+ A
A -
ففي حين استمرت مليشيات الحوثي بانتهاك مؤسسات الدولة في مناطقها وتحويلها إلى دويلةٍ طائفيةٍ بامتياز، فإن الشرعية اليمنية فرّطت بمؤسسات الدولة في المناطق المحرّرة لمصلحة حلفائها المقاتلين تحت مظلتها، ما جعل الدولة في مناطق الشرعية دويلاتٍ متعددة، يتقاسم مواردها بعض الأحزاب والفصائل المسلحة الأخرى، كما جعلت الشرعية من الوظيفة العامة، تماماً كمليشيات الحوثي، وسيلة لضمان ولاءات أنصارها وخصومها، إضافة إلى تواطئها حيال سيطرة الفصائل المسلحة على مؤسسات الدولة، وفرض سلطتها أمراً واقعاً، وهو ما جرأ فصائل المقاومة الجنوبية في الجنوب، وفي المناطق الأخرى، على اعتبار نفسها ممثلا للدولة اليمنية. خطأ إدارة السلطة الشرعية علاقتها بالأحزاب السياسية المنضوية في إطار تحالفها، وكذلك فصائل المقاومة، الشمالية منها والجنوبية، أسهم في تجريف الدولة اليمنية وتضعضعها. وأعاق، بالتالي، تثبيت سلطة الشرعية في نهاية الأمر، وهو ما جعل السلطة الشرعية تدرك مخاطر ذلك. ولذلك، حرصت على تنفيذ حملات أمنية مستمرة ضد حلفائها الحاليين والسابقين من الفصائل المسلحة، في محاولةٍ أخيرةٍ لاستعادة الدولة اليمنية، إلا أن السلطة الشرعية اكتفت بالصمت حيال بسط بعض القوى الجنوبية على مؤسسات الدولة، كما تجاهلت تفرّد حزب الإصلاح بمؤسسات الدولة في مدينة مأرب، وسيطرته على معظم الموارد، في حين حصرت معارك استعادة الدولة في مدينة تعز.
شكلت مدينة تعز، بصراعات أحزابها وفصائلها المسلحة على مؤسسات الدولة، تجلياً للمسارات التي مضت فيها الحرب في اليمن، إذ تشهد، يومياً، معارك بين الفصائل والأحزاب للسيطرة على المؤسسات. ومن هنا، حرصت السلطة المحلية، ممثلةً بالمحافظ الجديد، الدكتور أمين
محمود، على تعزيز سيطرتها على المؤسسات، عبر تدشين حملات أمنية لملاحقة الخارجين عن القانون، لكن الملاحظ، في معظم هذه الحملات، أن الفئة المستهدفة من هذه الحملات قوى منضوية تحت إطار المقاومة، راكمت قوتها العسكرية من تواطؤ السلطات المتعاقبة في حكم المدينة. ومن اللافت أيضاً أن هذه الفئة تحولت الآن إلى عناصر إرهابية خارجة عن القانون، على الرغم من صمت الأحزاب والقوى الأخرى عن جرائمها طوال الحرب، وهو ما جعل هذه الحملات لا تحقق أي نتائج إيجابية، سواء في استعادة بعض المؤسسات من الفصائل المسيطرة عليها، أو بحدّها من جموح الفصائل المسلحة وعدوانيتها حيال مؤسسات الدولة والمواطنين، إذ أصبحت هذه الحملات جزءاً من فشل الشرعية والسلطة المحلية، وتحولت مشكلة أخرى، وسبباً في استمرار دورات العنف وتناميها في مدينة تعز. يعود السبب الرئيس في طبيعة هذه الحملات وتشكيلاتها وأهدافها، وأيضاً طريقة معالجتها المشكلات الأمنية في المدينة، إضافة إلى تحيّزاتها السياسية، أنه قد غلب على جميع هذه التشكيلات انتماءات قيادتها أحزاباً سياسية معينة، الأمر الذي جعلها تفقد مضامينها الوطنية الجامعة لليمنيين، علاوة عن توظيفها من بعض الأحزاب للبطش بخصومها من الفصائل المسلحة تحت غطاء حماية مؤسسات الدولة، في مقابل صمتها عن فصائل موالية لها، ما جعل هذه الحملات تفقد أهميتها وتخرج عن سياق أهدافها. ستظلّ استعادة الدولة اليمنية حلماً غير واقعي، ومجرّد رطانةٍ لا أكثر، فمن الاستحالة في ظروف الحرب غير الطبيعية التي تشهدها اليمن تثبيت وأحدية سلطة الدولة اليمنية. ولذا سيظل الصراع على مؤسسات الدولة، واستعادتها، موجهاً لمختلف أشكال العنف التي تندلع بين وقت وآخر في المناطق المحرّرة، أو في مرحلة ما بعد الحرب. وبالتالي، لم تكن صراعات الفصائل المسلحة والأحزاب السياسية في المناطق المحرّرة على مؤسسات الدولة سوى جولاتٍ إضافية لاستباحة الدولة التي تعرّضت للتجريف طوال تاريخها.
copy short url   نسخ
28/07/2018
230