+ A
A -
باميلا كايل كروسلي كاتبة أميركية
كانت فكرة إنشاء سور أو جدار حدودي لمنع الوافدين غير المرحب بهم، فكرة قديمة للغاية وقد ثبت أنها لم تفلح عبر التاريخ. بداية من السور السومري في ماردو منذ أكثر من 4 آلاف عام والذي يذكرنا حطامه الآن بأن فكرة استخدام سور أو جدار لمنع الدخلاء هي أقدم وأضعف فكرة ممكن أن تنفذها دولة، وهو أحد الأسباب أيضا التي جعلت تلك الفكرة مستبعدة طوال كل هذه السنوات.
وربما يكون سور الصين العظيم هو الجدار الأكثر رومانسية في التاريخ. في البداية كان سور الصين العظيم عبارة عن أسوار منفصلة بنتها الإدارات المستقلة بالصين القديمة قبل توحيدها تحت الحكم المركزي عام 221 قبل الميلاد، حين جاء الإمبراطور تشين شي هونغ ووصل الأسوار في الشمال ببعضها البعض كما زاد من ارتفاعها ليصبح السور على هيئته التي نراها الآن، وكان للصين 3 جوانب أخرى لكنها كانت محمية طبيعيا بالجبال والبحر.
كان لدى الصين عدو على الجانب الشمالي، وهم البدو الرحل من آسيا والذين كان باستطاعتهم حشد جيش مكون من مائة ألف شخص، وكان الجدار سببا في إجبار البدو الرحل على الدوران من حوله مما يؤدي إلى إرهاقهم واستنزاف الوقت والطاقة والإمدادات لديهم، أما المشاة الذين حاولوا تسلق الجدار، فقد وجدوا أنه خطر وشاق لكن الأمر لم يكن مستحيلا.
بهذا لم يوجد سور الصين العظيم حالة من الأمن بقدر ما أوجد عوائق لأي شخص يريد أن يغزو البلاد من الشمال، وكان هناك فائدة أكبر للسور وهي تسهيل المراقبة، فالأبراج العالية بالسور سمحت للصينيين مراقبة الحدود بشكل فعال. وكحال جميع الجدران الكبيرة كانت هناك بوابات متباعدة، وكانت جميعها عرضة للحرق أو التسلل من قبل الأعداء، كما كانت الجيوش الصينية تخرج منها لغزو منغوليا أو منشوريا.
كذلك كانت هناك فائدة أخرى وهي استخدام بوابات السور كمنفذ للبضائع أو كمحطات جمركية على النظام القديم، إذ كانت الصين دولة تجارية منذ القدم وكانت هذه البوابات تسهل حركة البضائع وتنظم التجارة وتكشف الممنوعات. كان السور أول مشروع للأشغال العامة تحت حكم الإمبراطور، والذي يرمز إلى النطاق الواسع لحكمه الشخصي وقد بني بالسخرة وهو ما يعني أن الإمبراطور كان يسيطر داخليا بشكل كبير. وأعادت سلالة مينج بناء المتضرر من السور بسبب عوامل التلف الزمنية، أو التي تم تفكيكها بغرض الاستفادة من مواد البناء، وأصبح الجدار على هيئته الحالية واعتبر رمزا وطنيا محترما ومقصدا سياحيا بالغ الأهمية للصينيين.
نحن الآن في عام 2019، حيث هجر الناس فكر الجدران الدفاعية خصوصا بعد اختراع الطائرات التي يمكنها عبور كل الأسوار، كما فقدت الأسوار ميزة المراقبة حيث باتت هناك رادارات وطائرات تجسس واستطلاع جوي وأقمار صناعية لم تكن موجودة لدى أباطرة الصين.
يبدو أن الرئيس الأميركي ترامب يستلهم فكرة السور أو الجدار الأميركي من رئيس الوزراء المجري الاستبدادي فيكتور أوربان لمنع المهاجرين من التسلل لبلاده عبر سلوفينيا.
يعتقد ترامب أن الأشخاص الذين يسيرون بضعة أميال دون طعام أو ماء لن يكون لديهم القدرة على اجتياز الجدار، لكن في الواقع هناك من سيتحدى هذا العائق بدون استسلام، كما أن المهربين الأميركيين والصيادين ومربي الماشية، سوف يصنعون فتحات في هذا الجدار الطويل.
وبغض النظر عن الآثار المادية السيئة لهذا المقترح، فثمة آثار معنوية مثل العزلة وكره الأجانب وجنون الارتياب وغيرها من الأمور التي سيتسبب فيها الجدار، وربما تكون هذه الأسباب هي نفسها التي دفعت الرئيس الأميركي رونالد ريغان ليطلب من الزعيم السوفياتي الأسبق ميخائيل غورباتشوف أن يهدم جدار برلين.
{ عن مجلة «فورين بوليسي» الأميركية
copy short url   نسخ
13/01/2019
799