+ A
A -
كتب- محمد حربي


كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية عشرة و51 دقيقة، بعد منتصف الليل بتوقيت الصين- حيث فرق توقيت خمس ساعات عن قطر-، حينما هبطت طائرة الخطوط الجوية القطرية على أرض مطار بكين، قادمة من مطار حمد الدولي، كان الطقس في العاصمة الصينية ربيعيا، ومعتدلا، لم نستغرق وقتا طويلا، في إجراءات الدخول.
حيث كل شيء يسير وفقا للتقنيات الحديثة في عملية التسجيل وإدخال البيانات، ولا مانع أن تجد أحد عناصر الأمن الصيني بالمطار، يسارع إليك، وأنت أمام الأجهزة الإلكترونية ليعاونك في كيفية استخدامها، وبعدها تعبر بوابات الجوازات، لتستقل قطارا داخليا إلى صالة استلام حقائب السفر، وأنت في الطريق، تسمع ألسنة الأمم، ولغات شتى، ومن بينها عرب، جاؤوا إلى الصين، إما للتجارة، أو العلاج، أو السياحة.
وبعد أن استقر بنا الحال في العاصمة الصينية تحددت أول زياراتنا لجامعة بكين، حيث كانت هذه الجامعة العريقة تحتفل في هذا اليوم بذكرى مرور مائة وعشرين عاما على تأسيسها، الذي كان عام 1898، ولها شهرتها الأكاديمية في الأوساط العلمية العالمية، بدرجة تصنيفها العلمي، وتخصصاتها في الآداب والعلوم، فضلا عن وجود مكتبة بها، هي من أكبر المكتبات الجامعية في قارة آسيا، وتضم 6 ملايين و29 ألف نسخة من الكتب.
أكثر من نصف ساعة، قطعتها السيارة في الطريق إلى الجامعة، كنا نتأمل فيها المدينة وبناياتها الشاهقة، ذات الطلاء الأحمر أحيانا، وقد أكتست جنبات وضفتي شوارعها بشتى ألوان الزهور، والأشجار الخضراء، تضخ الأكسجين، فتبعث روح الحياة، كما تخطف الأبصار، مشاهد الدراجات الهوائية، التي تسير في حارات خاصة بها، كذلك انضباط الناس عند إشارات المرور، ومن هنا تفهم سر تقدم هذا الشعب.
ووصلنا إلى جامعة بكين، ومن الوهلة الأولى، تشعر أنك داخل غابة خضراء، حيث الأشجار الكثيفة، والزهور المتنوعة، وفي داخل قسم اللغة العربية، الذي تأسس عام 1946، قد تلفت نظرك إحدى اللوحات التي تزين الجدران، خاصة حينما تكون للخيول، وربما في هذا دلالة على قواسم ثقافية مشتركة، نظرا لما يرمز له الخيل من الأصالة والقوة، والشموخ.
كان اللقاء مع الدكتور عثمان، رئيس القسم، وعدد من الطلبة والطالبات بالمراحل الدراسية الأولى، وكذلك بالدراسات العليا، وقد حمل كل منهم اسما عربيا، يختاره لهم معلمهم بجانب الاسم الصيني، ويظل هذا لصيق بهم دائما، وقد بدأ الحديث مع الدكتور عثمان، الذي ثمن فضل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى – حفظه الله -، في تأسيس كرس اللغة العربية بجامعة الصين، خلال زيارته للصين في عام 2014، بهبة قدرها عشرة ملايين دولار، تم وضعها كوديعة تدر نحو نصف مليون دولار سنويا تقريبا، يتم توجيهها لدعم ومساعدة الباحثين في تعلم لغة العرب بقسم اللغة العربية.
ولم تخلو حكايات الطلاب من الطرفة والتشويق في مسارهم مع اللغة العربية، ودوافع اختيارهم دراسة لغة العرب، فمنهم من كانت رغبته في التعرف على حضارة العرب القديمة، وما لها من إسهامات عظيمة، في الحضارات الإنسانية على مستوى العالم، كما أنها تساعدهم على فهم الثقافة الإسلامية كذلك.
ومن بعض الطلاب، الذي وصف دراسته للغة العربية، بقوله: إنهم لم يختاروا هم، بل الله سبحانه وتعالى، اختارهم لدراسة هذه اللغة، التي فيها الكثير من البلاغة.. أما نجوى، فقد اهتدت إلى شاطئ اللغة العربية، من بعد أن تلاطمتها أمواج الحيرة بعد حصولها على الشهادة الثانوية، بحثاعن إختصاص جامعي، وصادف وقتها، أنها كانت تتابع عبر شاشات التلفاز، دورة الألعاب الآسيوية الخامسة عشرة التي اقيمت بالدوحة، خلال شهر ديسمبر 2006، وآنذاك قررت التعمق في اللغة العربية، والتعرف على تاريخ العرب.. بينما تحدثت غادة، عن حكايتها مع اللغة العربية، التي بدأت معها منذ نعومة أظافرها، وهي طفلة صغيرة، كانت تستمع إلى من يتحدث بالصينية عن مجتمعات الشرق الأوسط، وكتاب «ألف ليلة وليلة»، وتمنت لو أنها تعلمت لغة العرب، لتستطيع أن تقرأ مثل هذه الكتب.
ودعنا أعضاء هيئة التدريس، وطلابهم، بعد حفاوة استقبالهم، وكرم ضيافتهم، وأخذنا طريقنا إلى وزارة الخارجية لمقابلة المهندس الحقيقي لمنتدى التعاون الصيني العربي، سعادة السفير لي شنغ ون، الذي أعطانا من وقته ساعة، استعرض خلالها آفاق التعاون بين دولة قطر وجمهورية الصين، ومسار العلاقات العربية الصينية، ورؤية الصينيين لمستقبلهم، وخريطة طريق نهضتهم، ومبادرات الانفتاح والإصلاح، وحلم «الحزام والطريق»، لإنعاش التبادل التجاري بينهم، وأكثر من 35 دولة يمر بها هذا المسار وطرق تجارة الحرير قديما.
وكانت زيارتنا الثانية لوكالة الأنباء الصينية «شينخوا»، التي تأسست عام 1931 تحت اسم وكالة أنباء الصين الحمراء، لتتحول إلى اسمها الحالي عام 1937، ومع تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، اصبحت هي وكالة الأنباء الرسمية للبلاد، وتحتوي بداخلها على متحفا يؤرخ لأهم المراحل في تاريخها..
وبعد زيارة «شينخوا»، توجهنا نحو مبنى التليفزيون الصيني، حيث اطلعنا على استديوهات البث المباشر، وكذلك تفقدنا قسم الإعلام الإلكتروني، الذي أنشئ حديثا، وهناك اهتمام كبير به، نظرا لدوره في حياتنا العصرية، وأثره الاجتماعي الكبير، وقد استعانوا بخبرات من غير الصينيين، حيث تجد بينهم المصري والجزائري.
وفي اليوم الثاني، كان برنامج الزيارة مخصصا لمشاهدة القصر الأمبراطوري القديم، أو ما يعرف باسم «المدينة المحرمة»، التي تبلغ مساحتها سبعمائة وعشرين ألف متر مربع، وتحتوي على عشرة آلاف غرفة، والكثير من الحدائق والقاعات الواسعة، وكان في الماضي مقرا للأباطرة من عائلتي مينج وتشنج، وفيه أكبر القصور في مدينة بكين، إلى أن تم افتتاحه للزوار والسياح الذين يتوافدون عليه من مختلف الدول الآسيوية المحيطة بالصين، وكذلك من الغرب والعرب، حيث يقدر عدد الزائرين له يوميا بنحو نصف مليون زائر، ويزدادون في المواسم، من أجل التعرف على المعالم التراثية المعمارية والكنوز الموجودة داخله.
copy short url   نسخ
21/05/2018
1082