+ A
A -
الوطن ــ خاص



مجمل قراءة بيان النائب العام السعودي بشأن قتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي في مقر القنصلية بإسطنبول تنتهي إلى نتيجة واحدة وهي الاعتراف بكل التسريبات التركية والصحفية منذ اليوم الأول لاختفائه، بما فيها أن الفريق المكلف (باستعادته) قام بتقطيع جثته إلى أجزاء وإخراجها.
غير أن تتبع النتائج الـ17 للتحقيق التي أعلنها النائب العام توحي بوجود علاقة لسلطة أعلى من نائب رئيس الاستخبارات السابق الذي أقيل على خلفية الجريمة، لدرجة أن أحد الصحفيين علق ساخرا بأن «النائب العام يعمل لصالح أجندة قناة الجزيرة وجماعة الإخوان»!
النتائج من 2 إلى 4 تتضمن إشارة واضحة إلى الدور الذي لعبه سعود القحطاني المستشار السابق في الديوان الملكي وقائد آلاف الحسابات المزيفة التي اشتهرت باسم «الذباب الإلكتروني».
القحطاني كان يتولى منصبا هاما في الديوان الملكي وعلى علاقة وثيقة جدا بولي العهد لدرجة أن نيويورك تايمز قالت إنه جلس مع الملوك والرؤساء العرب الذين أقام لهم ولي العهد عشاء في الهواء الطلق، وأنه ظل طوال الليل مع ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف لإقناعه بالتخلي عن منصبه، ثم ابتكر بعد خلعه قصة أنه كان مدمنا على الكوكايين، أي أنه المخطط والمنفذ الاستراتيجي لكل القرارات التي جاءت بالسلطة الجديدة وسياساتها.
كما أشارت النيويورك تايمز إلى إطلاقه فكرة حفر قناة تفصل دولة قطر عن السعودية وتحولها إلى جزيرة كاملة وسط المياه، والدعاية لتلك الفكرة بواسطة ذبابه الإلكتروني.
تضمنت النتيجة الثانية أن قائد المهمة اقترح على نائب رئيس الاستخبارات السابق أن يتم تكليف زميل سابق له مكلف بالعمل مع مستشار سابق (سعود القحطاني) ليقوم بترؤس مجموعة التفاوض لوجود سابق معرفة له مع المواطن المجني عليه (جمال خاشقجي).
واضح أن الزميل السابق المقصود هو ماهر عبدالعزيز المطرب الذي كان برتبة عقيد في المخابرات السعودية وعمل لمدة سنتين في سفارة المملكة بلندن إبان عمل جمال خاشقجي فيها كمستشار للأمير تركي الفيصل خلال خلال توليه السفارة. وهو من مواليد 1971، ونقلت بي بي سي في وقت سابق عن أحد المدربين الأوروبيين بوصفه أحد أعضاء الفريق الذي درب مطرب على القرصنة الالكترونية، إنه قدم إليه بوصفه عميلا في الاستخبارات الأمنية.
ويبدو أن خبرته في هذا المجال أهلته للعمل مع القحطاني الذي كان يرأس ما يسمى اتحاد الأمن السيبراني، سيما أن المدرب قال إنه دربه على إصابة أجهزة كمبيوتر الشخصيات المستهدفة بفيروسات لغرض التجسس، والحصول على معلومات عن تلك الشخصيات.
ويقول تقرير لشبكة «سي إن إن» الأميركية، نقلا عن مصدر موثوق، إن المطرب مقرب من مقرّب من الدائرة الداخلية لولي العهد.
بيان النائب العام يلقي هنا بمفاجأة صاعقة ستزيد حتما من احتمالية وجود سلطة أعلى لها علاقة بمقتل خاشقجي تتجاوز قائد المهمة، هذه المفاجأة أن ماهر المطرب يعمل تحت رئاسة القحطاني، أي أنه يعمل في الديوان الملكي، وهنا لابد من استعادة تغريدته الشهيرة بأنه لا يقدح من رأسه!.. والعودة إلى تقرير نشرته نيويورك تايمز بأن المطرب اتصل هاتفيا من إسطنبول بمساعد لولي العهد السعودي طالبا منه إبلاغ رئيسه بأن المهمة أنجزت.
لن نحتاج إلى أي عناء لنستنتج بعد بيان النائب العام بأن ذلك المساعد لولي العهد هو نفسه سعود القحطاني.
نيويورك تايمز كانت قد أوضحت في التقرير نفسه أن المخابرات الأميركية تعتقد بأن كلمة «رئيسك» كانت إشارة إلى ولي العهد. لكن الصحيفة نقلت عن بيان سعودي- أن المسؤولين في الرياض علقوا على عبارة «قل لرئيسك» بالقول إن الأتراك سمحوا للمخابرات السعودية بسماع تسجيلات، وأنه لا توجد أي إشارة إلى هذه العبارة.
في النتيجة الثالثة لبيان النائب العام السعودي أن نائب رئيس الاستخبارات السابق قام بالتواصل مع المستشار السابق (سعود القحطاني) لطلب من سيكلف بترؤس مجموعة التفاوض (ماهر المطرب) فوافق المستشار على ذلك وطلب الاجتماع مع قائد المهمة.
أيضا لن نعاني هنا في قياس مدى أهمية الدور الذي قام به القحطاني لدرجة أنه طلب الاجتماع مع قائد المهمة. أما ما دار في ذلك الاجتماع فقد ورد في النتيجة الرابعة من البيان، بأن المستشار المذكور التقى قائد المهمة وفريق التفاوض ليطلعهم على بعض المعلومات المفيدة للمهمة بحكم تخصصه الإعلامي واعتقاده أن المجني عليه تلقفته منظمات ودول ومعادية للمملكة وأن وجوده في الخارج يشكل خطراً على أمن الوطن وحث الفريق على إقناعه بالرجوع وأن ذلك يمثل نجاحاً كبيراً للمهمة.
عمل سعود القحطاني في الديوان الملكي كمهيمن على الإعلام في المملكة لا يعطيه الحق في الاجتماع مع قائد فريق استخباراتي مكلف باستعادة خاشقجي أو إعطائه توجيهات ومعلومات، كما أننا لم نعهد قائم على الإعلام يقرر لفريق استخباراتي أن وجود شخص ما في الخارج يشكل خطرا على أمن الوطن. هنا إيحاء آخر بأن وراء الأكمة ما وراءها وأن القحطاني لا يقدح من رأسه!
نذكر بتقرير وكالة رويترز الذي وصف سعود القحطاني بالساعد الأيمن لمحمد بن سلمان، وأنه أشرف بنفسه على عملية قتل خاشقجي خلال اتصاله بفرقة الموت عبر سكايب، وأن الاتصال جرى عن طريق هاتف الضابط ماهر المطرب الذي تفاجئنا من بيان النائب العام بأنه يعمل مع المستشار السابق (القحطاني) الذي وجه شتائم وإهانات لخاشقجي قبل أن يأمرهم بالتخلص منه وجلب رأسه قائلا «احضروا لي رأس الكلب».
ومما ذكرته رويترز عنه أنه أشرف على احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في السعودية قبل عام واستقبله في غرفة وأمر فريقه بضربه ووجه إليه شتائم قبل أن يجبره على تقديم الاستقالة من الرياض في بيان ألقاه الحريري بنفسه، كما أنه أشرف على التحقيق مع الأمراء ورجال الأعمال السعوديين في فندق ريتز كارلتون في نوفمبر من العام الماضي.
رجل يؤهل لهذا المهمات لا يمكن أن يقدح من رأسه خصوصا مع منصبه الرفيع في الديوان الملكي، وعمل الضابط ماهر المطرب معه وهو الذي قاد الفريق التفاوضي مع خاشقجي وانتهى بقتله..
لقد قال بيان النائب العام ضمنا ما لم يقله بصراحة، وأوحى بالفعل إلى وجود جهة أعلى في أبشع جرائم القرن. ووفق تصريحه للصحفيين فقد منع القحطاني من السفر ويجري التحقيق معه لبيان دوره في العملية.
أدرك وزير الخارجية عادل الجبير الفخاخ التي نصبها بيان النائب العام دون قصد منه، فأكد في مؤتمر صحفي في اليوم نفسه (الخميس 15 نوفمبر) أن ولي العهد محمد بن سلمان ليس له أي علاقة بقضية بقضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، رافضا تدويلها لأن السعودية «لديها جهاز قضائي فعال» حسب قوله.
copy short url   نسخ
17/11/2018
4406