+ A
A -
أردنيّاً، كان الوضع ألطف كثيراً من دول أخرى، ونجح العقد الاجتماعي القديم في إحداث تطورات مهمة خلال العقود الماضية على صعد الاقتصاد والخدمات والبنية التحتية والقطاع العام والاستقرار السياسي والاجتماعي، فبدت الأردن كأنّها دولة متطوّرة، مقارنة بما حولها من دول، حتى من تلك النفطية، ووصلت إلى إنتاج طبقة من المتعلمين والفنيين متميزة عربياً، لكن كل هذه المعطيات والإنجازات بدأت بالتراجع، مع حدوث تغيرات وتحولات هائلة عربياً وعالمياً ومحلياً، أنهت قدرة العقد الاجتماعي القديم على تحقيق الإنجازات، بل صار ضارّاً بالدولة والمجتمع على السواء!
تجنب الأردن، في الأعوام الماضية، الانزلاقات التي حدثت في الدول العربية الأخرى، ونجح النظام في العبور الآمن إلى مرحلة خطيرة من تاريخ المنطقة، لكنّ ذلك لم يكن يعني أنّ الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، وكاد الربيع العربي يحدث أردنياً بصيغةٍ غير مسبوقة، لم تحدث في ذروة الربيع العربي 2011-2012، عندما حدثت احتجاجات كبيرة في نهاية مايو العام الحالي، بعد إضراب تاريخي للنقابات المهنية، وانتهى الأمر إلى أن أقال الملك الحكومة، وتحدّث بإيجابية عن الأحداث، وأتى بالرزاز، المعروف بتوجهاته الديمقراطية والإصلاحية.
في المحصلة، هنالك من يريد التمسّك بالوضع القائم وبالعقد الاجتماعي القديم، واختزال الإصلاحات المطلوبة في مجالاتٍ جزئية ومحدودة، من دون الحديث عن إيجاد «نظرية جديدة» للدولة، لكن مشكلة هذا التيار (أنصار العقد الاجتماعي القديم) في العالم العربي عموماً أنّ ما يدعون إليه رأيناه عياناً في ديناميكيات الثورة المضادة، بمعنى العودة إلى الدكتاتورية وترميمها، وشيطنة الربيع العربي، وما هي النتيجة بدلاً من الديمقراطية والتقدم إلى الأمام إلى خطوات واسعة نحو الخلف: أنظمة فاشية أو حروب داخلية وأهلية، أو أزمات عميقة تطحن الشباب العربي في أتون البطالة والفقر والحرمان.
كنتُ أودّ لو أنّ هنالك قراءة عربية واسعة النطاق، متأنية متأملة، تحدث للتقرير المهم والمطوّل، لمجلة نيويورك تايمز عن الأوضاع العربية منذ حرب العراق 2003، ثم الربيع العربي، وصولاً إلى صعود «داعش»، بعنوان FRACTURED LANDS: HOW THE ARAB WORLD CAME APART (الأرض المنكسرة)، للصحفي الأميركي الاستقصائي سكوت أندرسون، وهو أطول تقرير تقدّمه المجلة، واعتبره رئيس التحرير استثنائياً في تاريخ المجلة، بعد عمل على إنتاجه استمر 18 شهراً، يروي، وفقاً لرئيس التحرير، ما الذي حدث خطأ في العالم العربي خلال 15 عاماً، وكيف انقلبت الأمور رأساً على عقب.
لماذا أود أن يقرأوا التقرير؟ لأنّه يعطينا صورة مهمة ومعمقة عن حجم الكارثة، ربما لا نراها بصورتها الكلية، ويضعها أمامنا من خلال قصص لستة أشخاص في دول عربية، حدثت الزلازل السياسية فيها. وفي الخلاصة، سنتأكد من أنّنا بحاجة إلى أكثر من عقد اجتماعي جديد، إلى انتفاضة عقلية ونفسية، لنعرف أننا أصبحنا في قلب الكارثة.
copy short url   نسخ
28/07/2018
197