+ A
A -
الدوحة- الوطن
كتاب التاريخ الثقافي لمصر الحديثة- المؤسسات العلمية والثقافية في مصر في القرن التاسع عشر للكاتب والباحث المصري الدكتور وائل إبراهيم الدسوقي، والصادر مؤخرًا ضمن سلسلة مكتبة الأسرة، التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب.
يقول د.علي عفيفي علي غازي عن الكتاب: من المؤكد أن الإصلاح الذي عرفته مصر في القرن التاسع عشر، لم يكن ظاهرة غير مسبوقة، ولا حدثًا استثنائيًا في مصر، بل كان مرحلة زمنية غنية ومتميزة في سياق التطور الاجتماعي والثقافي للفكر المصري عبر تاريخها الطويل، هذا الفكر الذي تسكنه وتكمن فيه الروح الإصلاحية بشكل ثابت ومستمر، لذلك وجد الباحث أن رجال الإصلاح، منذ نهاية القرن الثامن عشر، وعلى الرغم من إيمانهم العميق بضرورة انفتاح البلاد على التطورات الجارية في العصر الحديث، إلا أنهم كانوا يبحثون عن طريقة ما لربط نشاطهم الفكري والاجتماعي بجهود وأفكار علماء كبار عاصروهم في بلدان أخرى، أو تقدموهم في عصور سابقة.
وكان مفكرو الإصلاح يبتغون من وراء عملهم هذا إظهار الاحترام والتقدير الكامل لجهود العلماء مهما اختلفت أماكنهم وعصورهم، والإقرار بمكانتهم وسلطتهم المعرفية من جهة، وتأكيد مبدأ ضرورة تواصل الأمة مع سلفها، والتزامها بمصادر المعرفة في أي مكان من جهة ثانية.
ولهذا حرص رواد الحركة الإصلاحية في مصر على التواصل مع كل التيارات الفكرية، التي كانت تمد مصر بأسباب البقاء والنماء في كل مراحلها التاريخية.. وقد حرصوا بشكل خاص على إثبات تواصلهم الوشيج مع العلماء في كل المجالات، وكان قيامهم بحركة ترجمة واسعة النطاق لأعمال العلماء الأجانب في شتى العصور، هو أكبر دليل على ذلك، وهو العمل الذي تآلفت فيه جميع المؤسسات العلمية والثقافية في القرن التاسع عشر، واعتبروا هذا من أولويات أعمالهم.
وعلى العكس تمامًا كان موقف الغرب من مصر ومشروع نهضتها، فلم تتوقف المحاولات الغربية لاستغلال أي محاولة للنهوض بما يتلاءم ومصالحهم.. وأصبح على المصريين أن يحرصوا على جعل مصر من القواعد العلمية المهمة لمواجهة المشاريع الغربية في المنطقة، وقد استمرت جهودهم طوال القرن التاسع عشر، مما شكل تحديًا لكل محاولات وأد أحلامهم النهضوية.. والأمر اللافت للنظر أن روافد عديدة تدفقت لتجري في المجرى العام لليقظة المصرية في القرن التاسع عشر، حينما ازداد وعي الناس، وخرج إلى النور من ينادون بالتطور من أمثال: حسن العطار، رفاعة الطهطاوي، علي مبارك، أديب إسحاق، عبدالله النديم، محمد عبده، ويعقوب صنوع.. وهبت الرياح الفكرية سواء من الشرق أو الغرب، فمن الشرق جاء الشوام المثقفون الهاربون من اضطهاد الأتراك، ومن الغرب جاءت مفاهيم الحرية والمساواة والعدالة الإنسانية، لتختلط بالأصول الدينية في المجتمع المصري، فأفرزت مزيجًا فريدًا كان في مجمله مشروعًا لنهضة مصرية شعبية قبل أن يكون مشروعًا رسميًا.
وتكاتف المصريون في إنشاء مؤسسات ثقافية وعلمية، ما أدى إلى تحقيق أهداف مشروع النهضة العلمية في القرن التاسع عشر، خاصة أن الأجانب المقيمين في مصر كانت لهم جمعيات تعبر عن اهتماماتهم العلمية والثقافية، وكانوا قد بدؤوا ذلك النشاط منذ بواكير القرن التاسع عشر.. وألمح بعض المثقفين آنذاك لضرورة إنشاء مؤسسات مستقلة، بعيدًا عن مؤسسات الحكومة حتى يكون النفع مباشرًا للناس، فحث عبدالله النديم على ضرورة وجود كيانات علمية وثقافية في البلاد يمكنها القيام بدور في تحديث مصر والارتقاء بها.. وقد يكون البعض مقتنعا بفكرة أنه لا يوجد مشروع نهضة متكامل في مصر القرن التاسع عشر، إلا أن الدراسة التي بين أيدينا تحاول إظهار حالة ثقافية عامة لا تعتمد على خطة حكومية واضحة، وإنما اعتمدت على مجتمع يرغب في النهوض على الرغم من افتقاره إلى المقومات اللازمة لذلك كخفض نسبة الأمية بين السكان، أو وجود الأموال اللازمة لنشر الوعي الثقافي في مصر.
ويتضح من الكتاب أن مصر عرفت كل أنواع المؤسسات الثقافية والعلمية بشقيها الحكومي الرسمي والشعبي المستقل، منذ عهد محمد علي وحتى عهود كل خلفائه، فلم يقتصر ذلك على عهدي محمد علي، وإسماعيل فقط.. بل أنشأت الحكومات المتتالية مؤسسات تحمي ثروات مصر، كالمتاحف ودور حفظ الكتب، والمؤسسات التي تتابع الأنشطة العلمية التطبيقية، كالرصدخانة والمجمع العلمي المصري، كما عملت على رعاية المؤسسات العلمية الكبرى كالجمعية الجغرافية الخديوية. وحتى الفنون المسرحية الراقية أنشأت الحكومة المصرية لها دارا للأوبرا الخديوية.
ويقول د.علي عفيفي: يعارض الدكتور وائل في ثنايا فصول الكتاب فكرة التلاقي الحضاري بين الغزاة الفرنسيين والشعب المصري، في حين عرض جانب آخر يظهر فيه ما لمصر من تأثير واضح على الغرب بعد خروج الغزوة الفرنسية، وهو الأثر الأكبر الذي ظهر على شكل الحياة الغربية طوال القرن التاسع عشر والعشرين.. فضلا عما أظهرته بوضوح عشرات المؤسسات الثقافية والعلمية التي شكلت فصول الكتاب من مؤسسات حكومية أو أهلية خاصة.. كذلك، تناول بالدراسة مؤسسات الآثار التاريخية، من متاحف ومدارس التاريخ والآثار، ويؤكد فيه أن ما كتب عن تاريخ علم المصريات أهمل كثيرا تناول دراسة المؤسسات الأثرية المصرية في القرن التاسع عشر، حتى أن بعض الكتاب لوحوا بعدم دراسة تاريخ علم المصريات دراسة كافية، فقد كتب البعض قشورا عن تاريخ المتاحف المصرية وتطورها ومن خلال زوايا أهملت وثائق الأرشيف المصري، وهو ما تناوله بالتفصيل في كتاب آخر له بعنوان «تاريخ علم المصريات» صدر أيضا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في العام السابق.
وقد أخرج الكاتب بعض الدلالات الثقافية من خلال عرض ما احتوته قوائم كتب المطابع المصرية في القرن التاسع عشر. فقد روج البعض لفكرة أن المطبعة كانت مجرد مكان لإخراج الكتاب فقط دون المساهمة في ترويجه وتمويله، لإضفاء صفة دور النشر عليها، إلا أن الدكتور وائل الدسوقي قرر دراسة الموضوع من زاوية أخرى تثبت قطعيا أن المطبعة كانت مؤسسة ثقافية متكاملة، بناء على ما توفر من إعلانات ترويجية وقوائم كتب، بالإضافة إلى ما ورد في تذييل بعض المطبوعات.
وقد انتهج الكاتب في الدراسة منهجًا تاريخيًا تحليليًا اعتمد فيه على الوثائق والدراسات الأثرية والمخلفات الحضارية المختلفة، التي تعد نتاج هذا القرن محل الدراسة.
copy short url   نسخ
30/07/2016
4482