+ A
A -
عواصم- وكالات- الجزيرة نت- ربما ظن الذين خططوا لاغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، أن مقتله سيكون له انعكاس محدود ولأيام معدودة ثم يخفت أمره وينتهي؛ إلا أن ما لم يدر في حسبانهم قد وقع، وأصبحت الجريمة قضية رأي عام عالمي تتصاعد يوميا.

لا يختلف اثنان أن الجريمة تخطيطا وتنفيذا شابهها الغباء المطلق، فالعالم كله عرف بها وبمن نفذها في وقت وجيز، لتتواتر بعد ذلك الحقائق والمعلومات فتضطر السعودية- تحت الضغط التركي والعالمي- للاعتراف ولو بصورة متدرجة، حتى أقرت بأن الجريمة قد خطط لها مسبقا.
في بداية الأمر، حاولت السعودية رمي كرة الاتهام في وجه تركيا وقطر، ودفعت إعلامها وبعض الأقلام والقنوات الموالية لها للترويج لفكرتها هذه، غير أن ذلك لم يدخل عقل عاقل، واستمرت الضغوط على الرياض لكشف الحقيقة حتى اعترفت بالجريمة رغم أن اعترافها لا يزال منقوصا.
لماذا هو اعتراف منقوص؟ لأن الرياض حتى الآن لا تريد الكشف عن المسؤول الذي أمر بتنفيذ هذه الجريمة، وهو ما تصرّ تركيا ودول العالم على معرفته.
إن التضارب في الروايات السعودية عن كيفية مقتل خاشقجي يوضح الارتباك الحاصل في أروقة القصر الملكي، والضغوط التركية والعالمية على الرياض أصابتها بحالة من عدم الاتزان، وأدخلتها في حالة من الارتباك لن تنتهي إلا بالإعلان عن الآمر الرئيسي لهذه الجريمة.
لماذا هذا الاهتمام العالمي؟ تجيب عن هذا السؤال الكاتبة نسرين مالك في مقال بصحيفة الغارديان، وتقول: إن هناك شيئا ما حدث جعل من قضية خاشقجي مختلفة، ما حدث له لم يكن متوقعا، هناك عنصر الخيانة المروعة التي تعرض لها خاشقجي، لقد قُتل داخل قنصلية بلاده في أرض أجنبية.
وتضيف: مثل مقتل خاشقجي فرصة للضغط على السعودية ونخبها الحاكمة، ولتسليط الضوء على الجانب الوحشي والقاسي في تعامل الحكومة مع شعبها وخصومها، كما يجب أن يؤدي مقتل خاشقجي إلى إعادة تقييم المنطق الواقعي الجبان في التعاون الأمني، الذي يتذرع به حلفاء السعودية الغربيون لتبرير دعمهم للرياض.
ويرى كثير من الكتاب والمراقبين أن هذه القضية لن تمر مرور الكرام، كما أن تركيا- التي تشعر بالحرج لوقوع الجريمة على أراضيها- تعهدت أكثر من مرة على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان وسياسييها، أنها لن تغلق هذا الملف إلا بعد أن تأخذ العدالة مجراها على من نفذ ومن أمر.
وظل الرئيس التركي في أكثر من مناسبة يؤكد أن بلاده لن تسكت على هذه الجريمة، ووجه عدة رسائل متواترة للمسؤولين في الرياض لتقديم القتلة مع التركيز على الآمر الذي وجههم وأعدهم لقتل خاشقجي، مع تأكيده أنه لن يكون الملك سلمان بن عبد العزيز، غير أنه لم يستثن من دونه في الهرم الحاكم.
ولعل أشد ما أغضب الرئيس أردوغان هو محاولة اتهام بلاده وقطر في بادئ الأمر بهذه الجريمة، فقد تأكد له أن المستهدف كان تركيا لإحراج حكومته وبالتالي إسقاطها شعبيا بعد فشل المحاولة الانقلابية الأخيرة، لذلك يرى كثيرون أن أردوغان لن يسكت أبدا، وإن لم تستجب الرياض وتقرّ بالفاعل الحقيقي فإنه سيكشف كل ما لديه من أوراق.
وأمس أعرب رئيس دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية فخر الدين ألتون عن رفضه للاتهامات التي وجهها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للرئيس التركي بشأن قضية خاشقجي ونفيه استماع فرنسا لأي تسجيلات.
وقال لودريان خلال لقاء تليفزيوني أمس الأول إنه «لم يستمع لأي تسجيلات بشأن مقتل خاشقجي لتسأله المذيعة: هل أردوغان يكذب إذن؟.. فقال: «لديه لعبة سياسية يريد أن يلعبها».
وأوضح ألتون أن اتهام وزير الخارجية الفرنسية لرئيس جمهوريتنا بـ «التلاعب السياسي» أمر غير مقبول.
وأضاف: «إن كان التواصل مقطوعا بين المؤسسات الفرنسية فهذه مشكلة فرنسية وليست تركية».
وشدد ألتون على أنه لولا مساعي تركيا الحازمة لتمت التغطية على حادثة مقتل خاشقجي منذ زمن.
وعلى صعيد التحقيقات أكد المسؤول التركي أن تركيا تواصل جهودها من أجل كشف كل تفاصيل جريمة خاشقجي بما فيها الآمر بإرتكاب الجريمة.
يشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال إن بلاده أطلعت كلا من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والسعودية على التسجيلات الخاصة بقتل خاشقجي قبل سفره إلى باريس لحضور الاحتفالية المئوية بانتهاء الحرب العالمية الثانية.
وعلى الرغم من عدم أشارة الأتراك لاطلاع آخرين على التسجيلات إلا أن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو قال إن الاستخبارات الكندية استمعت لها ويدرس مع دول أخرى اتخاذ موقف من السعودية.
copy short url   نسخ
13/11/2018
2994