+ A
A -
.. والحق أن خيار الكونفدرالية مات وشبع موتاً غداة طرحه أول مرة في أعقاب عقد أول اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1984 في عمّان، ودخول العلاقات الأردنية- الفلسطينية في مرحلة تفاهم وانسجام غير مسبوقة، سمحت للجانبين بالتفكير في تطوير العلاقات بينهما، في إطار ما قد تنجلي عنه التطوّرات المحتملة في المستقبل القريب.
وهو ما أدى بالنتيجة إلى حدوث اتفاقٍ غير مكتوب بين الملك حسين وشمعون بيريس، الذي كان في حينه يتناوب مع إسحق شامير رئاسة الحكومة في إسرائيل، تضمّن بصورة ما قيام اتحاد كونفدرالي بين الأردن وفلسطين؛ حين يتم التوصل إلى اتفاق سلام، غير أن شامير قوّض ذلك التفاهم، ثم أتت التطورات المتلاحقة آنذاك لتدفن هذه الفكرة تماماً، ومن ذلك اندلاع الانتفاضة، وبعدها فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية، وأخيراً توقيع اتفاق أوسلو، الذي أغلق الباب كلياً على هذه الفكرة.
وقد تكون المرّة الوحيدة، التي جرى فيها تبادل كلامي قصير حول هذه الفكرة، حين قال أبوعمار للملك حسين: إن اتفاق الكونفدرالية في جيب سترته، فأجابه الملك إن عليك أن تبقيه في جيبك إلى حين إقامة الدولة الفلسطينية، وعندها سنتحدّث، الأمر الذي وضع حداً نهائياً لكل قولٍ آخر، وأهال على هذه الفكرة أطناناً من التراب، إنْ لم نقل إنه أسقطها من حساب سائر الأطراف المعنيّة، بما في ذلك الأردن الذي وقّع بعد اتفاق أوسلو معاهدة سلامٍ رسمت حدوده الغربية، وأبعدت عنه شبح الوطن البديل (الخيار الأردني) الذي كان هاجساً يؤرّق الأردنيين، ويشدّد من حذرهم المضاعف وحساسيتهم المفرطة، إزاء أي طرحٍ قد تفوح منه رائحة كريهة كهذه، بما في ذلك فكرة الكونفدرالية التي يبدو أنها لا تزال يقظةً في تلافيف العقلية الإسرائيلية، المسكونة بكل ما من شأنه الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة.
لذلك لم تكن ردّة فعل الأردن السريعة (المخاطب أساساً بهذا الطرح) إزاء إعادة بعث الكونفدرالية من سباتها الطويل، ردّة فعل مفاجئة، عندما قالت المتحدثة باسم الحكومة إن هذه الفكرة ليست قيد البحث، وأضافت أنه يوجد للفلسطينيين حق في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم، فيما جاء كلام الملك عبدالله الثاني أكثر بلاغةً حين قال «الكونفدرالية مع مين؟ هذا خط أحمر»، وهو موقفٌ من شأنه أن يضع نقطةً كبيرة في آخر سطر هذه الفرضية، المفتقرة أصلاً أدنى قبول رسمي أو شعبي من الطرف الفلسطيني الذي لا يمانع، على الأرجح، في إقامة هذا الشكل الاتحادي بين كيانين مستقلين، وهو ما يقتضي بالضرورة الموضوعية إنهاء الاحتلال والاستيطان، على أن يتم ذلك بعد إجراء استفتاء مباشر لكلا الشعبين.
وعليه، ليس هناك في واقع الأمر طرح كونفدرالي حقيقي، يستوجب كل هذه الانفعالات، ولا هناك الآن مشروعٌ يستحقّ مزيداً من الإثارة والضجيج، وتحميل الأمور أكثر مما تحتمل، فلا الأردن يقبل على جيشه أن يتحوّل (بموجب هذه الفكرة) إلى حارس لحدود إسرائيل، ولا يوجد فلسطيني واحد يقبل التنازل عن القدس وعن الغور، ناهيك عن استثناء قطاع غزة، لقاء ثمرة عجفاء غير متناسبةٍ مع نضالٍ مجيدٍ ومرير، علماً أنه لا توجد مشكلة لدى الأكثرية الكاثرة من الفلسطينيين للوحدة مع الأردنيين، حتى لا نقول إن لديهم القابلية، والاستعداد الكلي، لإقامة اتحاد فدرالي، على خلفية العلاقة التاريخية والاجتماعية العميقة والمتشعّبة، والتي أملتها حقائق الجغرافيا والوحدة الاندماجية السابقة بين الشعبين على كلتا ضفتي نهر الذي جفّفت منابعه إسرائيل.
copy short url   نسخ
12/09/2018
686