+ A
A -

الممثل السامي للأمم في منظمة تحالف الحضارات، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، المندوب الدائم لدولة قطر في الأمم، عضو مجلس الأمن لعامين متتاليين، سفير دولة قطر في الأردن، القنصل العام في دبي، السكرتير الثاني في كراتشي بالباكستان، الملحق الدبلوماسي السكرتير الثالث في سفارة دولة قطر في بيروت.
السفير ناصر بن عبد العزيز النصر واحد من رجالات قطر الذين رفعوا مشعل خدمة الوطن وهو في العشرين من عمره حين التحق بسفارتنا في بيروت عام 1972 ليبدأ رحلة عمر دبلوماسية امتدت على مدار 46 عاما وقف خلالها على قمة المنابر الدولية في الأمم ومجلس الأمن مدافعا عن قضايا وطنه وأمته، كان في زيارة أسرية قصيرة للدوحة قادما من نيويورك، حرصت على لقائه، في منزله بالدفنة، وكان قد فتح لي قلبه واستقبلني في مكتبه بسفارة دولة قطر في عمّان عام 1996، لألتقيه بعد 22 عاما وأجده بنفس الروح والهمة التي يحمل بها قضايا الإنسان العربي والوطن العربي..
من أين أبدأ أسئلتي، مع قامة دبلوماسية اعتلت قمة العالم في الأمم المتحدة، وشغل مناصب دبلوماسية وأدارها بمهنية عالية ارتقت به إلى منظمة الأمم لتحالف الحضارات، وفي ظل الأحداث المتسارعة، من حادث اغتيال صحفي في قنصلية بلده في أرض بلد آخر وما يترتب على القنصلية من حقوق تجاه المواطن الذي يتبع لها وموقفها أمام القانون الدولي إذا ارتكبت فيها جريمة بعلمها.. أم من الحصار الذي فرضه الأشقاء على دولة عضو ودور مجلس التعاون ودور الجامعة العربية؟
تحدث النصر بصفته ممثلا ساميا عن موضوعات ذات علاقة بوظيفته الحالية ورؤيته كمواطن قطري وعربي تجاه القضايا العربية الشائكة وأبان ما حققته الدبلوماسية القطرية من نصر في قضية الحصار الجائر الذي فرضته ثلاث دول خليجية ومصر على قطر، وقال: لقد كسبت قطر الرأي العام العالمي، والتأييد من مختلف الدول بصدق موقفها وصحة إجراءاتها وأخلاقها، حتى التي أعلنت تأييدها لدول الحصار في بدايته عادت وأعلنت تقديرها للموقف القطري، وهذه تفاصيل الحوار:
سوف أبدأ أسئلتي بمقولة لسعادتك في لقاء صحفي سابق قلت فيها «نحن جميعا مواطنون عالميون. لندع أعمالنا تفي بكلماتنا، هل ترى أن هذه المقولة قابلة للتطبيق في ظل الإقليمية التي تسيطر على عقول البشرية، وماذا تحتاج من جهود ليتم تطبيقها؟
- لقد مر العالم بمراحل كثيرة، وخاصة في ظل التطور العلمي والتكنولوجي، وقد حصل هذا التطور بسرعة ولم تكن البشرية مستعدة للتعامل مع هذا التطور، فكانت العولمة التي ألغت الحدود بين الدول وبات التنقل من بلد إلى آخر لا يحتاج إلى مشقة، فأنت تستطيع أن تطير من الدوحة إلى أميركا وتصل خلال 12 إلى 13 ساعة، وهناك طائرة تحت الصناعة تقطع المسافة بين باريس ونيويورك في ساعة واحدة، وهذا ما جعل العالم قرية كونية صغيرة، واليوم وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصالات تستطيع أن تتصل بالآخر وفي أي مكان في العالم خلال ثوان، فالعالم لم يكن مستعدا للطفرة التكنولوجية. ولذلك أصبح هناك مصطلح المواطن العالمي، وهناك دول كثيرة في الأمم المتحدة وتدعو دول أخرى لتبني هذا الشعار وأن تكون الحدود مفتوحة بين جميع الدول.
صراعات تحد من التطور
لكن مع هذه الدعوات ليكون الإنسان مواطنا عالميا، ومع هذا التواصل وهذا الحوار بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، تجد هناك صراعات وهذه الصراعات قد تحد من أن نكون مواطنين عالميين ومن ثم ننزوي إلى إقليميتنا وإلى مناطقنا.. فهناك مشكلة في الإنسان نفسه في قبول الآخر؟
- لا تنس أن الحروب والصراعات أدت إلى ظهور مشاكل كثيرة أثرت على قوانين بعض الدول، فنرى المجموعة الأوروبية التي كانت مجموعة متجانسة تفتح الباب للمهاجرين الذين يحضرون لطلب العلم أو العمل، لكن ليس بهذه الأعداد المهولة من المهاجرين اثر الأزمة التي نجمت عن الصراعات في العديد من الدول بالشرق الأوسط كاليمن وسوريا وليبيا والعراق.. وهم من الباحثين عن الأمن والرزق والعيش الكريم هربا من قسوة الاحداث التي واجهوها في بلدانهم، وهذا أدى إلى صدمة في أوروبا وخاصة أنها ما زالت تعاني من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية. مما نشأ عنه ظهور وصعود أحزاب يمينية والتي لم يكن لها أي فرصة للحكم في بلدانها، هذا الأحزاب تولت الحكم في العديد من الدول الأوروبية ولا تريد هجرة ولا تريد انفتاحا وتدعو إلى رفض المهاجرين وتقول أوروبا للأوروبيين.
العرب بلا ربيع
عالمنا العربي أين هو من هذا الوضع في أن يكون ملجأ للمهاجرين العرب على الأقل كما كان ملجأ للأوروبيين الفارين من الحرب العالمية الأولى والثانية؟
- للأسف عالمنا العربي لم يمر بظروف أصعب من الظروف التي يمر بها اليوم، هي صراعات وخلافات بعضها داخلي وآخر خارجي، طبعا لا ننسى ما يسمى بالربيع العربي الذي كان ينظر إليه على أنه بارقة أمل للديمقراطية في العالم العربي ونشوء حكم القانون، ومحاربة الفساد والتسلط، وحماية حقوق الإنسان، لكن هذا الربيع كما السحابة جاءت بسرعة وذهبت بسرعة، ونرى اليوم مشاكل في العديد من دولنا التي شهدت ما يسمى بالربيع فترى مشاكل في ليبيا وتونس واليمن وسوريا والعراق والأخطر من ذلك الأزمة الخليجية.
الاختلافات الثقافية تؤجج الصراع
توليتم منصب الممثل السامي لحوار الحضارات في العام 2013 الآن وبعد 6 سنوات من عملكم في هذا المنصب هل ترى من أمل في أن يحقق التحالف السلام بين الحضارات؟
- فكرة تحالف الحضارات جاءت خوفا من صراع الحضارات، وهو ما أشار اليه صامويل هننجتون في كتابه صدام الحضارات أو صراع الحضارات والذي جاء بنظرية صراع الحضارات، التي تقول إن صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر في السنين المقبلة. وانه لن يكون هناك تجانس بين الشمال والجنوب بل سيكون هناك صراعات بسبب الثقافة أو الدين، وقد كان هناك حوادث تشير إلى أن العالم يتجه نحو الصراعات، منها حوادث سبتمبر 2001 في نيويورك ومدريد ولندن وغيرها، وجاءت فكرة تحالف الحضارات من رئيس وزراء اسبانيا سباتيرو الذي ألقى كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال أنا أرى أن العالم يتجه إلى صراع خطير وأن هذا الصراع سوف يأتي من الأديان والثقافات، وعلينا أن نكون جاهزين للتعامل مع هذا الأمر الخطير وأنا أقترح أن نتفق على تحصين الأمم المتحدة بمنظمة أممية يقوم دورها على القوة الناعمة لمواجهة التحديات والصراعات التي ستأتي من الأديان أو الثقافات وتم الاتفاق على تأسيس منظمة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات ضمن أجهزة الأمم المتحدة. من أهداف هذه المنظمة تشكيل قوة ناعمة تكون جاهزة للتعامل مع الصراعات التي تنشأ من الدين، وللأسف نحن في العالم العربي رأينا تأسيس القاعدة وداعش وغيرهما من المنظمات واستخدمت الدين في صراعاتها مع الآخر وكان لها أيديولوجيات غير مقبولة من الدين سواء الإسلامي أو غيره من الديانات.
صدور العرب لا تتسع للآخر
ومن مقولة أخرى لسعادتكم أن «الحرب تبدأ في عقول الناس، والطريق إلى السلام يتم من خلال قلوب الناس»، فكيف نصل إلى قلوب الناس في ظل الاستبداد الذي يمارس على حرية الكلمة؟
- في العالم العربي الطريق أمامنا طويل، وصدورنا ضيقة ولا تتسع للآخر أو السماع له أو لكلمة الحق، وأقرب مثال لدينا الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي لم يكن ضد بلده ولا ضد قيادة بلده، بل كان يريد لبلده أن تتطور وتنمو كما البلدان الأخرى في مجال التعدد واحترام حقوق الإنسان، ولم يكن جمال منشقا ولا معارضا، ولكنه كان صاحب رأي ليس أكثر، ومع ذلك لم يتم قبول هذا الرأي فكان هذا مصيره رحمه الله.
جمال شهيد كلمة الحق
ما مدى تأثير خاشقجي على الرأي العام الأميركي من خلال كتاباته في الواشنطن بوست وحضوره لمنتديات وإلقاء محاضرات؟
- لقد قرأنا ورأينا وسمعنا هذا الغضب في الشارع الأميركي على مقتل هذا الصحفي الذي كان يتحدث بحب عن بلده، والغضب على قتله في قنصلية بلده، وهو المكان الذي يلجأ إليه الإنسان طالبا للحماية والأمان إذا تعرض للخطر، وجمال كان معروفا لدى الغرب، فهو كاتب في أكبر الصحف الأميركية وصاحب قلم رشيق ويكتب في الشأن الوطني.
من خلال وجودك في أميركا هل كان جمال مؤثرا في الشارع الأميركي إلى هذا الحد الذي سبب الغضب عليه من سلطة بلاده ليسمح بقتله في قنصلية بلده في تركيا.
- جمال خاشقجي، كان صحفيا وكاتبا ومفكرا يقول كلمة الحق، وتاريخ جمال في العمل الإعلامي معروف ومن ثم ومن خلال عمله في الحياة وكمراسل لجريدة الشرق الأوسط ورئاسة تحرير الوطن السعودية وكتابة مقالات في صحيفة أميركية كبرى بات إعلاميا معروفا، ومن ثم فإن ما يكتبه يصل إلى القارئ لأن الرجل يطرح أفكارا بناءة، ومع ذلك لم يتم قبول ما يطرح، فعالمنا العربي ما زال الطريق أمامه طويلا حتى يصل إلى ما وصل اليه الآخرون ويتقبل الرأي الآخر بأريحية.
هل ارتكب جريمة في أن ينشر في صحف أميركية؟
- لم يرتكب جريمة، هو أراد أن يقول كلمة الحق خاصة بعد التغيير في نظام الحكم السعودي، وكما يقول هناك من تم زجه في السجون وهناك من آثر أن يترك السعودية وهو منهم، وكان جمال الأكثر تأثيرا من غيره بحكم عمله الإعلامي ويوجد له تواصل مع الإعلام، فهو يظهر في الـ CNN وفي الصحف الأميركية وقنوات فضائية فهو معروف ويتحدث بصراحة حبا في وطنه، لكن هذا يبدو كان مرفوضا.
هناك حديث عن تدويل قضية مقتل جمال خاشقجي ماذا يتطلب ذلك بصفتك من رجال الأمم المتحدة والمطلعين على شؤونها؟
- الأمر يتوقف على ما ستقوم به تركيا، لأن الجريمة ارتكبت في قنصلية بلد آخر على أرضها، وهذا مخالف للقانون الدولي.
مواجهة الإرهاب
يموج العالم الإسلامي في صراعات، والعالم الإسلامي يرث واحدة من أرقى الحضارات، لكن للأسف هي الآن محل اتهام بالإرهاب فما المطلوب لمواجهة الاتهام وكيف للأمة الإسلامية مع هذا التناحر أن تواجه الاتهام بالإرهاب وأنت موجود في هذه المنظمة ومطلع على ما تنظر إليه الحضارات الأخرى لحضارتنا؟
-الواقع الذي نعيشه لا يمكن تغييره بجرة قلم، ولكن إذا أردنا التغيير علينا أن نبدأ بتطوير أنظمة التعليم، وأن نلغي خطاب الكراهية، فالديانات السماوية كلها تنادي بالسلام، فالتعليم والشباب وحمايتهم من الانخراط في أي أيديولوجية واتباع خطاب الكراهية أمر مهم، وعلينا أن نغرس في أذهان الناشئة ثقافة السلام واحترام الآخر، وعدم الانجرار وراء الآخرين الذين يحملون أفكارا هدامة، وتعليمهم أن التعددية هي إثراء لعقل الإنسان، فقد تعلمت في حياتي أشياء كثيرة من خلال الاغتراب منها الحوار مع الآخر والتفاهم مع الثقافات الأخرى، كما لا بد أن يكون لدينا منظمات مجتمع مدني وإشراكها في شؤون إدارة المجتمع وأيضا المؤسسات الدينية وعلماء الدين، والجامعات والمدارس وإشراك الجميع في توجيه الشباب إلى الطريق الصحيح، فالديانات الإبراهيمية الثلاث تدعو للسلام والمحبة، وكذلك الإعلام، فهذا القطاع مهم جدا ويتحمل مسؤولية كبيرة في التوجيه، وإذا تم توجيه الإعلام بشكل سيئ سوف يكون الأمر خطيرا جدا على الناشئة.. وبمشاركة كل هذه المؤسسات نستطيع أن نغير من هذا الواقع المؤلم الذي يعيشه العالم العربي والعالم الإسلامي.
إلى ذلك يجب أن يكون هناك استراتيجيات لتنمية المجتمعات، فنحن في تحالف الحضارات نطالب باستراتيجيات وطنية لكل وطن عربي، كيف يتعاملون مع الموضوعات المطروحة على برنامج تحالف الحضارات، فالمنظمة عند تأسيسها اجتمع أعضاؤها العشرون وقرروا أنه إذا أرادت هذه المنظمة أن تنجح في عملها عليها أن تركز على أربعة محاور هي:
الشباب، التعليم، الإعلام، الهجرة، فالشباب عنصر مهم والاهتمام به يساهم في تغيير الواقع، والتعليم قوة ناعمة نستطيع من خلالها محاربة خطاب الكراهية والإعلام وخاصة من وسائل السوشيال ميديا باتت أمرا مهما وأصبحت مؤثرة في نشر خطاب الكراهية، أما الهجرة فهذا محور مهم ساهم الإعلام في نشر خطاب الكراهية ضد المهاجرين. ضد هؤلاء الناس الذين لجأوا إلى دول أخرى بحثا عن الأمان، لكن في الوقت نفسه هؤلاء المهاجرون عليهم احترام عادات وتقاليد الدول التي هاجروا إليها.
تحالف الحضارات والهجرة
ما دور منظمة تحالف الحضارات في موضوع الهجرة؟
-نعم لدينا برامج كثيرة أهمها برنامج خطاب الكراهية وقد ربطنا موضوع الخطاب مع الهجرة، وللإعلام دور كبير في هذا الموضوع، وهناك مسؤولية كبيرة على المؤسسات من حيث تعليم وتدريب الصحفيين وتوجيههم لنشر الخطاب الإيجابي الذي يقوم على الاحترام وعلى عدم الإساءة للآخرين، كما يوجد تواصل مع وسائل التواصل الاجتماعي في شأن هذا الأمر ولدينا اجتماعات مع الاتحاد الأوروبي، ونعمل مع منظمة الهجرة الدولية في عدم الإساءة للمهاجرين، كما نعمل مع المنظمات الإقليمية لضمان سلامة المهاجرين وحماية حقهم في الحياة.
هل هناك حلف للحضارات، وهل هناك نية لتشكيل مجلس أعلى لتحالف الحضارات له السلطة المطلقة في مواجهة كل من يحاول تدمير حضارة؟
- منظمة تحالف الحضارات منظمة أممية تعمل مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الاوروبي والآسيان وغيرهما، نحن نقدم برامج يستفيد منها الشباب.
لماذا تم اختيار الممثل السامي الخاص لتحالف الحضارات من دولة قطر؟
- عندما طرحت فكرة تأسيس منظمة أممية لتحالف الحضارات، تم تكليف الأمين العام للأمم المتحدة بتشكيل مجلس من شخصيات دولية ليقوم بدراسة أفكار معينة وكان الأمين العام للأمم في ذلك الوقت السيد كوفي عنان الذي تولى الاتصال بالشخصيات الدولية، واستمزاج آرائها في هذا الموضوع ورأى أن يكون هناك عضو يمثل العالم الإسلامي، فجرى الاتصال بدول عربية شقيقة كبرى لكنها لم تحبذ الفكرة وكانت قطر تولي هذا التحالف اهتماما كبيرا وتم اختيار صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر عضوا في هيئة التأسيس واستضافت قطر قمة تحالف الحضارات 2011.
وعندما توليت رئاسة الأمم في ذلك العام أوليت اهتماما بتحالف الحضارات، ولكون دولة قطر دولة مؤسسة لهذا التحالف تم اختياري عام 2013 ممثلا ساميا لتحالف الحضارات لأكون ثاني ممثل سامٍ بعد دولة السيد سمبايو رئيس البرتغال السابق.
حصار قطر
لننتقل سعادة السفير إلى محور آخر وهو محور مهم خاصة وان سعادتكم لكم اتصالات مع العالم الحضاري، فكيف تنظر الحضارة العالمية لحصار الأشقاء لدولة قطر؟
- بات الكل على قناعة أن هذا الحصار حصار جائر، وكل التهم التي جاءت في مطالب دول الحصار تهم غير صحيحة والاسباب الكاملة للحصار سوف تظهر، ونحن نرى أن هناك نوعا من الغيرة على الدور الكبير الذي لعبته قطر في مختلف المجالات السياسية والرياضية والاقتصادية، هذه الغيرة تحولت إلى كراهية أنتجت حقدا تمخض عن حصار لإبعادها عما حققته من نجاحات على مدى مسيرتها البناءة في ظل القيادة الرشيدة.
وأنا كمواطن قطري- وليس كمسؤول أممي أقول: لم أكن أتوقع هذا الحصار الذي لم يؤثر على قطر كقطر، بل أثر على المنطقة ككل والخطورة في ذلك أن العالم العربي يمر في أسوأ ظروفه من انقسام وتشتت وانحسار دوره على الساحة الدولية، وأصبح العالم العربي الكبير بمساحته وعدد سكانه ودياناته وثرواته وموقعه الاستراتيجي ليس له مكان على الخريطة الدولية، وأنا كمواطن عربي وقطري حزين جدا لذلك، فكما ترى لقد أبعد العالم العربي عن الدولية، بل حتى مواضيعنا أصبحت بأيادي الآخرين ونحن أصبحنا المتفرجين، ويأتي الحصار على دولة عضو في مجلس التعاون لينعكس سلبا على منطقة جرى العمل على تنميتها على مدار اكثر من ثلاثة عقود منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي الذي كان من بين أهدافه تحصين هذه المنطقة من الهزات السياسية والاقتصادية، فمجلس التعاون الخليجي تأسس بعد نشوب الحرب العراقية- الإيرانية عام 1980 لحماية أمن الخليج والحفاظ على وحدتنا وكرامتنا وابعاد الخطر عن منجزاتنا، كل هذه الإنجازات اصبحت هباء منثورا، ولماذا؟ لا لشيء.. فما ساقوه من اتهامات حتى الأطفال يسخرون منها.
أما كيف ينظر الآخرون لهذا الحصار، فأنا أنظر لقطر من الخارج، وأتعامل مع مسؤولين من مختلف الدول ومنها أميركا ألمس أن الاحترام لدولة قطر قد زاد لصدق نهجها ولدبلوماسيتها الراقية التي نقلت صورة واقعية ودعت إلى حل الخلاف عبر الحوار، ووجدت تعاطفا كبيرا مع قطر، وحقيقة هذا الحصار وخلال سنة ونصف تحققت إنجازات عظيمة بفضل القيادة الرشيدة وعلى رأسها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وبفضل تكاتف الجهود للمواطنين والمقيمين، فالحمد لله الوضع القطري أفضل مما كان عليه قبل الحصار.
مجلس التعاون والحصار
وكيف ترى موقف مجلس التعاون من هذه الأزمة؟
- للأسف مجلس التعاون الخليجي انتهى، هذا المجلس الذي تم صرف الأموال وبذل الجهود والاجتماعات على مدار 35 سنة لنكون وحدة خليجية واحدة لا وجود له الآن، فأنا كمواطن قطري وخليجي حزين على هذا الحال وما تسبب من شرخ في النسيج الاجتماعي وما حملته وسائل التواصل الاجتماعي من خطاب كراهية فتفت في عضد نسيجنا الاجتماعي..
أليس هناك نور في نهاية النفق وتنتهي هذه الأزمة وتعود اللحمة؟
-طبعا، لا يصح الا الصحيح، فالعالم كله يضغط لتصحيح هذا الوضع، الذي كان الأجدى ألا يحصل بيننا هذا الأمر وألا يستغلنا الآخرون.
هل ترى أن الآلية التي كان يدار بها مجلس التعاون هي التي حجمته ولجمته ولم يقم بدوره، ولم يكن هناك أسس توفر له غطاء ليقوم بدوره في الأزمات؟
- أرى أن مجلس التعاون إذا تم حل هذه الأزمة وتمت المصالحة أن يضع مبادئ جديدة أساسها الاحترام المتبادل وان يحترم الكبير الصغير وليس على ما هو عليه الوضع الحالي القوي يريد التسلط على الأصغر أو الأضعف، ولنأخذ مثالا الاتحاد الأوروبي الذين سبقونا بنصف قرن ووصلوا إلى حقيقة انهم إذا أرادوا أن يعيشوا بأمان وأن يتطوروا أن يتحدوا رغم تباين الأعراق والأجناس واللغات وايضا الاتحاد الأفريقي الذي وصل إلى قناعة بأهمية الاتحاد وتم تغييره ليكون كما الاتحاد الأوروبي، وأرى أن مجلس التعاون الخليجي انتهى بشكله الحالي. وإذا أرادوا أن يكون هناك مجلس آخر ووحدة قائمة على الاحترام المتبادل وليس هناك كبير وصغير إنما كلنا سواسية نعمل للحفاظ على مكتسباتنا أن يتم تعديل قانون إنشاء المجلس ووضع هيكلية جديدة تحترم الجميع. ونتعلم من الأخطاء التي مررنا بها.
جامعة الدول العربية والحصار
ما هو تقييمكم لجامعة الدول العربية وموقفها لتعرض عضو في الجامعة لأزمة ولم تتمكن من أن تعمل شيئا؟
- الجامعة العربية موضوع آخر، الجامعة العربية للأسف مغيبة، فكما نرى أن جميع المنظمات الدولية إذا كان هناك صراع في مكان ما تتدخل وتقوم بدورها لرأب الصدع بين دولها كما في الاتحاد الأوروبي والافريقي وفي أميركا اللاتينية وفي الآسيان وغيرها الا الجامعة العربية لا تتدخل، فأزمة الخليج تخص عضوا في مجلس الجامعة العربية منذ 48 عاما، لكن الجامعة العربية للأسف لم تحرك ساكنا نحو لمّ الشمل واحتواء الأزمة فنراها عقيمة وغير قادرة على فعل شيء لماذا ؟.. لأنها مسيسة، لكن لو قارنا بالاتحاد الأوروبي فالاتحاد منظمة مستقلة لا فرق بين دولة كبيرة وصغيرة، فتجد أن مقر الاتحاد في بروكسل وليس في لندن أو باريس، وهي من الدول الصغرى في أوروبا، الصغير والفقير مع الغني شركاء في تمويل المنظمة. والحمد لله نحن بخير. وعلينا إعادة النظر في تطوير الجامعة ومجلس التعاون مستفيدين من أخطاء الماضي إذا أردنا أن يكون لنا مكان بين الأمم.
وكمواطن عربي- وليس كمسؤول أممي أقول إنني حزين أن هذه المنظمة التي أنشئت قبل أكثر من 70 سنة مازالت تراوح في مكانها، وإننا مغيبون عن الواقع الدولي الذي يتطور، ولا بد من إعادة تأسيس هذه الجامعة وفق أسس جديدة تقدم للعالم العربي ما يساهم في ارتقائه.
دور السفارة تجاه مواطنيها
كرجل دبلوماسي مارس أعمال الدبلوماسية بكل أنواعها ما هو دور السفارة تجاه مواطنيها مهما كانت اتجاهاتهم؟
- السفارة تمثل السياسة الخارجية للدولة وتقوم برعاية مصالح ورعاية مصالح المواطنين الموجودين في تلك الدولة وتقوم بتسهيل أمورهم وحمايتهم من أي شيء يتعرضون له.
أقسى مؤامرة
فلسطين، تواجه الآن أقسى مؤامرة بعد وعد بلفور ونكبة 48 ونكسة 67 واتفاقية أوسلو بما عرف بصفقة القرن.. وحضرتك كنت أحد فرسان الدفاع عن هذه القضية منذ عملتم مندوبا في الأمم المتحدة ثم رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة ما الحل المطلوب عربيا لمنع هذه الصفقة، وهل تعتقد أن السلطة الفلسطينية سوف تصمد في وجه هذه الصفقة؟
- للأسف القضية الفلسطينية تواجه تحديات خطيرة جدا، والسؤال: أين الجامعة العربية؟ حتى الاجتماعات التي كانت تعقد من أجل القضية الفلسطينية لم تعد تعقد، الموضوع خطير للغاية، وأتمنى من الله عز وجل ألا نخسر فلسطين.. وحقيقة أقول رأيي كمواطن قطري وعربي أنا بطبعي لست متشائما لكن الوضع الحالي يجعلني متشائما حتى في تفكيري، وعندما أطرح السؤال: إلى أين؟ أصل إلى طريق مسدود مع هذه الزيارات والتصريحات والمواقف العربية تجاه فلسطين.
عملت في الأمم المتحدة لزمن طويل وتوليت رئاسة الجمعية العامة، كيف كان موقف الأمم من فلسطين؟
- نعم هناك تعاطف وتأييد وتضامن مع شعب ظلم وشرد، لكن أين العرب من هذه القضية؟، فأنا لن أكون ملكا أكثر من الملك، فالموقف العربي بل موقف جامعة الدول العربية لم يكن للأسف كما ينبغي لإبقاء جذوة التأييد العالمي للقضية في مواجهة الطرف الآخر في ظل تقلبات المواقف من دول كبرى. فالجامعة العربية مغيبة والإجماع العربي مغيب، نحن في قطر قمنا وبتوجيه من القيادة العليا أن تكون القضية الفلسطينية على رأس أولوياتنا فدولة قطر كانت عضوا في مجلس الأمن عامي 2006 و2007 وقدمنا للفلسطينيين كل ما أرادوه، وعندما توليت رئاسة جمعية الأمم المتحدة عام 2011 اتصلت برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشأن رفع مستوى التمثيل الفلسطيني في الأمم المتحدة من مراقب إلى مستوى أعلى، وقلت له هذا الأمر بيدي الآن فاذا أردتم ذلك فأنا على استعداد، فقال لي لنؤجل الموضوع، فنحن نتعرض لضغوط وكنت أتمنى أن تمنح فلسطين هذه الوضعية في الأمم المتحدة في زمن رئاسة قطر للجمعية العامة للأمم. وحصلوا على وضع أعلى من مراقب، وهو قبل العضوية الكاملة وهذه العضوية تمنح من قبل مجلس الأمن.
اتعب على نفسك تنجح
كيف نصنع دبلوماسيا ناجحا؟
- هناك مثل أردده دائما في الإجابة عن مثل هذا السؤال وهو ( الناس نوعان، ناس تعبانين على أنفسهم، وناس تعبانين، والدبلوماسي الناجح هو من يتعب على نفسه ليكون على قدر الثقة التي أولته إياها دولته، وتقع المسؤولية على وزارة الخارجية في صناعة الدبلوماسي الناجح، فحين تختار رجلا للعمل الدبلوماسي لذلك معايير على رأسها الخلق ثم الثقافة والمؤهل العلمي، والإعداد والتأهيل ووزارة الخارجية في قطر لديها معهد دبلوماسي خرج العديد من الدبلوماسيين الذين تم إعدادهم على أسس سليمة، من خلال برامج تؤهل الدبلوماسي للالتحاق بهذا السلك ويكون على قدر من الكفاءة للقيام بمهام واجباته، وأرى التركيز على تنمية قدرات الدبلوماسي قبل إلحاقه بالبعثة على كتابة التقارير، ومن المهم تكثيف التدريب على البروتوكول فهو أمر مهم في العمل الدبلوماسي، وأي خلل به قد يسبب أزمة، فالدبلوماسي يجب أن يكون شخصية متكاملة، ذا خلق وتعليم وثقافة وإجادة اللغات الأجنبية، اضافة إلى التدريب الميداني، أذكر انني في زمن عملي الممثل الدائم للدولة في الأمم المتحدة رفعت العدد في دورة الأمم المتحدة إلى 24 متدربا، فالتدريب العملي في هذه البعثة يعطى المتدرب قدرات متنوعة في التواصل مع الآخرين، وكتابة التقارير وكان تدريبا جيدا نلتقي ونسأل ويسألون عما يثري معارفهم الدبلوماسية، ارى أن هذه الدورة لمدة ثلاثة أشهر سواء في جنيف أو نيويورك تهيئ للعمل الدبلوماسي المميز.
من ذاكرة الدراسة
سعادة السفير دعني أعد إلى بدايات حياتك، أين تلقيت تعليمك في المرحلة الابتدائية؟
- في قطر، أبو بكر الصديق، الدوحة الابتدائية، راس أبو عبود.
مَن مِن زملائك في تلك المرحلة ما زال على تواصل معك؟
- لا أذكر، زمن طويل ومرحلة مبكرة من الطفولة.
وفي المرحلة الإعدادية؟
- الشيخ حمد بن سحيم آل ثاني، في مدرسة راس أبو عبود والسيد علي المالكي رئيس طيران الخليج سابقا ورئيس كلية الطيران في نفس المدرسة.
وفي المرحلة الثانوية؟
- ثانوية قطر، منهم بعض الزملاء في المرحلة الإعدادية.
وفي المرحلة الجامعية؟
- لبنان، لا أذكر أسماء معينة.
ومرحلة العمل، أين ابتدأت؟
- بدأت كملحق دبلوماسي سكرتير ثالث في سفارة دولة قطر في بيروت عام 1972 ثم نقلت إلى الباكستان ثم نقلت أول قنصل عام في دبي لمدة ست سنوات، ثم الرجل الثاني في الوفد الدائم في نيويورك، ومن بعدها سفيرا لدولة قطر في المملكة الأردنية الهاشمية، من عام 1993 حتى 1999 ثم مندوبا دائما في نيويورك إلى عام 2012 عملت سنة رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم الممثل السامي لتحالف الحضارات منذ 2012، رحلة عمل طويلة.
أين وجدت نفسك ومتعة العمل؟
- في الأمم المتحدة، حيث لا سقف للإبداع، لكن أينما خدمت قطر وجدت نفسي، والعمل في الأمم المتحدة كان مميزا.
قال لي دبلوماسي أردني إنه كانت لك بصمة جميلة في العمل الدبلوماسي في الأردن وإن العلاقات بين البلدين وصلت إلى ذروتها أثناء عملك في الأردن؟
- نعم ومازلت أحتفظ بهذا الود مع الشعب الأردني الكريم الذي أحاطني بكل رعاية وسهل علي أداء مهمتي والارتقاء بالعلاقات بين البلدين إلى أرقى مستوياتها.
كلمة للعالم العربي
بعد رحلة العمر الطويلة والخبرة في الأمم والدول، ماذا تقول لعالمنا العربي الذي يموج في بعضه؟
- أتمنى أن يعم العالم العربي الأمن والسلام، فلا أنسى ما قاله لنا رئيس الوزراء الكندي كريتيان أثناء زيارة إلى كندا عام 2000 بعد أن قلنا له لقد استطعتم أن تجعلوا من كندا بلدا عظيما بعدد سكانه الثلاثين مليونا وما حققته من تطور علمي وصحي وإنساني، فتبسم وقال: نحن بلد صغير بعدد سكانه ومشكل من أجناس متعددة وليس كما العالم العربي، وتساءل: لماذا لم يأخذ العالم العربي مكانه بين الأمم بما يملكه من ثروات وعدد سكانه الذي يبلغ أكثر من 400 مليون إنسان وبلغته الواحدة وثقافة واحدة وبموقعه الجغرافي ومهبط الديانات الثلاث، لقد أصابنا هذا الكلام بالإحباط لأننا غير قادرين على أن نشكل عالما عربيا واحدا تكون له مكانة بين الأمم !!
copy short url   نسخ
18/11/2018
1428