+ A
A -
- براهما تشيلاني
إن عجز الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التفكير بشكل استراتيجي يقوض العلاقات الطويلة المدى ويقلب النظام العالمي رأسا على عقب ويعمل على تسريع انحدار النفوذ العالمي لبلاده وذلك طبقا لأعداد متزايدة من الافراد الذين يتبنون هذا الطرح، ولكن هذا التقييم ليس بالوضوح الذي يدعيه اولئك الذين يؤمنون به وخاصة الخصوم السياسيين والنقاد في وسائل الاعلام الأميركية الرئيسية.
لقد كان الانحدار النسبي لأميركا موضوعا ساخنا قبل تولي ترامب مهام منصبه بوقت طويل حيث بدأت هذه العملية عندما بدأت الولايات المتحدة الأميركية والتي تعزز دورها عندما خرجت من الحرب الباردة على انها القوة العظمى الوحيدة في العالم بتجاوز قدراتها واجهاد نفسها بشكل كبير وذلك من خلال توسيع انتشارها العسكري وتكثيف التزاماتها الاقتصادية والأمنية عالميا.
لقد ظهر تجاوز أميركا الامبريالي لقدراتها لأول مرة إبان إدارة الرئيس رونالد ريغان حيث توسعت تلك الإدارة بشكل مكثف في انفاقها العسكري ولقد وصل ذلك لمستويات الأزمة في فترة الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية للعراق سنة 2003 واحتلالها اللاحق لذلك البلد إبان حكم جورج بوش الابن حيث كانت تلك لحظة فارقة تسببت في ضرر لا يمكن اصلاحه للمكانة الدولية لأميركا.
أما خلال فترة حكم الرئيس باراك اوباما وتحت انظاره، فلقد تمكنت الصين من توسيع نفوذها العالمي بشكل سريع وبما في ذلك استخدام القوة في تغيير الوضع القائم في بحر الصين الجنوبي (بدون تكبد اية تكاليف دولية) وعند تلك اللحظة، فلقد أصبح الأمر جليا حيث انتهت حقبة الهيمنة الأميركية.
إن هذا يعني اننا لا يمكن أن نلوم ترامب على الانحدار النسبي لأميركا فحسب، بل في واقع الامر فإنه أيضا في وضع يؤهله لوقف ذلك الانحدار، وعلى الرغم من صعوبة توقع تصرفات ترامب فإن العديد من تحركاته الرئيسية في مجال السياسة الخارجية توحي بأن إدارته تسعى لتحقيق استراتيجية عظيمة وشاملة من أجل إعادة إحياء القوة العالمية لأميركا. بادئ ذي بدء فإنه يبدو أن إدارة ترامب حريصة على الحد من تجاوز أميركا الامبريالي لقدراتها بما في ذلك تجنب التدخل في الحروب البعيدة والطلب من الحلفاء دفع حصتهم العادلة فيما يتعلق بالدفاع وفي واقع الامر فإن العديد من اعضاء الناتو لا يعملون على الوفاء بالتزاماتهم المتعلقة بالإنفاق مما يجعل دافعي الضرائب الأميركان يتحملون عمليا تكاليف دعم امن هؤلاء الحلفاء.
إن هذه الأفكار ليست بجديدة فحتى قبل أن يقرر ترامب أن يترشح للرئاسة، كان النقاد يجادلون بأن الولايات المتحدة الأميركية بحاجة لتطبيق سياسة تخفيض النفقات وذلك بالتقليل من التزاماتها الدولية بشكل كبير ونقل المزيد من أعبائها الدفاعية للحلفاء ولكن كان على الولايات المتحدة أن تنتظر زعيما مثل ترامب والذي ينظر إلى إدارة البلد مثل إدارة شركة تجارية ولديه الرغبة في السير على هذا الطريق وحتى لو تطلب ذلك تقويض القيم التي عكست لفترة طويلة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية.
إن تركيز ترامب على احتواء الصين- والتي وصفها مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي مؤخرا على انها تحدٍّ أكبر من روسيا وحتى في مجال التجسس- يتناغم تماما مع تلك الاستراتيجية. لقد ساعد الرؤساء الأميركان المتعاقبون من ريتشارد نيكسون وصولا لأوباما الصين في صعودها الاقتصادي. لكن ترامب يتعامل مع الصين ليس كشريك اقتصادي لأميركا ولكن كعدو اقتصادي وحتى كما أشارت لسان حال السلطات الصينية صحيفة تشاينا دايلي «الخصم الاستراتيجي الرئيسي لأميركا».
بشكل عام فإن الرسوم الجمركية لترامب تستهدف استعادة سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على العلاقات الاقتصادية ذلك من خلال الحد من العجز التجاري المتزايد مع كلا من الاصدقاء والاعداء على حد سواء وتوطين الأنشطة الاقتصادية مجددا وما يصاحب ذلك من وظائف ولكن لم يعد سرا القول إن الرسوم الجمركية تستهدف الصين وهي بلد تعمل منذ فترة طويلة على تحدي احكام التجارة الدولية والانخراط في ممارسات عدائية. في الوقت نفسه يعمل ترامب على التحقق من فشل الصين في اللحاق بركب الولايات المتحدة تقنيا وعلى وجه الخصوص تسعى إدارته إلى احباط برنامج «صنع في الصين 2025» وهو برنامج العمل الذي اعلنته الحكومة الصينية سنة 2015 من اجل تأمين هيمنتها العالمية على عشر صناعات استراتيجية وذات تقنية عالية وذلك من الروبوتات وصولا إلى المركبات التي تعتمد على الطاقة البديلة.
يبدو أن النشاطات الدبلوماسية لترامب تستهدف إحراز تقدم فيما يتعلق بهده الرؤية الاستراتيجية الأكبر لوقف الانحدار النسبي لأميركا علما انه حاول استرضاء القادة السلطويين وذلك من كيم يونغ اون في كوريا الشمالية وصولا إلى فلاديمير بوتين في روسيا وذلك من أجل تقديم تنازلات وهي مقاربة حظيت بقدر كاف من الانتقادات، ولكن مجاملات ترامب لم تترجم إلى تملق.
(يتبع)
copy short url   نسخ
14/08/2018
1959