+ A
A -
كتب- أبو بكر محمد
جاء مشهد تسلُّم قطر شارة مونديال 2022 ليتوج المجهودات التي تم بذلها على مدار السنوات الثماني الماضية من مشروعات عملاقة في البنية التحتية وقطاع الخدمات اللوجيستية، فمنذ إعلان فوزها بتنظيم كأس العالم في ديسمبر 2010، بدأت قطر على الفور في تنفيذ خطتها التي تم وضعها للاستعداد للمونديال عبر تهيئة كافة الأنشطة استعدادا لذلك الحدث الضخم. وحققت قطر نجاحات كبيرة شهد لها العالم أجمع في مختلف الأنشطة الاقتصادية، ولم تتوقف عجلة البناء والتنمية يوما واحدا رغم التحديات التي شهدتها المنطقة من ناحية وهبوط أسعار النفط من ناحية أخرى، ومن ثم الحصار الجائر الذي فُرض على قطر وشعبها والذي اقترب من شهره الرابع عشر، وأثبتت الأرقام والمعدلات التي تم تحقيقها أن تنفيذ المشروعات في قطر يسير بخطى ثابتة، وأصبح بمثابة قصة نجاح يُحتذى بها.
وحلت قطر خلال العام الماضي في المرتبة الثانية عالميا بين الدول الأكثر جذباً للاستثمار في مشاريع البنية التحتية وفقاً للتقرير الذي أصدرته مؤسسة «أركاديس للاستشارات»، مشيرا إلى أن مشروعات كأس العالم، التي تستضيفها قطر عام 2022 أعطت دفعة قوية للاقتصاد الوطني ولفرص نموه.
وخلال الاستعراض الوطني الطوعي الثاني لدولة قطر أمام المنتدى السياسي الرفيع المستوى بشأن التنمية المستدامة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، أكد سعادة الدكتور صالح بن محمد النابت وزير التخطيط التنموي والإحصاء أن قطر أنجزت الجزء الأكبر من مشروعات البنية التحتية المتعلقة باستضافة كأس العالم لعام 2022، واستعدادها لجعل هذه المناسبة تظاهرة عالمية ثقافية ورياضية تتفاعل فيها الحضارات الإنسانية المحبة للسلام.
وأشار إلى أن اقتصاد دولة قطر قوي ومتماسك وقادر على تجاوز تحديات الحصار الذي تتعرض له، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي للدولة في عام 2017 نحو 1.6 %.
وأضاف أن معدل المشاركة في قوة العمل لمن هم في الفئة العمرية 15 سنة فأعلى بلغ نسبة 84.6 %، في حين انخفض معدل البطالة بين الشباب إلى 0.8 % عام 2017، مشيرا إلى تبوّؤ دولة قطر المرتبة الرابعة عشرة على مؤشر التنافسية العالمي الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية لعام 2018.
وأعلنت هيئة الأشغال العامة «أشغال» أن الأعمال الإنشائية والبناء في ملاعب كأس العالم لكرة القدم تسير بدون توقف وسيبدأ تسليم أول ملعب اعتباراً من النصف الأول من العام المقبل ومن ثم يتوالى تسليم بقية الملاعب قبل بداية البطولة بعام .
وتقوم «أشغال» بإدارة وتنفيذ مشاريع تبلغ قيمتها أكثر من 100 مليار ريال، معتمدة على أفضل الممارسات في مجال تطوير وإدارة البنية التحتية، كما تعمل الهيئة حالياً بجانب تشييد ملاعب مونديال قطر 2022 على مجموعة واسعة من برامج البنية التحتية في جميع أنحاء الدولة وتتضمن هذه البرامج الطرق السريعة والطرق المحلية ومشاريع تحديث وإنشاء شبكات ومحطات الصرف الصحي والتي سوف تطور وتوسع البنية التحتية للصرف الصحي لاستيعاب النمو السكاني المتوقع في البلاد. هذا بالإضافة لعملها على إنشاء العديد من مشاريع المباني العامة والتي تشمل الرعاية الصحية والتعليمية وغيرها بالتنسيق مع الوزارات والهيئات العامة ذات الصلة.
وأكد الخبير الاقتصادي متعب راشد الصعاق أن التحديات التي حاصرت المنطقة من اضطرابات سياسية ومن ثم انخفاض أسعار النفط وأخيرا فرض الحصار على قطر لم تحد من حجم الإنفاق الضخم، البالغ 200 مليار دولار، والمخصص لبناء الملاعب والموانئ والمطارات وشبكة جديدة للسكك الحديدية والفنادق والطرق، قبل استضافة فعاليات أكبر بطولة عالمية لكرة القدم، الأمر الذي يؤكد متانة الاقتصاد القطري وقدرته على مواجهة أي أزمات.
وأضاف أن قطر ليست المستفيد الوحيد من المونديال بل إن المنطقة كلها سيعود عليها النفع الكثير جراء هذا الحدث الذي يُنظم للمرة الأولى في الشرق الأوسط، مما سيزيد من جذب تلك المنطقة سياحيا واستثماريا، لافتا إلى أن هذه البطولة ستكون بمثابة مهرجان كبير يحتاج إلى استعدادات لاستقبال عشرات الآلاف من المشجعين واللاعبين والمسؤولين القادمين للمشاركة في فعاليات البطولة.
وأشار إلى أن استعدادات المونديال مثلت حافزا للإنجاز والانتهاء من عدة مشاريع حيوية بقطاع النقل في ميعادها المحدد، بما في ذلك آلاف الكيلومترات من الطرق وتحسينات الطرق السريعة والتشييد، ومطار حمد الجديد، وبرنامج سكة حديد جديد مكون من 3 أجزاء، كما ساهمت التطورات الكبيرة التي يشهدها قطاع النقل القطري في تحقيق قطاع التشييد المحلي معدلات نمو كبيرة، وذلك بعد التوسع السريع والعقود الجديدة في القطاع التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات والتي تم توقيعها خلال السنوات الأخيرة.
ولعبت الموازنة القطرية دورا كبيرا في تعزيز العمل على مشروعات البنية التحتية حيث ركّزت الموازنة على استكمال المشاريع الكبرى، وتلك المرتبطة بتنظيم كأس العالم لكرة القدم (مونديال 2022)، بالإضافة لدعم مشاريع الأمن الغذائي والصناعات المحلية، مع استمرار دعم المشاريع التي تعزز مصادر الدخل غير النفطية.
وتتوقع وزارة المالية أن يبلغ الإنفاق على المشاريع 93 مليار ريال (نحو 25.55 مليار دولار)، سيتم تخصيص 3 مليارات دولار منها لمشروعات كأس العالم 2022، لتستأثر تلك المشاريع بأكبر حصة من إجمالي النفقات بنسبة 45.8 %. واستحوذت مشاريع المواصلات والبنية التحتية على أكبر حصة في الموازنة؛ حيث حازت على مخصصات قيمتها 42 مليار ريال (11.54 مليار دولار)، وهو ما يمثل نسبة 21 % من القيمة الإجمالية للنفقات، وفق بيانات وزارة المالية.
المحلل الاقتصادي الدكتور محمد فوزي قال إن الحكومة القطرية ركزت على مدار السنوات الأخيرة على تحفيز القطاع الخاص للوصول إلى الأهداف المنشودة لتحقيق الثقة الدولية في الاقتصاد الوطني، حيث تسعى لاستثمار 45 مليار دولار في تطوير مشاريع جديدة في إطار الإستراتيجية الوطنية لقطاع السياحة 2030 منها 2.3 مليار دولار لتطوير المرافق الرياضية ومشاريع البنية التحتية والنقل المخصصة لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022. وأضاف فوزي أن التوجه بقوة نحو مشروعات البنية التحتية جاء مدعوما بالإصرار القطري على تنويع مصادر الدخل والخروج من العباءة النفطية، وظهر ذلك جليا من خلال التحركات والإجراءات التي قامت بها قطر خلال الأشهر الأخيرة لفتح المجال أمام كبرى الشركات العالمية للدخول إلى هذا السوق العملاق والاستفادة من الانطلاقة التي يشهدها قطاع التشييد والبناء والمشاركة في الأعمال الإنشائية التي تجري على قدم وساق استعدادا للمونديال.
وأكد تحليل مؤشر أجيليتي العالمي للأسواق الناشئة لعام 2018، والمختص بدراسة حالة قطاع الخدمات اللوجيستية حول العالم، أن الاقتصاد القطري سينمو بقوة هذا العام، ولا سيما في القطاع اللوجيستي، الذي حققت فيه قطر تفوقاً في النقل البحري والجوي على حد سواء.
ولفت إلى أن قطر استثمرت بشكل كبير في مراكز الخدمات اللوجستية، والمناطق الاقتصادية الخاصة، والبنية التحتية للموانئ وشبكات الطرق في عام 2017، مما تسبب في فشل محاولات السعودية والإمارات في حصارها اقتصادياً ودبلوماسياً، حتى استطاعت قطر أن تحتل المركز الـ11 بين أفضل 50 دولة عالمية في هذا القطاع، والثانية خليجياً، إلا أنها الأسرع فيما يخص التقدم الذي أحرزته هذا العام مقارنة بالعام الماضي على المؤشر، وبالدول الخليجية الأخرى.
copy short url   نسخ
22/07/2018
2314