+ A
A -
تحقيق – أكرم الفرجابي

مع بداية كل عام دراسي تطفو إلى السطح، مشكلة دمج الطلاب ذوي الإعاقة بالمدارس، في ظل غياب البيئة الملائمة، ونقص الكوادر المؤهلة، حيث دعا عدد من الخبراء والمهتمين إلى ضرورة تأهيل العاملين في المجال التربوي والتعليمي، وتزويدهم بأساسيات التعامل مع مختلف الإعاقات بشكل عام وتسهيل الإجراءات اللازمة لتطوير الدمج، من أجل الوصول به إلى مستوى من الاحترافية المطلوبة، فقد كشف عدد من الخبراء لـ «الوطن» عن معوقات تواجه عملية دمج الطلاب ذوي الإعاقة في المدارس، أبرزها غياب مراكز التأهيل الخاصة بمرحلة ما قبل الدمج، وقلة أعداد المدارس المخصّصة للدمج، بالإضافة إلى عدم وضوح رؤية وفلسفة الدمج نفسها، على الرغم من تحديد ما يفوق «52» مدرسة في جميع المراحل الدراسية، ودعمها بكل المستلزمات الطبية والتدريسية، لتكون مراكز دراسة وعلاج للطلاب ذوي الإعاقة.
المجتمع المدرسي
بدايةً تقول الدكتورة بتول خليفة، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة قطر، أن لكل طفل أو إنسان حقا في التعلم، بصرف النظر عما إذا كان يعاني من إعاقة، أو من غير ذوي الإعاقة، وأوضحت أن قانون دولة قطر، يكفل لكل فرد في المجتمع سواء كان مواطن أو مقيم حق التعليم، وبناء على ذلك تتوفر الخدمات التعليمية لجميع هؤلاء الأفراد، ومن ضمنهم الأطفال أو الطلاب ذوو الإعاقة، وأشارت إلى أن المجتمع المدرسي الذي يحيط بالطالب، يعتبر من أبرز العقبات التي تقف في طريق الدمج، كونه ليس لديه ثقافة الدمج، بمعنى أنه لا تتوفر له المعلومات والمهارات الكافية لفهم آلية أو كيفية إجراء الدمج.
عملية الدمج
وأوضحت أن المعلمين المعنيين بهؤلاء الطلبة، غير مدربين تدريباً كافياً للتعامل مع الطلاب من ذوي الإعاقة، ونوهت بأن مجتمع الطلاب نفسه في المدرسة غير مهيأ لاستقبال الطلاب الذين يراد دمجهم. وأضافت: من المفترض نكون قد تخطينا هذه المرحلة، لأنه في قوانين تنظم عملية الدمج، وهنالك برامج في المدارس تقوم بعملية الدمج، والطالب ذو متلازمة داون أو من ذوي اضطراب طيف التوحد، أو من ذوي الإعاقة العقلية الخفيفة، الذي من المفترض أن يدمج بالصف مع أقرانه من الأطفال من غير ذوي الإعاقة، يجب أن تقدم له الخدمات المناسبة، ويكون معلم التربية العامة مع معلم التربية الخاصة في نفس الصف، يقومان معاً بإعداد الخطط والأدوات والاستراتيجيات ومصادر التعلم مع بعضهما البعض، لخدمة كل من الطفل أو الطالب من ذوي الإعاقة أو الطالب من غير ذوي الإعاقة.
وأشارت إلى أن مفهوم الدمج يتحقق بتشارك جميع الأطفال في الفعاليات والأنشطة، بحيث لا يشعر الشخص الذي يعاني من الإعاقة أنه غريب عن المجتمع، خاصةً أنه هناك بعض الأطفال الذين يتعرضون للعزل، من قبل معلم التربية العامة، لأنه ليس لديه إلمام كاف في كيفية التعامل مع هذا الطالب، لذلك يلجأ إلى خيار عدم التعامل معه نهائياً بالعزل، مؤكدةً أن هذه من أبرز الإشكاليات التي تواجه الطلاب ذوي الإعاقة بصفوف الدمج.
مدارس الدمج
من جانبه يشير السيد طالب عفيفة عضو مجلس إدارة الجمعية القطرية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى معوقات أخرى تتمثل في أن عدد المدارس المخصصة للدمج غير كافٍ، الأمر الذي يتسبب في تكدّس أعداد الطلاب ذوي الإعاقة في بعض المدارس، مما يضطرها إلى وضع الطلاب بصفة مستمرة في غرف المصادر لتلقي الدروس، حيث يصل العدد في بعض الأحيان إلى أكثر من 30 طالباً في المدرسة، مشيراً إلى أن تلقي الطلاب جميع دروسهم داخل غرف المصادر يحول دون إدماجهم بشكل حقيقي مع زملائهم حيث يقتصر التقاؤهم بهم على الطابور والفرصة فقط، أما ما دون ذلك فكل منهم في مكان منفصل، قائلاً: عدنا خطوات إلى الخلف وأضفنا ضغوطا ومتاعب على الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم وحتى العاملين بالمجال.
أعداد الطلاب
وأوضح أن ولي الأمر أصبح يشعر بالتوتر، وهو يدور في ذهنه سؤال أين يسجل نجله للالتحاق بالعام الدراسي، في ظل زيادة أعداد الطلاب ذوي الإعاقة في المدارس، التي تشكّل صعوبة كبيرة أمام المدرّس نفسه في توصيل المعلومة إليهم، لأنه سيضطر إلى التعامل مع كل هذا العدد بمفرده، في حين أنه لو كان العدد أقل فإن هذا سيساعده كثيراً في أداء عمله، وتابع: مشكلة التكدّس نتجت من قلة أعداد المدارس المخصّصة للدمج الأمر الذي يستدعي من وزارة التعليم والتعليم العالي زيادة أعدادها حتى تكون قريبة من سكن الطلاب لأن بُعد المدرسة عن السكن يجعل الطالب يمضي فترة طويلة داخل الباص وهذه المدة قد تصيب الطلاب الذين يعانون من إعاقات حركية بأمراض أخرى كالقرح على سبيل المثال نتيجة للجلوس في المقاعد المتحرّكة لفترة طويلة.
رؤية الدمج
بدوره يشير د. طارق العيسوي، خبير في التربية الخاصة، إلى عدم وضوح رؤية وفلسفة الدمج في المدارس المخصصة لذلك، مشيراً إلى غياب مراكز ما قبل الدمج، حيث تعاني معظم الأسر من رسوم المراكز الخاصة، التي تفوق القدرات المالية، إذ تتراوح ما بين 40 إلى 120 ألف ريال سنوياً، مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة تأهيل الطلاب ذوي الإعاقة قبل عملية الدمج، بدءاً من اكتشاف الإعاقة ودرجتها، مروراً بالرعاية الواجبة، واتباع الوسائل الصحيحة، وصولاً إلى تنمية قدرات المعاقين، وإطلاق طاقاتهم، ومساعدتهم إلى درجة الاعتماد على أنفسهم، والنجاح في المسار التعليمي والأكاديمي، والاندماج في الأنشطة والبرامج المجتمعية، جنباً إلى جنب مع إخوانهم الأسوياء.
مواقف سلبية
وأشار إلى وجود مشاكل في التعامل مع الطلاب داخل بعض المدارس بسبب وجود عدد من الكوادر غير المؤهلة وهو ما يسبب مشاكل في الطلاب الذين يعانون من حالات تشتت الانتباه، وفرط النشاط، وإصابات التعلم، والتوحد، والتأخر العام في التطور النمائي، وحالات الصمت الاختياري، لافتاً إلى أنه هناك عدد من إدارات بعض المدارس لديها مواقف سلبية تجاه الدمج وحق ذوي الإعاقة في التعليم ولديهم معاملات غير جيدة مع أولياء الأمور، قائلاً: نحن في حاجة إلى كوادر تدريسية وإدارية لاستيعاب هذه الحالات، والتعامل معهم على أنهم جزء من المجتمع، وأن توكل لهم مهام تتوافق مع طبيعة إعاقتهم، وتعطيهم فرصة لإثبات أنفسهم، فهناك الكثير من ذوي الإعاقة الذين يمتلكون إمكانيات خاصة ومتميزة، ويجب على المدارس أن تقوم بدورها في التواصل مع أسر ذوي الإعاقة وتدعمهم، فكل أسرة فيها فرد من ذوي الإعاقة لديها مشكلة ما، وأن تعرف الأسر كيفية التعامل مع ذوي الإعاقة وتقبله، وليس إخفاءه عن المجتمع، كما يجب عليها التواصل مع المؤسسات الأخرى التطوعية والإعلامية لنشر التوعية بأهمية هذه الفئة والطريقة الصحيحة للتعامل معها.
تحقيق الذات
من جانبها ترى الخبيرة التربوية والكاتبة الصحفية د. لطيفة النعيمي، أن دمج الطلاب ذوي الإعاقة تعليمياً في مدارسنا يساهم في سرعة تأهيلهم، فالدمج يعمل على تحقيق الذات عند هؤلاء الأطفال، من خلال جعلهم يعيشون حياة طبيعية في المجتمع كغيرهم من الأطفال العاديين، ويعمل على زيادة دوافعهم للتفوق، عبر التقليل من الفوارق الاجتماعية والنفسية بينهم، بالإضافة لمساهمته في تعديل نظرة المجتمع المحيط، وتوقعاته نحو هؤلاء الأطفال.
وأضافت النعيمي في إحدى مقالاتها قائلةً: بالرغم من بعض الآراء التي تتفق مع فكرة أن دمج ذوي الإعاقة في المدارس العامة قد يحرمهم من الاهتمام الفردي الذي قد يتوافر في المدارس الخاصة، أو قد يتسبب في زيادة الفجوة بين الطفل ذوي الاحتياج الخاص والأطفال العاديين، وعموماً لا يعتبر مقدار التحصيل الدراسي فقط هو معيار التقييم للنجاح، فإذا كنا نرغب في تحديد مدى نجاح عملية الدمج، أو نقل ذوي الإعاقة لمدرسة خاصة، لا بُد من دمج ذوي الإعاقة تدريجياً، مع ضرورة تقييم حالة الطفل من البداية، ووضع خطة تطوير تعليمي منظم له، مشيرةً إلى أن مستوى التحصيل الدراسي لصاحب الاحتياج الخاص بالفصول التعليمية العادية، يختلف باختلاف درجة الإعاقة، وبدرجة ثقته في نفسه بين أقرانه، ولا يكفي أن يوضع ذوو الإعاقة في الأقسام التعليمية العادية فترة من الوقت، بل يجب أن يكون هناك تكامل اجتماعي وتعليمي مع زملائهم العاديين، فالتكامل التعليمي هو العنصر الأهم في عملية الدمج.
copy short url   نسخ
14/09/2018
10091