+ A
A -
الوطن- وكالات ــ هل ستقدم لنا الروبوتات فنًّا أيضاً؟ يبدو السؤال مثيراً للبعض، بينما يبدو للبعض الآخر غباءً بحتاً، هل يمكن حقاً أن تبدع الروبوتات لوحات فنية قيّمة كتلك التي يصنعها البشر؟
نعرف أن الذكاء الاصطناعي قد تفوق بالفعل في مهام كثيرة، مثل الترجمة والتعرّف إلى الوجوه وألعاب الذكاء، لكن ألا يأتي مـتأخراً حين يتعلق الأمر بالإبداع؟
هناك عدة طرق يمكن أن يستخدم فيها الفنان الآلة؛ يمكن مثلاً استخدام ذراع آلي في الرسم، أو برمجة جهاز كمبيوتر بحيث يتعرف إلى الأنماط والأشكال والألوان، ويعيد إنتاج أو تقليد نمط ما في إنشاء جديد، والروبوتات عموماً قادرة على الرسم، وقد فعلت ذلك حقاً في صناعة السيارات، لكن ماذا عن عمل فني جميل يضاهي ما يقدمه البشر؟
في عام 2016، أعلن منظمو اختبارات تورنغ في الفنون الإبداعية التي تنظمها كلية دارتموث في الولايات المتحدة، عدم وجود فائزين في منافساتهم حول خوارزميات الذكاء الاصطناعي لإنشاء قصص قصيرة تماثل كتابات البشر. ولم تستطع حينها أي من الكتابات أن تخدع الحكّام، واستطاعوا تمييز كل ما كتبته الروبوتات، لم يُخدع سوى واحد من المحكمين، إذ ظن أن أحد أعمال الآلة تعود لبشري.
مع ذلك فقد قال دان روكمور، أحد منظمي المسابقة وأستاذ الرياضيات وعلوم الكمبيوتر وقتها: «يبدو أن خوارزمياتنا غير قادرة على تقليد أنواع الشعر البشري، لكن الشفرة التي قُدمت تبقى مدهشة».
الذكاء الاصطناعي
ولم يمض عام 2016 دون أن يحقق الذكاء الاصطناعي نجاحاً في هذا المجال، فحين أُقيمت مسابقة «ROBOART» التي تُجرى سنوياً لمتابعة ما وصل إليه الذكاء الاصطناعي في هذا الصدد، وبدأت المسابقة لعمل روبوت رسم يُنتج أعمالاً تبدو لفنانين بشريين على أنها تستخدم الريشة وليس الطابعة، بلغت الجائزة 100 ألف دولار أميركي، ومُنح المركز الأول فيها لـ«تايدا» وهي ذراع روبوتية من جامعة تايوان الوطنية، قال المحكّمون إنها ترسم «بطريقة مشابهة جداً لرسّام كلاسيكي».
في العام التالي– وفي مجال آخر- عرضت شركة «إنفيديا» المتخصصة في إنتاج ألعاب الفيديو فيلماً يتناول مستقبل الذكاء الاصطناعي وحدوده، وما استطاع أن يتخطاه من المهام التي يؤديها البشر، وما بقي عليه أن يقتحمه من مجالات.
مقطوعات موسيقية
المثير أن الموسيقى التي صاحبت الفيلم كانت من تأليف آيفا، وهو مجموعة من البرامج تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإنتاج مقطوعات موسيقية جميلة، يتعلّم آيفا من خلال قاعدة بيانات هائلة من المقطوعات الموسيقية المختلفة، ويضمن أحد البرامج فيه أن تكون الموسيقى التي يؤلفها مبكرة وأصيلة. وقد اعتمدته الجمعية الفرنسية للموسيقيين مؤلفًا موسيقياً.
وفي مسابقة «ROBOART» لعام 2018، شارك 19 فريقاً من المحترفين والهواة والطلاب. وسُمح للجمهور بالتصويت، كان هناك أكثر من ألفي تقييم للأعمال، وفي النهاية جرى اختيار 10 فائزين حصلوا على جوائز تزيد قيمتها على 100 ألف دولار أميركي.
تحاكي الفنانين
قدمت الفرق المشاركة تصميمات لأذرع روبوتات تحاكي الفنانين البشريين، وطورت عمليات إدخال معقّدة يمكن من خلالها توجيه الروبوتات والتحكم فيها، واستخدمت أنظمة الذكاء الاصطناعي بحيث تتمكن الروبوتات من تقديم أعمال تتسم بالأصالة والإبداع دون أن تعتمد فيها على مصدر إلهام من أعمال فنية أخرى.
كانت دقة الأعمال المشاركة في المسابقة تقارب مستوى الدقة الذي يميز أعمال البشر، وفاز بالمركز الأول في المسابقة الروبوت «كلود باينتر»، وهو يحفظ شيئًا من كل شيء: خوارزميات التعلّم العميق، وهي إحدى تقنيات الذكاء الاصطناعي، لإعادة إنتاج نماذج من الأعمال الأخرى وتحليلها، إلى جانب ذراع آلية مصمّمة للتعبير عما يبرمجه الحاسب، ولديه أيضاً منصّة يصل إليها الأشخاص حول العالم، ويمكنهم طلب الرسم عن بُعد.
ثلاثية الأبعاد
كما قد يخمن بعض العارفين بالفن - تعود للقرن السابع عشر، وربما يخمّن من لديه معرفة أكثر بالفن أنها للفنان الهولندي رامبرانت، لكن العمل في الحقيقة لا يعود لفنان من البشر أصلًا، إنه أحد الأعمال ثلاثية الأبعاد التي أنتجها روبوت ضمن مشروع «رامبرانت القادم» الذي مُوّل لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في رسم لوحة تبدو وكأن الفنان الهولندي رامبرانت هو من رسمها قبل أربعة قرون.
وبدت هذه اللوحة- في رأي النقّاد- تقليداً مثالياً للنمط الفني لرامبرانت بالفعل، واجتازت دون مشاكل اختبار «تورنغ» المخصص لقياس قدرة الروبوت على التصرف مثل البشر، وإن كان الاختبار قديماً بعض الشيء.
واليوم طوّر أحمد الجمّال وفريقه في مركز الفن والذكاء الاصطناعي بجامعة روتجرز الأميركية نظامًا يعتمد على الذكاء الاصطناعي لإنتاج لوحات فنية، بعد أن درّب الفريق النظام من خلال قاعدة بيانات تضم أكثر من 80 ألفَ عمل فنيٍّ تعود لمدارس فنية متنوعة.
المدارس الفنية
وقد جرى تدريب النظام ليس فقط على إنتاج أعمال تنتمي لإحدى المدارس الفنية، وإنما على ابتكار أساليب فنية جديدة، وقد استطاع النظام أن يخدع النقّاد أحياناً بحيث لم يتبينوا ما إذا كان الرسم بريشة بشري أم روبوت، ووصفوا بعض الأعمال بأنها «أكثر إلهاماً من الأعمال الفنية التي يبدعها البشر».
من ناحية أخرى يوضح بابلو خيرباس أستاذ الذكاء الاصطناعي في جامعة كومبلوتنسي بمدريد أن الآلات قادرة بالفعل على استخدام المنطق، وتخزين كميات كبيرة من المعلومات بطريقة أكثر كفاءة من البشر، ومثلما حدث مع رامبرانت هناك برامج تؤلف الموسيقى، وتكتب المقالات الصحفية وتكتب حتى الروايات والشعر.
وقد طوّر بابلو نفسه برنامجاً قادراً على تخيل جمل تبدو لفيديريكو غارسيا لوركا، غير أنه لم يكتبها في الحقيقة، وهو ما يبدو تطوراً متسارعاً يحققه الذكاء الاصطناعي في هذا المجال.
يقول الروبوت كلود باينتر: «حين بدأت الرسم لم يأخذ أحد إبداعاتي على محمل الجد. لكن مع الاستمرار قال أحد النقاد عن أعمالي الأخيرة إنها لا تبدو من صنع الآلة، وأن هذا يخيفه، اليوم أرى ما وصلنا إليه في المجتمع الفني من تطور إيجابي؛ هناك اعتراف بالنتائج والتطورات التي حققناها في هذا المجال. رغم أنهم مستمرون في القول بأنه فن سيئ، لكنهم أقرّوا بأنه فن على أية حال».
مشروع رامبرانت
يقول باس خورستن أحد المسؤولين في الوكالة الراعية لمشروع رامبرانت القادم: «هناك بالفعل خوارزميات يمكن للروبوتات من خلالها إنتاج موسيقى وشعر ورسم، لكن هذا لا يحدث دون تدخّل بشري»، ويؤكد أن أمام الذكاء الاصطناعي حدودًا لن يتخطاها؛ هي الفن، إذ يؤكد أن الفن شيء إنساني بالأساس، ولا يصبح فنًّا إلا بلمسة البشر.
ويضيف: «لقد أثار مشروعنا النقاش حول ما سيكون عليه مستقبل الإبداع، وهل سيكون إنسانيًّا أم تصنعه الآلة، وهو نقاش سيستمر فترة طويلة»، ويستطرد باس أن الآلة استوعبت حتى الآن ملايين «الجيجابايتس» من أعمال الفن والأدب العظيمة، واستطاعت إنتاج أعمال مماثلة بإضافة لمسة إبداعية طفيفة عليها.
لكنه يتساءل والأمر كذلك: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفكر في أعمال مختلفة مثلما ابتدع بابلو بيكاسو التكعيبية مثلًا؟ ويجيب: «ليس لدينا بيانات تمكننا من معرفة الإجابة، لكننا لا نزال غير قادرين على تعليم الروبوتات أشياء مثل القدرة على التعاطف».
إثارة معركة
ويؤكد منظمو مسابقة «ROBOART» أنها لا تهدف إلى إثارة معركة أو منافسة بين الفن الذي يقدمه البشر، والفن الذي تقدمه الآلة «تمامًا مثلما لم يُبطِل التصوير الفوتوغرافي قيمة اللوحات المرسومة. هناك دائمًا بصمة مميزة للتجربة الإنسانية في الأعمال الفنية».
على أن متأملين آخرين للمستقبل يرون أن المشهد القادم سيكون فيه الإنسان مع الآلة يتشاركان في إنتاج أعمال مبدعة، ولن يكون الإنسان في مواجهة الآلة، وهذا التعاون سيسهم في إخراج أعمال لم يكن للإنسان أن ينتجها وحده.
وربما بدأت بشائر هذا التعاون بالفعل، فالفنان الأميركي بيندر فان أرمان- مصمم الروبوت «كلود باينتر» وعدة روبوتات أخرى يستخدمها في الرسم- يقول إن ما تفعله الروبوتات التي يصمّمها هو أنها تحلل أعماله الفنية وتفهمها، وهي لا تبتكر أفكارًا إبداعية بالفعل، لكنها تصبح قادرة على الكشف عن نقطة النهاية– الحسابية – في إبداعه الفني، ويبدأ بعدها الإبداع البشري في التدخل. وهو يؤكد أن الوصول إلى هذا الحد من خلال الروبوت جعله قادرًا على فهم إبداعه الخاص بوصفه فنانًا.
وفي المقابل، هناك من يرى صعوبة في تصور المستقبل، بالنظر إلى التطور غير المتوقع الذي حققه الذكاء الاصطناعي في مجالات طالما أكد المحللون أنه لن يجتازها، وإذا به يقتحمها في أشهر قليلة.
copy short url   نسخ
11/09/2018
2072