+ A
A -
متابعة - محمد صلاح
تحدث فضيلة الدكتور محمد بن حسن المريخي في خطبة الجمعة، أمس، بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، عن السفر بين الضرورة والكمالية، وقال إن السفر والترحال شيء لا بد منه في حياة الإنسان ما دام حيّاً، مشيرا إلى أن الإنسان في حياته الدنيا لا يستغني عن السفر والانتقال من أرض إلى أرض أو من ديار إلى ديار طلباً للرزق والمنفعة وما يحتاجه ويطلبه.
وأفاد فضيلته بأن السفر حينما يكون بهدف الطاعة والعبادة يكون أعظم الأسفار قدراً ومقاماً، مضيفا أن السفر مهما كان هدفه وغايته فهو قطعة من العذاب لما يصيب المرء فيه من الأتعاب والإحراج والمشقة، حيث ينقطع فيه المرء عن أهله وولده وزوجه وبلده، ويبتعد عنهم ويعيش فترة سفره مع غرباء، يرحمونه أو يحزنونه، يرضونه أو يغضبونه، ويشعر بالحزن والضيق والتعب حتى يعود إلى مستقره ومأواه، واستشهد فضيلته بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله» رواه البخاري.
وأشار دكتور المريخي إلى أن الناس في أزماننا هذه يسافرون مشارق الأرض ومغاربها بنيات مختلفة ومتباينة، ومقاصد هادفة أو غير هادفة وأغلب السفر للسياحة والتنزه وتفريج الهم وتوسعة الخاطر والسياحة اليوم حولت وبدلت عن حقيقتها، فإن معناها الحقيقي مفارقة الأوطان والسير في الأرض للعبادة والاعتبار والعظة، والاستفادة من علم ومعرفة وثقافة ورزق.
فوائد وأضرار السفر
ولفت خطيب جامع الإمام إلى أن الخبثاء والأعداء نصبوا هذه الأيام شباكهم وفخاخهم للشباب المسلم والعربي خصوصاً، حيث نصبوا لهم باسم السياحة الخبث والخبائث من شرب الخمور والزنى والغناء والمخدرات وكل مصيبة وبلوى، لافتا إلى أن في الأسفار فوائد وعظات وعبر، وعلى رأس الفوائد إجابة الدعاء، فلقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم «الرجل يطيل السفر يمد يديه إلى السماء ولولا أنه واقع في الحرام لاستجيب له» فإطالة السفر بمجردة يقتضي إجابة الدعاء كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن، دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
وقال فضيلته إنه متى طال السفر كان المرء أقرب إلى إجابة الدعاء لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان وتحمل المشاق والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء موضحا أن المرء في أسفاره تقابله المواقف والأحداث التي تذكره بربه وخالقه من ضيق وعسر عند أقوام وقلة حيلة وضعف بصيرة عند آخرين، وشقاء وراحة وفسحة وتعب ونصب، يمر المسافر بأشكال من البشر وأنماط من المعيشة الإنسانية.
كما يمر بديار وبلدان خاوية على عروشها، قد خلت من أهلها، فصارت أطلالاً وآثاراً بعدما كانت عامرة بهم، مرت عليهم السنون والأعمار وانتهت الآجال فأخذهم هادم اللذات ونقلهم إلى البرزخ والقبور، فهذه بيوتهم خاوية، وهذه بلدانهم وعمرانهم وبساتينهم وزروعهم.
وحذر د.المريخي من أن الأسفار اليوم مع يسرها وسهولتها إلا أنها تنطوي على أخطار كبيرة، يتعرض المسافر لأشكال من المخاطر تصل إلى تهديد حياته، لافتا إلى أن أهل الخبث والبغاء والمنكرات والفحش يتصيدون للإنسان في أسفاره ينادونه للمحرمات والمنكرات باسم السياحة والاستجمام حيث حولوا السياحة التي هي للفائدة والعبرة والمنفعة الحلال إلى الدعوة إلى المعاصي، فالسياحة اليوم مشبوهة إلا ما ندر، ولا تكاد تخلو من محرم وإثم وفسق، فالمغرضون نصبوا شباك الاحتيال والخنا على طريق الأسفار لينالوا أو يكسبوا منهم المكاسب المحرمة وأحياناً يتعرضون لحياة المسافرين، فإما أن تدفع ما بحوزتك وإما أن تقتل، فيدفع مضطراً مشترياً حياته وبقاءه على قيد الحياة، يشتري حياته بماله، فيسلب ويسرق، ويبقى في سفره لا يملك درهماً ولا متاعاً.
مخاطر السفر
ونوه د.المريخي إلى المخاطر التي يتعرض لها المسافرون قائلا «يوجد في السفر العديد من حوادث القتل التي ووقعت ضد مسافرين أبرياء، وحوادث السرقة والاختلاسات والتزوير واللعب على المسافر والضحك عليه لسلب أمواله وحوائجه.. والبلوى الكبرى المخدرات التي غالباً ما تكون في سفر حيث الفراغ والجليس السيئ والبعد عد الديار والأهل وتوفر هذه الخبائث في البلدان الكافرة والهاملة بكثرة ووفرة»، موضحا أن هذه البلوى التي ذهب ضحيتها شباب أبرياء نتيجة مرافقة السيئين وأهل الباطل.
واستطرد قائلا، ولا ننكر أن البعض ممن يسافر يسيء إلى نفسه وأهله وسمعته وبلده ودينه وأصله، ويلطخ وجهه بتصرفات سيئة شهوانية صبيانية، يأمن مكر الله تعالى فإذا به ينكشف ويفتضح وتهوي سمعته إلى الدرك الأسفل وينكسر بعد اعتدال ويذل بعد عز ويتصاغر بعد مقام ورفعة فيظن أن ابتعاده عن وطنه وأهله سيخفي أمره حتى على ربه عز وجل.
وقال مخاطبا المصلين: لهذا وأكثر من هذا يجب على الفطن الحصيف أن يدرس مدى حاجته للسفر دراسة مستفيضة ويستشير أهله وولده ووالده والصديق المخلص ليقف بإذن الله تعالى على رؤية واضحة وبصيرة تامة على مدى الحاجة إلى السفر، فلم تعد الأسفار آمنة كما كانت، ولم تعد الأمور على حالها القديم، بل كثر الخبث والخبثاء والمجرمون والقتلة والمفسدون حتى بلغ ببعض الحاقدين والحاسدين أن كل مسافر جاء للإفساد والتخريب فما يجد مسافراً إلا وأغلظ عليه في القول والتعامل والسخرية والتهجم والاعتداء.
ونصح فضيلته بأن أكرم الأسفار وأعظمها يكون إلى طاعة الله تعالى من خلال السفر للحج أو العمرة أو الصلاة في رحاب الحرمين الشريفين، وقال فلتكن الاسفار ذا فائدة جليلة، ليكن السفر للاعتبار والعبرة، فإذا سافرتم فانظروا وتفكروا واعتبروا واتعظوا في عجائب خلق الله عز وجل، تفكروا في النعم التي أغدقها الله عليكم والمنن التي أسبغها عليكم ظاهرة وباطنة.
التفكر في السفر
ودعا المصلين على التفكر في ذلك قائلا: تفكروا فيها وأنتم تعيشون في ظلالها، وقد أنقصها الله تعالى عليهم، تفكروا في الحال إذا ضعفت النعم وضاقت الأرزاق، واسألوا الناس عن حالهم، لتعلموا فضل الله ونعمته عليكم، لتقدروها وتثمنوها وضرب الله مثلاً قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.
وتابع: وإذا زرتم المدن القديمة والآثار وما بناه الأولون والسابقون فاعتبروا فلقد كان فيها بالأمس أقوام وبشر يمشون فيها ويسيرون ويبنون ويعمرون ثم جاءهم وعد الله الحق فغادروا بلدانهم ودنياهم وأخذهم الموت.
فتلك بيوتهم خاوية، فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً خلت ديارهم منهم لظلمهم أو بانتهاء آجالهم، فتركوا مساكنهم وديارهم وأموالهم من ورائهم فلم يسكنها أحد غيرهم لتبقى عبرة وعظة لمن بعدهم (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوماً آخرين).
(فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم) فاسألوا أنفسكم واسألوا الديار عن أهلها أين ذهب ساكنوها، وعامروها؟ من الذي أخذهم وأين ذهبوا ولمن تركوا هذه الديار (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين)، (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثاراً في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون).
وجدد دعوته للتفكر في هذا الأمر قائلا، تفكروا في أحوال من أعرضوا عن نعمة الإسلام واستخفوا بالشريعة المحمدية كيف آل حالهم ومال وضعهم، كيف ضاقت معيشتهم عليهم وعسرت مواجدهم وتبدلت حياتهم وانقلبت أوضاعهم وتنكست راياتهم (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً)، وقال انظروا إلى عواقب تبديل النعم والجحود والنكران، التفتوا إلى حال الجاحدين للمنعم، المنكرين فضله ومنته، قلبوا أبصاركم في حال من نسي الله تعالى فلم يشكر نعمته أو اكتفى بالقول دون الفعل. وانظروا إلى من لم يعط للدين الحنيف وزناً ولم يرفع للشريعة رأساً، كيف وصل بهم الأمر وكيف تحولت حياتهم يعملون الليل والنهار لا يجدون إلا نادراً (كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتا أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور).
وفي الختام قال إنه بذلك تكون الأسفار نافعة وتقطف ثمارها وتجنى نتائجها الطيبة، فعندما تكون للفائدة الأكيدة والبراءة النقية والرضى والتقوى والعبرة ولا تكن خالية من ذلك الخير، فإن الله تعالى أعاب على من هذه حالتهم لا يعتبرون ولا يتعظون ولا يستفيدون من الدروس التي يجريها الله تعالى في الدنيا فقال عنهم (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها).
وقال: فلندرس مشاريعنا دراسة وافية من كل الجوانب ولنعد العدة للأسفار الكبيرة التي لا رجعة منها وهي السفر للدار الآخرة وهو السفر الذي لا بد منه شاءه المرء أم أباه، ابتغاه أو كره، كل نفس ذائقة الموت.
فمثلما نعد عدة أسفار الدنيا ونهتم بها ونبذل لها غالي أنفسنا ونفيسها، فليكن الإعداد الكبير للسفر إلى القبور والآخرة بالعمل الصالح الخالص الموافق لما جاء به رسول الله وخير زاده التقوى الذي نصح الله به عباده (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب).
copy short url   نسخ
30/07/2016
3694