+ A
A -
غازي دحمان كاتب وباحث سوري
عندما دخل جمال خاشقجي القنصلية السعودية في إسطنبول في الثاني من أكتوبر الماضي، لم يكن يدري أنه يسير في ساحة قتله بعد أن أصبح هدفا رئيسيا في حرب المعلومات في القرن الحادي والعشرين- حرب تضمنت القرصنة والاختطاف وأخيرا القتل- والتي يشنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وحاشيته ضد المعارضين. كيف أصبحت معركة الأفكار التي أثارتها كتابات خاشقجي الصريحة في صحيفة واشنطن بوست خطيرة لهذا الحد؟.. في الواقع إن جزءا من إجابة هذا السؤال تكمن في دعم الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات وغيرها من الدول لسياسات مكافحة التطرف السعودية والتي ساعدت على شحذ أدوات التجسس الإلكتروني والتي دفعت الصراع نحو تلك الخاتمة الكارثية في إسطنبول. وعد ولي العهد محمد بن سلمان بالتغيير، لكنه لم يتمكن من إحداثه. كل ما أحدثه هو عدم الاستقرار، بعد أن استغل الترسانة الرقمية في المزيد من التضييق والقمع. لقد دخل بن سلمان الفضاء الرقمي متسلحا بمنشار عظام. بدأت نقطة انطلاق هذا الصراع من مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في الرياض، الذي يديره سعود القحطاني الموظف الطموح في الديوان الملكي والذي يدين بالولاء الكامل لرئيسه المصاب بجنون العظمة. في البداية عمل القحطاني وزملاؤه في شركة إيطالية تدعى «هاكنج تيم» وبعدها سعوا لشراء منتجات إلكترونية من شركتين إسرائيليتين وهما «مجموعة NOS» وشركة «كيو سايبر» التابعة لها، بالإضافة إلى شركة إماراتية تحمل اسم «دارك ماتر». وبحسب مصادر مطلعة، بنى القحطاني شبكة تجسس وتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي لخدمة أجندة بن سلمان في قمع أعدائه. وبدأت السعودية في بناء ترسانتها السيبرانية منذ حوالي 10 سنوات عندما كان القحطاني يعمل في خدمة الملك السابق عبد الله، حيث سعى السعوديون وقتها لتسليح أنفسهم في مجال الفضاء السيبراني خصوصا مع استمرار الهجمات الإلكترونية المعادية من إيران التي أطلقت فيروس «شمعون» في منتصف عام 2012 مما أدى لشل عشرات الآلاف من الحواسيب السعودية التي استغرق إصلاحها ما يقرب من نصف عام، فضلا عن التهديدات المستمرة لتنظيم داعش. كانت الأدوات التي تحتاجها السعودية لمكافحة الإرهاب هي نفسها الأدوات التي تحتاجها لقمع المعارضة، وقد استغلت السعودية هذا الأمر بشكل واضح. يعود هوس القيادة السعودية بوسائل التواصل الاجتماعي إلى الربيع العربي والانتفاضات التي بدأت في تونس عام 2010 ثم انتقلت إلى مصر وليبيا والبحرين وسوريا في عام 2011، إذ خشيت المملكة من أن تكون هي المحطة التالية للانتفاضات، وكانت أجهزة الاستخبارات العربية تراقب عن كثب اتصالات مواطنيها وأنشطتهم السياسية الأخرى، فمن المعروف أن وسائل الإعلام الرقمية كانت وسيلة للنشاط السياسي وللقمع أيضا. في عام 2013 سعت المملكة للحصول على برامج من شركة «هاكينج تيم» بهدف اختراق أجهزة الهواتف المحمولة من نوع «آي فون» والحواسب اللوحية «آي باد»، وفي 2015 سعت للحصول على وسيلة للتجسس على الهواتف التي تعمل بنظام الأندرويد ذلك وفقا لما كشف موقع ويكيليكس. ومع وصول الملك سلمان إلى الحكم عام 2015، أراد القحطاني أن يثبت مزيدا من الولاء للملك الجديد وابنه حتى أصبح على قدر كبير من الأهمية والخطورة. بعدما أصبح بن سلمان وليا لولي العهد في أبريل عام 2015، عمل القحطاني على تعزيز عملياته في مجال الأمن السيبراني. { عن واشنطن بوست الأميركية
copy short url   نسخ
16/12/2018
985