+ A
A -
عبدالهادي الشاوي
تعبر المواطنة في أبسط معانيها عن التزامات متبادلة بين الأشخاص والدولة؛ فالشخص يحصل على حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وعليه في الوقت ذاته واجبات يتحتم عليه أداؤها. يتجلى البعد السياسي للمواطنة في مدى إحساس الفرد بانتمائه إلى الوطن ككيان يتمثل في مؤسسات الدولة والهيئات والجمعيات، ويمثل أفكاراً حول الشأن العام والمجال العمومي ويوفر البعد الثقافي للمواطنة الإحساس بالانتماء إلى الهوية المشتركة في ما يجمع الفرد مع غيره من ممارسات الحياة اليومية من عادات وتقاليد، كما يتجسد في الرموز المشتركة. والمواطنة ليست وضعية جاهزة يمكن تجليها بصورة آلية، وإنما هي دينامية مستمرة، وسلوك يكتسب عندما تتهيأ له الظروف الملائمة، وهي ممارسة في ظل مجموعة من المبادئ والقواعد، وفي إطار مؤسسات. ومن الطبيعي كذلك أن تختلف نسبياً ترجمة مفهوم المواطنة على أرض الواقع من دولة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر بسبب اختلاف الثقافات والحضارات، والعقائد والقيم، ومستوى النضج السياسي؛ فالبداية تأتي من توفر مجموعة من المقومات الأساسية المشتركة، ووجود حد أدنى من الشروط التي يتجلى من خلالها مفهوم المواطنة في الحياة اليومية للمواطنين، وفي علاقاتهم بغيرهم، وبمحيطهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ويرتبط مفهوم المواطنة بالحوكمة ويشكل تطبيق مبادئ الحوكمة والسلوكيات الأخلاقية فرصة للحصول على المهارات الإدارية الملائمة التي تنمي قدرات الابتكار والتعامل مع ظروف العمل المتغيرة، ويمكّن من التطوير وفق استراتيجيات ومنهجيات بناءة. وتزود تلك المبادئ المعنيين بأحدث الأساليب والممارسات في منظومة الفكر الإداري والعمل المؤسسي، كما تتيح تطبيق معايير الجودة الشاملة والوسائل الحديثة للمتابعة والتقويم والقدرة على تحليل مختلف المستجدات، فضلاً عن اكتساب مهارات قيادة مجموعات العمل الفعالة نحو تحقيق الأهداف المرجوة، وتمكينها من عملية اتخاذ القرارات الإدارية الفعالة واحترام مبدأ سيادة القانون، الذي إن غاب، أودى بالكيان المجتمعي إلى مستنقع الفوضى والفساد. إن غياب الموجه الفكري لنشاط ما، يخلق إشكالاً مؤسسياً يحول دون تحقيق الأهداف الاستراتيجية العليا ويجعل من الصعب، إذا لم نقل من المستحيل، إحكام دورة تصميم وتنفيذ السياسات؛ لا سيما توفير سبل التقييم المنهجي والمتابعة الدورية، والعمل على تقنين أطر الشفافية المحاسبية، وفتح قنوات الاتصال بين الجهات، وتبادل المعلومات، ومشاركة جميع الشركاء في عملية اتخاذ القرار. وهذه هي الاشتراطات الثلاثة للحوكمة (الشفافية والمحاسبية والاعتراف متمثلاً في التشاركية والتبادلية والتواصلية). وتعتبر الحوكمة من الأدوات الأساسية التي تشكل مدخلاً مهماً في الحياة العامة للاستفادة من كل الأساليب المتاحة وتقييم كل الممارسات في الإدارات العامة والمؤسسات، فهي تشكل إحدى الآليات التي يمكن الاستعانة بها لضبط العمل الجماعي، من أجل ممارسة الأدوار وتأدية الخدمة من أجل الصالح العام، وبالتالي فهي تساعد في تحقيق الأهداف الرامية إلى مزاولة نوع من الرقابة على العمل الجماعي. والحوكمة هي النشاط الذي يمكّن من تحديد التوقعات، أو منح السلطة، أو التحقق من الأداء، وهي تتألف إما من عملية منفصلة أو من جزء محدد من عمليات الإدارة أو القيادة. وهكذا فعند الحديث عن مؤسسة ما، فإن الحوكمة تعني الإدارة المتسقة، والسياسات المتماسكة، والتوجيه، والعمليات، واتخاذ القرارات. في إطار دولة القانون والحقوق، فإن الحوكمة والمواطنة تمثلان مبادئ أخلاقية ومدنية تساعد في السير نحو استدامة تنموية تمرّ حتماً عبر فكرة مشتركة تجعل من الاستدامة مبدأ وغايةً، ومن المواطنة قيمة وآلية سلوكية، تتمثل في تحول في أسلوب التدبير في الشأن العام من فوقي إلى قاعدي، أي من منطق الحـُكْم إلى منطق الحوكمة، ومن الحكم المركزي إلى حوكمة تراوح وتوازن بين المركزية واللامركزية، بين المشتركات الوطنية والخصوصيات المحلية. كذلك، هناك جملة من العناصر التي يمكن الاستفادة منها للمساعدة في التغيير الفعلي والعملي انطلاقاً من استيعاب عدد من المبادئ والأهداف القائمة على فكرة المواطنة والتنمية المستدامة. وهذه المبادئ تحث على ضرورة تغيير ما بأنفسنا وتبني مواقف وتوجهات تؤسس لكي نتعاطى بشكل عملي مع الشأن العام من خلال تبني: • نظرة واقعية، عملية تساعد في قراءة رصيدنا الفكري والثقافي والحضاري والديني بأدوات العصر العلمية والمعرفية والثقافية. • تغذية وتعزيز الوعي بالانتماء الحضاري العربي والإسلامي أخلاقياً وعقلانياً لكي نبني انتماءنا للمجتمع البشري وللحضارة الإنسانية على أساس التعايش السلمي والتضامن. • تعامل جديد مع الواقع من خلال استيعاب المعارف الاستراتيجية. • الانطلاق من المبادئ السابقة لتبني واستيعاب نهج التخطيط الاستراتيجي. {طالب ماجستير بالإدارة العامة بمعهد الدوحة للدراسات العليا
copy short url   نسخ
06/12/2018
4029