+ A
A -
وجدي الأهدل

المقولة الشهيرة «أعطني خبزاً ومسرحاً أعطيك شعباً عظيما» تحققت بصورة معكوسة في بلاد العرب!
صفقت الأنظمة العربية بحماس للمسرحيات الهزلية ذات المضمون المتهافت خلال الحقبة الماضية، ورأت فيها أداة مساعدة على تخدير مشاعر الناس وتسطيح وعيهم، وإلهائهم عن المطالبة بحقوقهم القانونية المشروعة كبقية الأمم ذات الضمائر الحية.
والشاهد أن الحكومات العربية – كما تعودنا منها دائما- قد حولت المسرح من أداة تنوير للجماهير إلى أداة تخلق وعياً زائفاً.. وبذا نجحت الحكومات العربية التي تفوقت على الشيطان نفسه في الكيد لمواطنيها في قلب المقولة الشهيرة لتمسي على النحو التالي: «أعطني خبزاً مغمساً بالذل ومسرحاً يضحكني مستغفلاً عقلي أعطيك شعباً خانعاً يرضى بأيّ شيء».
لقد ساهمت أجهزة الرقابة السياسية العربية القمعية في حدوث هذه المصيبة، فهي التي أزاحت المسرحيات الجادة وحاربتها بكل الوسائل الظاهرة والخفية حتى توارت إلى الظل فنُسيتْ، وفتحتْ المجال واسعاً أمام المسرحيات الكوميدية المبتذلة لتغزو كل بيت عربي عبر بثها تليفزيونياً، وتنجيم ممثليها ليصبحوا قدوة للشاب العربي، وليس يخفى أن بعضاً من هذه المسرحيات قد تركت أثراً ضاراً للغاية على الشباب والناشئة. ولعل الحصاد العلمي والثقافي الهزيل للعرب في مطلع قرننا هذا يؤكد وقوع الضرر الذي أسلفنا في الحديث عنه، وأن المسرح الهابط الذي روجت له الأنظمة العربية قد حقق أهدافه كلها، فحصلنا على المواطن العربي النموذجي: دابة تبحث عن المأكل والمشرب والمتعة، ولتذهب القضايا الحقيقية إلى الجحيم!
أيّ عربي إذا سألته عن عادل إمام فسوف يجيبك بفصاحة إنه ممثل شهير، ولكن لو سألت الناس أجمعين عن سعد الله ونوس مثلاً فلن يعرفه أحد، باستثناء حفنة من المثقفين.
لا جدال أن عادل إمام هو موهبة كبيرة في التمثيل، ولكنه لا يقارن مثلاً من ناحية القيمة الفنية بسعد الله ونوس وتوفيق الحكيم ومحمد الماغوط، فهؤلاء الثلاثة قدموا أعمالاً عبقرية ذات قيمة فنية عليا، وتأثيرها الجمالي والروحي إيجابي على ضمير الإنسان وأخلاقه، وهي تُحسَّنُ فعلاً من شخصية الإنسان، فترفعه من الضعة إلى العظمة الروحية، كسائر الأعمال الفنية والأدبية الرفيعة المستوى ذات الطابع الإنساني.
الوضع الطبيعي نعثر عليه لدى الشعوب العظيمة حقاً، ففي بلد مثل بريطانيا نجد أن الكبار والصغار يعرفون شكسبير، ويعرفون أن المسرح مكان محترم ومقدس تُقدم فيه أعمال مسرحية جادة لها هيبتها وعظمتها، وليس مكاناً للضحك المبتذل وإلقاء النكات.
يمكن لممثل كوميدي بريطاني أن يحقق شهرة كبيرة في بريطانيا، ولكنه أبداً لن يحصل على قيمة معنوية مساوية لشكسبير.
ليست مبالغة إذا قلنا إن المسرح يُشَكِّلُ هوية الأمم. وهذه مسألة خطيرة للغاية، لأن المسرح الكوميدي المبتذل الذي سمحت الأنظمة العربية بانتشاره هو الذي شكَّل الهوية العربية الراهنة..
لا يمكن المقارنة بين ثقافة المجتمع البريطاني التي تأسست على مسرحيات شكسبير، وبين ثقافة المجتمعات العربية التي تأسست على مسرحيات كوميدية هزيلة في محتواها الفني والأخلاقي.
على عقلاء الأمة أن يتداركوا هذا الأمر ويفعلوا شيئاً لكي يتصدر المسرح الجاد المشهد في المجتمعات العربية، ما لم فإن الصيغة الأساسية للشخصية العربية ستظل مرتبطة بالتفاهة والسطحية والاستهتار بالعقل والإسفاف في التعبير.
copy short url   نسخ
17/07/2018
2292