+ A
A -
تعبير لا أراه سوى نافذة لدخول القطيعة والصراع والصراخ إلى غرف المعيشة في البيوت الواقفة على قارعة الزمن، فحين يبدأ الخلاف يبدأ كل ما يؤذي الروح ويتخطى المسموح في علاقات البشر، أنت تخالفني..؟.. إذن أنت عدوي ونقيضي وخصمي، فهم قاصر لمعنى الاختلاف وعمق مدلولاته، فنحن أصلاً مختلفون رغم تشابهنا في الحصول على مبررات الحياة، كالجسد وأعضائه والدم وفصائله والخلايا وكروموسوماتها والجينات وأسرارها، التسمية ذاتها تطلق على كل منا، شخص، إنسان، فرد، فلان.. إلى آخر القائمة التي تصنفنا بشراً من بين ممالك المخلوقات، كذلك نتشابه في مسميات أعضائنا، فكل منا له وجه وأصابع ورأس ورقبة وعينان وعقل وقلب وكبد، لكننا رغم ذلك نختلف في الإحساس والأفكار والآراء ودرجات الذكاء وأنواع الأمراض والأصدقاء والأحلام، ما يحدث هو أننا رغم قناعتنا ومعرفتنا باختلافاتنا، ورغم حرص كل منا على تأكيد اختلافه عن غيره وتباهيه بذلك، إلا أننا نقاتل بشراسة من لا يتماشى مع اختلافنا، والآخر كذلك يقاتلنا بالشراسة ذاتها حين لا نتماشى مع اختلافه عنا، وهو أمر يحدث بين أفراد الأسرة وبين أفراد المجتمع وبين المجتمعات والدول والشعوب، نتكلم عن الاختلاف دون أن نقبله أو نتقبله، نعتز به لدينا ونحقره لدى غيرنا، في حين لو جلسنا في حديقة المنزل لحظات من الزمن ونظرنا حولنا، سنجد كل المخلوقات تجسد لنا مفهوم الاختلاف وحقيقته وكيف يكون، سنرى أن النعناع يميل بأوراقه مع الريح، وكأنه يلقي التحية على شجرة الورد الواقفة بالقرب منه، باختلاف شكلها وأوراقها وحجمها، وهما شجرة الورد والنعناع يتجاوران مع العشب البري المتكئ على السياج، ويختلفان شكلاً عنه، لكن جميع أعضاء مملكة النبات تخضع لما يخضع له غيرها من شروط الحياة، الحاجة للماء والتراب ونور الشمس والتمثيل الضوئي ومرور المواسم، هذا هو الاختلاف الذي تجسده النباتات وتفسره للبشر الذين انهمكوا في القتال ضد اختلاف بعضهم عن البعض الآخر في الرأي فقط مع كل تشابههم في الحصول على مقومات الحياة من أجساد وأنوف ووجوه وسيقان ورؤوس، وإلا ما سبب كل تلك الحروب وحفلات القتل الجماعي ومواسم التهجير والتطهير بسبب العِرق أو الدين أو الرأي؟!

لماذا لا نتوقف عن النظر إلى الاختلاف وكأنه جريمة، فمثلما تختلف نشأتي عن نشأتك، وأهلي عن أهلك، ووجهي عن وجهك، ووعيي عن وعيك، وأحلامي عن أحلامك، وقدراتي عن قدراتك، إذن وبرؤية هندسية تعلمناها في المرحلة الإعدادية عن الزوايا، من المؤكد تبعاً لذلك ونتيجة له، أن يختلف رأيي عن رأيك، فلماذا توافق على كل اختلافاتنا وتقف سداً منيعاً أمام اختلافنا في الرأي؟!

نختلف في نظرتنا لكل شيء، لماذا لا نحترم هذا الاختلاف ونقر بوجوده، نختلف في نظرتنا للحب والحياة والإنفاق وقضاء الإجازات وأنواع المأكولات والهوايات والطموحات وكل شيء، فلماذا لا نعترف بشيء موجود وهو الاختلاف، ونطالب بشيء مفقود وهو التوافق التام، لماذا يعجبنا التمثيل والتظاهر بالتوافق والانسجام، وهو عين الكذب والتضليل وأساس الخديعة، ولا يعجبنا الصدق في وجود الاختلاف بيننا وهو الحقيقة التي لا يمكن إنكارها؟، لماذا تريد مني أن أكون نسخة منك في أمور معينة، أفكر مثلك، وأحب مثلك، وأمشي مثلك، وأعجب بأصدقائك مثلك، دون أن تُبدي أي اهتمام بأصدقائي؟!، لماذا كل هذا الطمس والإلغاء لوجودي بكل اختلافاته عن وجودك، والإصرار على أن يحكم وجودنا معاً ذلك التماهي الذي يمحوني ويبقيك، ينفيني ويؤكدك، مع أن الألوان حين يمتزج اثنان منهما، يخرج لنا لون ثالث لا يتشابه مع لونيه الأساسيين، أنظر إلى قوس قزح يا صديقي، ستجد الماء والشمس يصوران جَمال اختلافنا وضرورته، أنظر إلى أغلفة الكتب وتباين العناوين وهندسة المباني لتعرف كم أن الاختلاف جَمال ومُتعة واحتياج وعودة إلى حقيقة هذا الوجود الذي يفسر بعض معانيه.. الاختلاف.
copy short url   نسخ
12/07/2018
1810