+ A
A -
د.خيري عمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا التركية
تشير نتائج اجتماع باليرمو (12 – 13 نوفمبر 2018) إلى أنها تتسق مع السياق العام للتناول الدولي بشأن ليبيا، حيث تتماثل في أن الظروف الدولية لم تنضج لمساعدة الليبيين على الخروج من الأزمة السياسية، ومن ثم، يتعلق التساؤل الأساسي بمدى الاستجابة للتناقضات والاختلافات السياسية في ليبيا، فمنذ العام 2013 استقرت المناقشات الدولية على تناول مشكلات الأمن، من دون طرح أطر تمنع انهيار السلطات أو تنازعها. وقد شهدت الفترة السابقة على انعقاد الاجتماع أحداثا عديدة، كشفت، في معظمها، عن جوانب من التناقضات، سواء بين المكونات السياسية الليبية أو من البعثة الدولية. ووفق بيان 98 عضواً مجلس النواب (12 نوفمبر)، يتضح أنهم يحاولون بناء مسار سياسي، يقوم على إعادة تشكيل مجلس الرئاسة، وتعديل الإعلان الدستوري، ليتوافق مع الاتفاق السياسي حزمة واحدة، وهي إجراءات يتبعها تشكيل حكومة وحدة وطنية، تقوم بتوحيد المؤسسات وتوفير الظروف الملائمة لإجراء استفتاءٍ على الدستور وانتخابات رئاسية وبرلمانية. وتقوم فرضية البيان على أن إعداد البلاد للانتخابات هو الأقرب إلى الحل، عبر الاتفاق بين المجلسين. وفي هذا الاتجاه، يرون أن تشكيل الحكومة هو اختصاص أصيل للنواب، ووافق عليه 134 نائبا. وعلى الرغم من تقدم مناقشات لجنة الحوار المشتركة بشأن تغيير المجلس الرئاسي، أعلن مجلس الدولة تأجيل مناقشة المقترحات إلى ما بعد اجتماع باليرمو، على الرغم من أن موضوع الحوار كان ضمن أولوياته خلال الفترة السابقة على انعقاد اجتماع إيطاليا. وفقاً لمجلس الدولة، توجد خلافات أساسية بشأن عدم قبول «النواب» الاتفاق السياسي إطارا دستوريا، وهو ما يعني إنكار وجود «المجلس الأعلى للدولة»، ما شكل عقبة أمام تطوير الحوار السياسي منذ اجتماعات الرباط في أبريل الماضي، حيث تكسّرت كل التفاهمات المحتملة على خلفية تعطل المسار الدستوري. وبشكل عام، يمكن القول إن أزمة الثقة لا تفسر طبيعة الخلاف بين المجلسين، حيث إنه بمناقشة تناقضات النخبة السياسية وارتباطاتها الدولية، باعتبارها متغيرا مهما في تحليل سلوكها السياسي، يتضح أنه، منذ ظهور الاتفاق السياسي، صارت النخبة أكثر انقساماً، وظهرت حالةٌ من الإنكار المتبادل بين السلطات الليبية، كانت مشاهدها واضحةً في اجتماعات فرنسا وإيطاليا، حيث مقاطعة السياسيين المتبادلة للاستماع لكلمات نظرائهم وفي ما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة، يحاول رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، الاستعانة بمكونات ثورة فبراير، لتكون في واجهة الحدث السياسي، وهذا ما يتضح في وزارتي الداخلية والاقتصاد، وهو ما يعني التقارب مع القوى الرئيسية في المنطقة الغربية، فيما تتباعد مع المكونات السياسية في الشرق، وبالتالي، يمكن قراءة هذه التشكيلة بأنها تعكس فشل مشوار الاتفاق السياسي في الاقتراب من حل للأزمة الدستورية، فمن جهةٍ تم تشكيلها في غياب إطار دستوري. ومن جهة أخرى، كانت تعبيراً عن اليأس من تلاقي المؤسسات حول الحد الأدنى من الحوار السياسي. ولذلك، يمكن اعتبار تعديلات حكومة الوفاق واحداً من أوجه صعوبة التوافق بين مجلس الدولة والنواب. «منذ انعقد مؤتمر باريس، تعرّض الجنرال خليفة حفتر والسراج لتحديات أساسية» وفي سياق آخر، نشبت الصراعات العابرة للحدود بين المجموعات الإثنية في جنوب ليبيا، بحيث لم تقتصر على المجموعات الإثنية داخل ليبيا، لكنها شملت مجموعاتٍ من جماعة التبو في تشاد وحركة العدل والمساواة (السودانية) وحركات معارضة أخرى. ويثير هذا النوع من الصراعات مشكلات متعددة، تتعلق بأمن الحدود والتدخل الخارجي، كما أن اندلاع معارك بين الكتائب الليبية جعل الجنوب الليبي مجالاً للصراع على السلطة. ومنذ انعقد مؤتمر باريس (المبادرة الفرنسية، مايو 2018)، تعرّض الجنرال خليفة حفتر والسراج لتحديات أساسية، فكما شكلت السيطرة على النفط تحدياً لسلطة حفتر ومشروعه السياسي، فقد فتح اندلاع الأزمة الأمنية في طرابلس النقاش بشأن استمرار المجلس الرئاسي ومشروعية فايز السراج. ولذلك، يشكل انعقاد اجتماع باليرمو مناسبةً ملائمة لإثبات الحضور والقدرة السياسية.
copy short url   نسخ
06/12/2018
379