+ A
A -
حاوره في سانت بطرسبيرغ
فهد العمادي


أكد سعادة السيد فهد بن محمد العطية، سفير دولة قطر لدى روسيا، أن موقف موسكو من الأزمة الخليجية يقوم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبما أن ماحصل في أزمتنا الخليجية كان تدخلا سافرا في قضايا تخص الشأن الداخلي فإن روسيا أخذت موقفا يقوم على ضرورة احتكام الجميع إلى الحوار والأعراف التي قننتها القوانين الدولية، وأن يكون الحوار سيد التعامل بين الدول وليس الاحتكام إلى مبدأ العنف أو التهديد أو اللجوء إلى استخدام القوة، أو القيام بإجراءات أحادية الجانب.
وقال إن هذه الأزمة وضعتنا في مواجهة حالة الإنكار التي عشناها لسنوات أمام عجز مؤسساتنا الإقليمة، كمجلس التعاون والجامعة العربية، عن القيام بدورها ووظيفتها وواجبها الأسمى، هذا الإنكار أدى إلى ما نحن فيه، فهذه المؤسسات لم تكن فعليا بمستوى المسؤولية المناطة بها، ولابد لها من التطور، لكن التطور لن يحصل إذا تحولت إلى أدوات يحركها حكام مستبدون كل همهم زيادة قبضتهم من أجل سلب حرية البشر.
وتناول سعادة السفير في حديثه قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، مشيرا إلى أن ما حدث جريمة بشعة، ويجب كشف جميع الحقائق والملابسات المتعلقة بها، خاصة وأن هناك أكثر من خرق في هذه القضية، ومن ذلك هناك تعدٍّ على سيادة دولة أخرى هي تركيا، أما الخرق الثاني فيتمثل في خرق معاهدة فيينا التي تنظم العمل الدبلوماسي، وكما يعلم الجميع، فإن القنصليات ليست مكانا لقتل الناس وإنما هي أماكن لخدمتهم وخدمة مصالح الدول المشروعة، ونوه سعادته، إلى أن الموقف الروسي يقوم وفق مبدأ أساسي يتمثل في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولكن الجريمة لم تكن «داخلية»، وإنما أخذت بعدا دوليا خارجيا.
وأكد سعادة السيد فهد بن محمد العطية أن العلاقات القطرية –الروسية جيدة وهي تتطور باستمرار، وأشار إلى أن روسيا قريبة إلى عالمنا العربي ومنطقتنا جغرافيا وثقافيا، بل هي الأقرب من بقية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وأنها دولة واعدة فيما يتعلق بالاستثمار، بسبب موقعها الجغرافي ومهارات شعبها والبنية التحتية التي تتمتع بها من مطارات وموانئ، إضافة إلى قاعدتها الصناعية، وهذه كلها عوامل مهمة ومشجعة، داعيا المستثمرين القطريين إلى إمعان النظر في السوق الروسي القادر على تقديم الكثير، بسبب مقدراته منقطعة النظير، وهنا نص الحوار:


لقد تجاوبت قطر منذ البداية مع جميع الجهود الخيرة من أجل إيجاد حل بالحوار للأزمة الخليجية، هل حظي هذا الموقف بدعم وتأييد روسيا؟
-تقوم السياسة الروسية على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبما أن ما حصل في أزمتنا الخليجية كان تدخلا سافرا في قضايا تخص الشأن الداخلي فإن روسيا أخذت موقفا يقوم على ضرورة احتكام الجميع إلى الحوار والأعراف التي قننتها القوانين الدولية،، وأن يكون الحوار سيد التعامل بين الدول وليس الاحتكام إلى مبدأ العنف أو التهديد أو اللجوء إلى استخدام القوة، أو القيام بإجراءات أحادية الجانب.
كما تعلمون فإن الأزمة الخليجية تركت آثارا سلبية للغاية على مسيرة مجلس التعاون، هل تعتقدون أن هذه المنظمة الإقليمية انتهت واضمحل دورها؟
- كقاعدة عامة فإن الأزمات هي التي تكشف جودة ونوعية هذه المؤسسات، لقد كنا في حالة إنكار لسنين عدة أمام عجز هذه المؤسسات عن القيام بدورها ووظيفتها وواجبها الأسمى، هذا الإنكار أدى إلى ما نحن فيه، فهذه المؤسسات لم تكن فعليا بمستوى المسؤولية المناطة بها، ولابد لها من التطور، لكن التطور لن يحصل إذا تحولت إلى أدوات يحركها حكام مستبدون كل همهم زيادة قبضتهم من أجل سلب حرية البشر.
هكذا كان دور المؤسسات هذه، تبييض هذا الاستبداد أمام العالم وخلق أطر أمنية أكثر من خلق أطر سياسية واجتماعية وثقافية لتمكين المواطن العربي من الوصول إلى ما يصبو إليه من عدالة وحرية، وعندما فشلت هذه المبادئ البسيطة على مر السنوات وصلنا إلى نتيجة بأن هذه المؤسسات في ظل الأزمات التي نراها فشلت فشلا ذريعا في أن تقدم أي شيء، وبالتالي أعتقد أنه يجب علينا بعد كل هذه الأزمات أن نقوم بمراجعة شاملة، أولا مع الذات، وثانيا مع هذه المؤسسات التي أنشأناها، في سبيل تفعيلها وتكريس استقلاليتها بحيث تقوم بالأدوار المطلوبة منها في خدمة الشعوب والأهداف التي قامت من أجلها.
لايجب على المؤسسات أن تكون في خدمة بعض الحكام المستبدين الذين ينكلون بشعوبهم على الإطلاق.
شغلت عملية اغتيال جمال خاشقجي العالم بأسره، كيف تنظر موسكو لهذا الأمر؟
- موقف موسكو، مثله مثل سائر مواقف دول العالم، بأن هذه جريمة بشعة ويجب كشف جميع الحقائق والملابسات المتعلقة بها، خاصة وأن هناك أكثر من خرق في هذه القضية، ومن ذلك هناك تعد على سيادة دولة أخرى هي تركيا، أما الخرق الثاني فيتمثل في خرق معاهدة فيينا التي تنظم العمل الدبلوماسي، وكما يعلم الجميع، فإن القنصليات ليست مكانا لقتل الناس وإنما هي أماكن لخدمتهم وخدمة مصالح الدول المشروعة، وأعود للموقف الروسي وهو يتمثل في أن موسكو تتبع مبدأ بسيطا يقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولكن الجريمة لم تكن «داخلية»، وإنما أخذت بعدا دوليا خارجيا.
كيف تقيمون العلاقات القطرية – الروسية، وهل هناك تعاون محدد فيما يتعلق بمونديال 2022؟
- العلاقات القطرية –الروسية جيدة وهي تتطور باستمرار، أود أن أشير هنا إلى أن روسيا قريبة إلى عالمنا العربي ومنطقتنا جغرافيا وثقافيا، بل هي الأقرب من بقية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وإذا اعتبرنا أن هناك «5» دول حامية للمنظومة الأمنية العالمية، فإن علينا أن نعرف مَن مِن بين هذه الدول هو الأقرب إلينا جغرافيا وثقافيا، وهنا لن نجد دولة أقرب من روسيا.
هذا أولا، وثانيا فإن هناك بعدا للاهتمام الروسي بالجانب الثقافي العربي، وهو اهتمام له عمقه التاريخي إذ تم تأسيس معهد اللغات العربية قبل أكثر من قرنين في روسيا لشدة الاهتمام بالعربية، أيضا هناك جاليات مسلمة كبيرة، وهذه النقاط المشتركة والمجتمعة فيما بيننا يجب أن تشكل دافعا إضافيا من أجل تقوية المشترك والبناء عليه حتى نصل إلى مرحلة التفاهمات المشتركة في قضايانا المختلفة.
وماذا عن التعاون في مونديال «2022»؟.
- طبعا روسيا نظمت نسخة المونديال الأخيرة، وكانت الأفضل في تاريخ هذه البطولة، وبطبيعة الحال فإنه يمكن الاستفادة من الخبرات التراكمية الموجودة لديهم، وهناك تعاون يتم بالفعل بين بعض الجهات في روسيا واللجنة المنظمة لمونديال «2022» وأعتقد أنه سيتبلور إلى مشاريع مشتركة.
تبدو روسيا منهمكة في قضايا الشرق الأوسط، وهي لديها سياسة مختلفة إلى حد كبير، حيال قضايا عدة كما هو الحال بالنسبة لسوريا وليبيا واليمن، هذا التمايز كيف تفسرونه؟
- سياسة موسكو تقوم على المصلحة الروسية، وهنا لابد من طرح السؤال على العرب أنفسهم أولا، فهل وفرنا بديلا مناسبا لإقناع موسكو بالعدول عن سياسة معينة؟
بالنسبة لروسيا فإن سياستها تقوم أيضا على معارضة تغيير أي نظام قائم بفعل تدخلات خارجية، وهي ترى أن أي تغيير يجب أن يتم وفق معايير داخلية، وما حصل في سوريا مثلا، فإنه من وجهة نظرهم لم يكن داخليا صرفا، بقدر ما أنه نتج عن تدخلات خارجية.
هذه النقطة تحديدا هي ما أثارت حفيظة الروس الأمر الذي دفعهم إلى تبني موقف صارم لحماية نظام الأسد من السقوط، وحتى لاتتكرر هذه العملية أيضا، خاصة بعد الدرس الليبي ومستوى الفوضى التي شهدتها ليبيا بعد سقوط نظام القذافي.
هم يقولون قدموا لنا البديل الذي يحافظ على الدولة واستقرارها وحياة وأرواح الناس فيها، وبما أن هناك فراغ أو انعدام للرؤية فإن روسيا تأبى أن تحول الدول إلى أماكن وبؤر للقتل والنهب والفوضى.
هناك موجة من الكراهية تجتاح العالم حيال المهاجرين والأجانب، كيف هو الحال هنا في روسيا؟
- روسيا دولة كبيرة متعددة الشعوب والثقافات، هذا الأمر تم مراعاته في الدستور الروسي، وهو بالمناسبة من أفضل الدساتير في العالم حيث إنه يعترف بتعددية المجتمع الروسي ثقافيا وعرقيا ودينيا، وأن هناك شعوبا وقبائل وأديانا وثقافات مختلفة داخل هذا المجتمع.
روسيا دولة متجانسة ومتصالحة، ليس لديها، كما لدى غيرها، أي حساسيات تجاه الآخر، ولابد من ملاحظة أن مكونات المجتمع الروسي محلية وأصيلة، بمعنى أنها لم تنشأ على الهجرات، كما هو الحال بالنسبة لبعض الدول الأخرى.
كما تعلمون فإن هناك حديثا متزايدا عن «صفقة القرن» فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، كيف تنظر روسيا إلى ما يتم تداوله في هذا الشأن؟
- الخوف الحقيقي يكمن في محاولة فرض سياسة الأمر الواقع، وبالنسبة للقضية الفلسطينية هناك مرجعيات وقرارات أممية حددت أطر الحل، وهذا الحل لابد أن يراعي الثوابت التي اتفقت عليها الأسرة الدولية وهي قيام دولة فلسطينية مستقلة تلبي تطلعات الشعب الفلسطيني.
هناك استثمارات قطرية في روسيا، هل تجدون أن هذه الدولة الكبيرة واعدة فيما يتعلق بقضايا الاستثمار؟
- روسيا دولة واعدة فيما يتعلق بالاستثمار، بسبب موقعها الجغرافي ومهارات شعبها والبنية التحتية التي تتمتع بها من مطارات وموانئ، إضافة إلى قاعدتها الصناعية، وهذه كلها عوامل مهمة ومشجعة، لكل ذلك أشجع المستثمرين القطريين على إمعان النظر في السوق الروسي القادر على تقديم الكثير، وباختصار فإن المقدرات الروسية منقطعة النظير.
تتصدر روسيا اليوم قائمة الدول المنتجة للبترول بـ«11.6» مليون برميل يوميا، كيف تقيمون مستوى التعاون الروسي لتحقيق الاستقرار في السوق العالمي؟
- روسيا اليوم ضمن المعادلة الجديدة «أوبك+روسيا»، ومن أولويات واهتمامات موسكو أن يكون سوق النفط العالمي متزنا ومستقرا، لا يتذبذب ولا يهتز كما حصل في السنوات الماضية، وأن تكون الأسعار مرضية للجميع منتجين ومستهلكين، على أن يتم احتساب السعر في نهاية المطاف وفق سياسة العرض والطلب، ومن مصلحة روسيا وجود تنسيق فيما بينها وبين المنتجين الآخرين.
كان هناك حديث عن احتمال شراء قطر لصواريخ «اس – 400» الدفاعية، هل تم التوصل لشيء فعلا؟
- قطر تسعى على الدوام إلى خلق شراكات جديدة مع الدول المصنعة للمعدات العسكرية الدفاعية، ومنها روسيا، إذ أن سياسة قطر تقوم على تعزيز قدراتها الدفاعية ضد كل من يريد بها الشر، وبالنسبة لروسيا فإن تصدير هذه المنظومات الدفاعية تكتنفه تجاذبات سياسية دولية، ليس فيما يتعلق بقطر فقط، وإنما لكل دول العالم ككل، نحن نتعامل مع هذا الظرف، وهذا لا يعني أننا لن نستمر في محاولة تطوير علاقاتنا الدفاعية مع دولة مثل روسيا، لكن في المقابل لا يعني أيضا دخولنا في صراعات سياسية مع دول أخرى بسبب شراء هذا النوع أو ذاك من السلاح.
قطر لديها الحق المطلق في التعامل مع من تشاء من الدول في إطار القواعد المنظمة للعلاقات الثنائية بين الدول.
روسيا دولة ذات سيادة وقطر دولة ذات سيادة وبإمكانهما التعاون والمشاركة والتجارة شريطة ألا يكون في ذلك مدعاة للضرر على أي دولة، ونحن مع تطوير العلاقات مع روسيا، ليس في المجال الدفاعي فقط، وإنما في المجالات الأخرى.
copy short url   نسخ
18/11/2018
2371