+ A
A -
عيسى الشعيبي كاتب وصحفي من الأردن
ظل مضمون هذه المقالة يختمر في ذهني نحو عام وأزيد، وبقيتُ خلال هذه المدة أتحيّن المناسبة الملائمة لتسطيره بعقل بارد، من دون انفعال أو مبالغةٍ محتملة. ومع أنه حانت بعض الفرص المواتية لتظهير هذه الفكرة، المسكونة بروح التشفي والرغبة في الثأر والانتقام، إلا أن الخشية من الوقوع في التسرع، أو الخطأ في التقدير، دفعتني مراراً إلى تأجيل تسديد الضربة العكسية في ملعب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
في غضون الأشهر الطويلة الماضية، كانت نقط الماء تتساقط في الكأس بوتيرة متسارعة، إلى أن امتلأ تماماً، وفاض عن حوافّه في الأسبوع المنصرم، حين جاء في تصريح للسيناتور ميت رومني، وهو مرشح جمهوري سابق للرئاسة، ما يماثل الفكرة المختمرة لدي، وهي أن ترامب لم يرق إلى منزلة رئيس أميركي يشغل أرفع منصب في الولايات المتحدة، وأضيف من عندي؛ لديه زر نووي، يحتل صفة «رئيس رؤساء العالم».
ثم لاحت مناسبة أخرى مشابهة، يوم الخميس الماضي، عندما قالت العضو الجديد في مجلس النواب الأميركي، رشيدة طليب؛ إن الديمقراطيين سيقومون بتنحية ترامب من منصبه، فيما أعادت وكالات الأنباء التذكير بأن طليب، ذات الأصول الفلسطينية، سبق لها أن قاطعت المرشح الجمهوري إبّان حفل انتخابي في ديترويت، قبل انتخابه بقليل، قائلة إن الأميركيين يستحقون رئيساً أفضل منك، وهو ما يتطابق تماماً مع نص العنوان أعلاه.
منبع هذه الفكرة أنه في عهد الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، وفي غمرة هجوم إسرائيلي ساحق، كان يقوده إريئيل شارون ضد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، قال الذي شن حربين بروحٍ صليبيةٍ ضد بلدين في العالم الإسلامي إن الشعب الفلسطيني يستحق قيادةً أفضل من قيادة عرفات، الأمر الذي كان بمثابة ضوء أخضر، كي يستكمل أبو الاستيطان والتوسع والعدوان حربه الاستئصالية، ويغطّي ميله الشديد إلى تصفية الرمز التاريخي للشعب الفلسطيني، وهو ما حدث بالفعل.
منذ بدء التحقيقات القضائية بخصوص ما شاب حملة ترامب الانتخابية من شكوك وتهم مختلفة، تدور حول صلات المرشح الجمهوري بروسيا، وظهور سلسلة من الفضائح الأخلاقية، أساسها دفع مبالغ مالية للتستر على خرق القانون، وإسكات الشهود، ناهيك بالاستقالات والإقالات المتلاحقة في إدارة الرئيس القادم من عالم العقارات، كانت هذه الفكرة الانتقامية تتعزّز لدي، بل وتستبدّ بي أحياناً، فيما كانت المناسبة المواتية لنشرها تقترب على مهلٍ من لحظة التحقق والاكتمال.
لقد افترت إداراتٌ أميركيةٌ متعاقبةٌ على دول وشعوب عديدة، من مشارق الأرض ومغاربها، وأمعنت كثيراً في استضعاف زعماء وقادةٍ لا حصر لهم، فما بالك عندما يتعلق الأمر بشعبٍ تحت احتلال غاشم، وقيادة كانت محاصرة، إلا أن إدارة ترامب بزّت كل من سبقها، ومضت من دون رادع في ظلم الشعب الفلسطيني، حين اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقلت سفارتها إلى المدينة المقدسة، وقطعت الأموال عن «أونروا»، ولوحت بصفقةٍ تصفوية، يبدو أن بنيامين نتانياهو قد كتبها بنفسه.
وأحسب أن هذه لحظة مناسبة لإظهار الشماتة، وإبداء التشفي المعلن بإدارة الدولة العظمى، وهي تتفكّك قطعةً قطعة، وتتداعى من الداخل، وتتخبّط في قراراتها، وتتهيأ لاستقبال مذكرات استدعاء وجلسات استماع لرئيسٍ وحيد معزول ومتقلب، قد تفضي به إلى المحاكمة وربما العزل، خصوصاً بعد أن أصبح الديمقراطيون يمتلكون الأغلبية في مجلس النواب، واقترب المحقق الخاص، روبرت مولر، من إصدار نتائج تحقيقاته، بما في ذلك لائحة اتهام طال انتظارها من جانب أمةٍ انتخبت ترامب فخذلت نفسها.
اليوم، يبدو واضحاً أن الرئيس الذي لا كوابح لديه، بات عبئاً على الأمة الأميركية، وشخصاً خطيراً على مصالح بلاده، وأن المحاكمة والعزل ينتظران، على الأرجح، رئيساً لا يستحق هذا المنصب، لا سيما وأن الديمقراطيات المستقرة قادرة على تصويب ذاتها، وتصحيح أخطائها، ولو بعد حين، فما بالك إذا تعلق الأمر ببلد مثل الولايات المتحدة، بلد الدستور والقانون والإعلام المستقل، سبق لها أن أطاحت رؤساء ارتكبوا أخطاء أقل بكثير مما ارتكبه ترامب.
{ عن العربي الجديد
copy short url   نسخ
11/01/2019
789