحسمها صاحب قرار متمكن.
} ما المطلوب من العالم تجاه الأزمة السورية؟
-نستطيع بلغة أكثر انضباطا سياسيا أن نتحدث عن المجتمع الدولي بمؤسساته ومنظماته ومواثيقه وقانونه وكل الذي نريده كسوريين أن يكون هذا المجتمع وفيا للمبادئ القانونية التي شرعها، والمواثيق الإنسانية التي قام عليها. إن أي خرق للقانون الدولي، وأي تجاوز على مواثيق حقوق الإنسان هو انخراط فعلي في ممارسة الإرهاب وليس في الحرب عليه. أصبحت كلمات مثل: قانون دولي، أمم متحدة، مجلس أمن، منظمات حقوق إنسان، تثير سخرية أطفال السوريين قبل كبارهم؛ لأن هذه السياسات الناقمة على شعوب المنطقة سيكون لها مخرجاتها السلبية على الجميع. إننا وبعد الذي جرى في سوريا لم نعد نريد من هذا العالم شيئا، ولا نتوقع منه شيئا غير المزيد من الشر والقتل والتشريد.
} ما دور المعارضة في الخارج لا سيما هناك من يقول إن دورها ضعيف جدا؟
- معارضة الخارج إن لم تكن ترتكز على قوى حقيقية في الداخل، وإن لم تكن معتمدة من دول قوية في الخارج، كما اعتمدت المعارضة العراقية في يوم من الأيام، فلا قيمة لها. قوى المعارضة السورية في الخارج اليوم، لا تملك من أمرها شيئا بل لا تملك من أمر الثورة السورية. وهي تلعب الدور الذي يرسم لها وتخطو الخطوة بالمقدار المحدد، أرجو ألا يعتبر هذا اتهاما، وإنما هو مجرد توصيف لأشخاص وجدوا أنفسهم في موقف فرحوا به وهم لا يحسدون عليها. ونتيجة لغياب الممارسة السياسة في الحياة العامة في سوريا على مدى نصف قرن. وغياب جميع أشكال مؤسسات المجتمع الأهلي والمجتمع المدني والتنظيمات السياسية، فإن المعارضة السورية في الخارج تكونت من مجموعة من الأفراد الوطنيين الذين لا قدرة لهم على الانفراد بالعبء الوطني وبما يستنجزه من متطلبات. وبدلا من أن يجد هؤلاء المواطنون الشرفاء من إخوانهم العرب رافعة تجمعهم وتوحدهم وتساعدهم وتدعمهم في المحافل الدولية أدى التشاكس العربي إلى خلق حالة من البلبلة والنزاع في صفوف هذه المعارضة التي لم تكن في أي لحظة تملك قرارها.
} ما دور تنظيم داعش في تدمير الثورة السورية؟
- في الحقيقة فقد مثلت هذه التنظيمات بفكرها وأطروحاتها وأساليبها الذريعة الأبشع لتدمير ثورات الربيع العربي. ولتشويه وجه المشروع الإسلامي الجميل. وتبادلت هذه التنظيمات مع الأنظمة المستبدة المتوحشة الدور الوظيفي نفسه في خدمة المشروع الإمبريالي العالمي والصهيوني على مستوى الشرق الأوسط. ولاتزال هذه التنظيمات تلعب دورها المريب في المنطقة. ولاتزال تلعب دورها الوظيفي وتتلقى الدعم من كل الأطراف الدولية لتستمر في لعبتها. ربما تأخر بعض السوريين في إدراك هذه الحقيقة. ولكننا نرى اليوم أن حرب الإعلام العالمي على هذه التنظيمات قد هدأت وهي لاتزال مستعرة ضد الإسلام والمسلمين عقيدتهم وشريعتهم وأنماط عيشهم وقواهم الحية.
} كيف تقرأ الضربات الإسرائيلية الأخيرة ضد مواقع سورية وإيرانية بسوريا؟
-إن العدوان الصهيوني المتكرر والمتتابع على أرضنا السورية هو مدان ومستنكر من كل سوري حر وشريف مهما تكن طبيعة الأهداف التي تستهدفها. وإن حجم هذا العدوان أكبر بكثير مما تم الإعلان عنه حتى الآن. ولقد كشف رئيس الأركان الصهيوني غادي ايزنكوت أنه تم استهداف 2000 هدف خلال عام واحد هو 2018. قد نقول إن هذه الضربات بجملتها عمليات تجميلية لتعيد إلى محور المقاومة والممانعة بعض الصدقية التي فقدها من خلال الحرب الطائفية التي شنها على الشعبين العراقي والسوري. على الصعيد الاستراتيجي فإن دور العصا القذرة التي ارتضى ساسة إيران القيام به متحالفين مع الصهيوني والروسي والأميركي قد انتهى. لقد صمت الأميركي والصهيوني عن الدور المريب لحزب الله وميليشيات أبوالفضل العباس و«الزينبيون» و«الفاطمون» ست سنوات؛ لنسمع الآن فقط أن الوجود الإيراني في سوريا يشكل مشكلة. نعتقد أنه حتى هذه الدعوى لا رصيد لها.
} كيف ترى القرار الأميركي بالانسحاب من سوريا؟
-يمثل قرار ترامب إعلان الانسحاب الفوري من سوريا حالة النزق وانعدام المسؤولية الأخلاقية والسياسية في هذا العالم. إن نجاح مثل ترامب في الانتخابات الأميركية يمثل حالة من تفكك المجتمعات وانسداد الأفق عند المواطنين حتى في الولايات المتحدة الأميركية. لقد أعلنت الولايات المتحدة طويلا أنها لن تتدخل في سوريا. ورغم حجم الهولوكست الأسدي – الروسي – الإيراني تجاهلت الولايات المتحدة قانون حماية المدنيين الأممي الذي يوجب على الدول التدخل لمنع جرائم الحرب وحروب الإبادة. ثم ما لبثت الولايات المتحدة أن تدخلت في سوريا. وزعمت أنها تدخلت لحرب الإرهابيين الدواعش ولكنها تحالفت مع إرهابيين آخرين. لقد اشترك التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة مع الروس والصفويين في تدمير المساجد والمدارس والمستشفيات وقتل النساء والأطفال. نحن نطالب بانسحاب جميع القوى الأجنبية من ديارنا. وحين تنسحب الولايات المتحدة وحدها ستترك فراغا ترتع فيه بقية قوى الشر. أحيانا يشكل تقارب قوى الشر نوعا من التوازن يستفيد منه المستضعفون. وإن صناع السياسة من العقلاء في الولايات المتحدة يحاولون اليوم الالتفاف على قرار الرئيس الأميركي النزق واللامبالي.
} من يملك خيوط اللعبة في سوريا؟
- سؤال مهم ومعقد ومربك، المهم بالنسبة إلينا أن يكون للشعب السوري وللثوار فيه خيطهم أو حبلهم الذي يتمسكون ويعتصمون به؛ وأن يتعاملوا بحكمة وموضوعية مع بقية الممسكين بالخيوط. والمهم ثانيا أن يستشعر قادة الأمة في كل الأقطار طبيعة المعركة في سوريا. فالمعركة في سوريا لم تعد معركة بين شعب مظلوم ورئيس ظالم بل لقد أصبحت جولة من جولات الصراع التاريخي على مستوى الأمة أجمع. تساءلنا عن سبب بعثرة المعارضة السورية فلماذا لا نتساءل عن سبب بعثرة الممسكين بالخيوط من دول الإقليم الذين هم فوق الشبهة وفوق الحاجة إلى إنذارات المشهد. فهم يزعمون أن روسيا وإيران تملكان الكثير من خيوط اللعبة؛ ولكن الذي أراه أن الروس لم يمسكوا من الخيوط إلا الذي تخلى عنه نظراؤهم الغربيون، والإيرانيون امتلكوا خيوطهم بالجرأة والتمرد على القانون الدولي بتدخلهم السافر والمباشر في سوريا بينما لاتزال الدول العربية مترددة فيه.
} ما رؤيتكم لمستقبل سوريا السياسي؟
-نحن مأمورون بالتفاؤل، قد يصعب المخاض ولكنني أتطلع إلى سوريا كدولة مدنية حديثة تجمع بعدل ومساواة كل أبنائها. دولة تعددية سياسيا ومجتمعيا، دولة تشاركية توافقية، واضحة الانتماء والهوية أنموذج حضاري يقدم الشعب السوري من خلاله إبداعاته التي شهد له بها التاريخ.
} هل من كلمة أخيرة؟
-إن ثورات الشعوب إن كانت قد انطلقت من عوامل حقيقية من الظلم والاستبداد والفساد، عوامل دافعة للثورة، فإنه سيكون من المستحيل إعادة كبتها. لن يعود المارد إلى القمقم، ولن يستطيع بشار الأسد أن يعيد فرض الحل العسكري على الشعب السوري.
copy short url   نسخ
16/02/2019
1273