+ A
A -
لم يكن رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، وهو الوزير السابق في حكومة سلفه، الحبيب الصيد، يعتقد أنّ أوراق اللعبة السياسية ستضعه في واجهة الأحداث بعد مراهنة رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، عليه، واقتراحه رئيساً للحكومة، وقد مضى الرجل منذ نيله ثقة البرلمان في شهر أغسطس من سنة 2016 قدماً في مزاولة صلاحياته الواسعة التي منحه إياها الدستور، وكان ذلك تحت مظلة الرئيس والأب المؤسس لحركة نداء تونس.
بعد أقلّ من سنتين من توليه منصبه رئيساً للحكومة، كادت وثيقة قرطاج 2، تطيح الشاهد، لولا تمسّك حركة النهضة به؛ حيث اشترطت إحداث تحوير جزئي في حكومته، بدلاً عن تغييرها جذرياً، وهو ما أدخل البلاد في اختلافات حادة بين الطرفين الرئيسيين للائتلاف الماسك بزمام السلطة: (نداء تونس والنهضة)، ما ينذر بانتهاء مرحلة «التوافق»، في إدارة الشأن العام التي تعرفها تونس في فترة ما بعد الثورة.
تخدم أزمة الحكم التي تعيشها البلاد بسبب الشروخ الكثيرة في جسم حزب نداء تونس، والتجاذب السياسي حول العمل الحكومي، بطريقة مباشرة حركة النهضة التي نجحت في افتكاك رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، من حزبه، وتوفير غطاء سياسي له، على الرغم من المطالبات المتعدّدة برحيله.
على الرغم من تراجع مخزونها الانتخابي، مقارنة بالاستحقاق التشريعي التأسيسي سنة 2011، تمضي حركة النهضة بثبات نحو الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع إجراؤها سنة 2019، مستفيدة من تجربة الحكم بعد الثورة، وفراغ الساحة السياسية من حزب منافس قادر على افتكاك المقود منها، بعد نجاحها في فرملة مسار وثيقة قرطاج، المبادرة السياسية للرئيس الباجي قايد السبسي.
وبتمسكها ببقاء الشاهد رئيساً للحكومة، تسحب حركة النهضة البساط من رئيس الجمهورية وحزبه، نداء تونس، قبل أشهر من الاستحقاقين، التشريعي والرئاسي، وتكون بذلك قد ضربت عدّة عصافير بحجر واحد، وحوّلت رئيس الحكومة من ورقة سياسية لحزب نداء تونس إلى ورقة لصالحها، لتقلب الطاولة رأساً على عقب.
يدرك الأب المؤسس لحزب نداء تونس ورئيس الجمهورية خطورة تبعات اختراق حركة النهضة حزبه، بعد نجاحها أخيراً في إحداث شرخ في كتلته البرلمانية، ويسارع إلى لملمة شتات الحزب في محاولة لإرجاع عدد من قياداته السابقة التي غادرته، بسبب رفضها التوافق مع النهضة.
اجتماع السبسي الأب مؤخراً مع الكتلة البرلمانية لحزب نداء تونس يندرج في إطار تحصين الحزب وقطع الطريق على «النهضة» التي تضع نصب عينيها قصور السلطة الثلاث: باردو والقصبة وقرطاج، والتموقع على رأس الحقائب السيادية (الداخلية والخارجية والعدل والمالية...) منتشية بنتائج الانتخابات المحلية الأخيرة.
استطاعت حركة النهضة، خلال الفترة التأسيسية التي تلت سنة 2011، ابتلاع أحزاب بأكملها على غرار حزب رئيس الجمهورية السابق، المنصف المرزوقي، ونعني حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب رئيس المجلس التأسيسي، مصطفى بن جعفر، التكتل من أجل العمل والحريات، في إطار تكتيك قائم على التحالف الظرفي، وعدم الظهور في واجهة الحكم.
لا أثر يذكر اليوم للحزبين الحليفين السابقين لحركة النهضة في إطار التجربة الائتلافية التي سميت آنذاك الترويكا، ولا شك أنّ «نداء تونس» مهدّد بالمصير نفسه في صورة عدم نجاح مؤسسه في ترميمه.
copy short url   نسخ
28/07/2018
281