+ A
A -
فلسطين-الوطن- أمين بركة
شكلت مسيرات العودة الفلسطينية نقطة بداية لإحياء الذكرى السبعين للنكبة وحلقة في سلسلة طويلة وممتدة من نضال الشعب الفلسطيني على مدى نحو قرن من الزمن.
وعلى الرغم من محاولات التثبيط وبث اليأس في نفوس الشعب الفلسطيني، إلا أن الشعب الفلسطيني انتفض معبرا عن رفضه لكل مشاريع التصفية التي تستهدف قضيته خاصة ما يطلق عليها «صفقة القرن» التي يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تمريرها، وكان أولى بوادرها اعترافه بالقدس عاصمة للكيان ونقل سفارة بلاده إليها.

وبحسب تقرير استراتيجي لمركز الزيتونة للدراسات، فإن مسيرات العودة السلمية جاءت في وقت تمر فيه القضية الفلسطينية بأصعب حالاتها، حيث بات واضحا أن مشروع المفاوضات قد مات دون أن يترك إرثا حقيقيا للشعب الفلسطيني، وفي المقابل، فإن مشروع المقاومة الفلسطيني بات يعاني من الحصار الذي يستهدف بقاءه.
ويشير التقرير الذي وصل الوطن نسخة منه إلى أن فكرة مسيرات العودة بدأت بمبادرة شبابية تبنتها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وهي مرتبطة بإحياء ذكرى سبعينية النكبة، بحيث تتركز بشكل تصاعدي في أيام الجمعة ابتداء من ذكرى يوم الأرض في 30 مارس وصولا إلى ذكرى النكبة في 15 يونيو.
ونوه إلى أنه بعد ذلك اعتمدت القوى الفلسطينية فكرة توسيع مسيرات العودة جغرافيا لتشمل الخارج، حيث شارك مئات الآلاف في الجمعات المتتالية منذ انطلاقتها. وقد وصلت هذه المسيرات ذروتها في قطاع غزة في 14 مايو الجاري، حيث استشهد 62 فلسطينيا وجرح نحو ثلاثة آلاف آخرين؛ ليصل مجموع ما قدمته غزة عبر هذه المسيرات إلى 104 شهداء، و11 ألف جريح منهم 3.500 بالذخيرة الحية.
وينوه التقرير إلى أنه ظهر خلال المسيرات تباين في حجم ونوعية التفاعل بين المناطق؛ إذ كانت المسيرات في قطاع غزة مشروعا أساسيا ومركزيا للعديد من الفصائل الفلسطينية، فيما شهدت الضفة الغربية مسيرات محدودة اشتبكت مع الاحتلال في العديد من النقاط، كما شهد الداخل الفلسطيني مسيرات أحيت يوم الأرض وتضامنت مع شهداء القطاع، وشهدت بعض الدول العربية كالأردن ولبنان بعض المسيرات والتجمعات بالأخص في مخيمات اللجوء.
دوافع المسيرات
وبشأن العوامل الدافعة لمسيرات العودة، أوضح مركز «الزيتونة» أنها تتمثل في استمرار الحصار الصهيوني على قطاع غزة بكافة أشكاله، وازدياد معاناته بسبب مشاركة أطراف فلسطينية وعربية ودولية في محاولات إخضاعه، والانحياز الأميركي للمشروع الصهيوني ونقل السفارة الأميركية إلى القدس.
ومن العوامل الدافعة أيضا الانحياز الشعبي العربي والإسلامي، ووجود تأييد شعبي دولي واسع لحق الشعب الفلسطيني بالعودة، وفشل مسار التسوية السلمية، واستمرار الحصار على قطاع غزة، واستمرار مشروع التهويد، وتغيير الحقائق على الأرض من قبل الاحتلال الصهيوني، بالإضافة إلى أن هذه المسيرات تتمتع بالشرعية الدولية والإنسانية، وبعدها عن التصنيفات «الإرهابية».
وذكر أن اندفاع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والشتات، ورغبته في تحقيق حق العودة إلى فلسطين التي كفلتها القرارات الدولية، ومحدودية الخسائر البشرية للمسيرات مقارنة مع المواجهات المسلحة المفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي هي من العوامل التي دفعت أيضا لهذه المسيرات.
وتابع: «كما كان من العوامل الدافعة لهذه المسيرات الوقوف في وجه حالة الاندفاع عند بعض الدول العربية نحو الكيان الصهيوني للتطبيع معه، وتشكيل المسيرات سدا مانعا أمام محاولات اجتثاث المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى أن المسيرات عملت على إظهار الوجه الحقيقي للاحتلال الذي يستهدف المتظاهرين من أطفال ونساء وشيوخ بالرصاص الحي القاتل، وتلذذه بالقتل، كما أظهرته الفيديوهات المسربة من جنودهم».
تحديات
وفي ما يتعلق بالعوامل الكابحة لمسيرات العودة، لفت المركز إلى أنها تتمثل في الضغط الأميركي– الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية في سبيل وقف كافة أشكال المقاومة، وخضوع بعض الدول العربية في المنطقة للرغبات الأميركية والإسرائيلية، واندفاعها نحو التطبيع، وما قد يترتب عليه من التزامات تؤدي إلى ممارسة الضغط على الشعب الفلسطيني ومقاومته في سبيل وقف مسيرات العودة، بالإضافة إلى أن ضعف الدعم المادي والإعلامي الذي يعد صمام الاستمرارية لمشروع المقاومة بكافة أشكالها ومنها مسيرات العودة.
ونوه إلى أن التنسيق الأمني الذي بات يشكل طوق نجاة للاحتلال الإسرائيلي خصوصا في الضفة الغربية كان من العوامل الكابحة لهذه المسيرات؛ إذا اكتسبت قوات الاحتلال مشروعية قمع المظاهرات في الضفة الغربية من خلال التنسيق الأمني. كذلك بات التنسيق الأمني يشكل حائط سد أمام العمل المقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي. وهو ما يظهر السلطة الفلسطينية بدور الشرطي الذي يحمي الاحتلال.
سيناريوهات مستقبلية
وعن سيناريوهات المستقبل لهذه المسيرات لفت إلى أن السيناريو الأول: يتمثل في استمرار المسيرات كجزء من المقاومة الشعبية وزيادة زخمها، لتشمل الضفة الغربية والقدس والداخل، وتمكنها من اختراق الحدود في القطاع. إلا أن هناك عامل كابح بقوة لهذا السيناريو وهو استمرار سلطة رام الله في التنسيق الأمني.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في توقف مسيرات العودة إلى الحدود التي وصلتها في منتصف مايو 2018، ثم تراجع زخمها، وتراجع التفاعل الشعبي معها، مع مرور الزمن دون تحقيق إنجازات تلهب حماس الجمهور، أو دون تصاعد التفاعل في الضفة الغربية أو في فلسطين المحتلة سنة 1948، مما قد يعيد الأوضاع المحتقنة وحالات الإحباط واحتمالات الانفجار في مختلف الاتجاهات إلى سابق عهدها.
والسيناريو الثالث يتمثل في النجاح الجزئي، وذلك بالوصول إلى توافق يؤدي إلى تخفيف الحصار عن قطاع غزة مقابل وقف المسيرات، ويمكن تحقق هذا الخيار إذا ما نجحت المسيرات في الضغط على الكيان الصهيوني، وأصبح بالإمكان قطف ثمار سياسية واقتصادية للشعب الفلسطيني.
وفي ما يخص السيناريو المرجح لمستقبل مسيرات العودة، فقد نبه تقرير «الزيتونة» إلى أنه يصعب على هذه المسيرات التي خططت أصلا لتأخذ طابعا مؤقتا مرتبطا بسبعينية النكبة، والتي تركزت في قطاع غزة أن يراهن عليها لتحقيق مكاسب استراتيجية، إلا إذا أخذت شكلا دائما وزخما متواصلا وامتدت إلى باقي الداخل الفلسطيني، وإلى الحدود مع فلسطين من الخارج. غير أنه يمكن المراهنة على التصعيد المستمر أو الموسمي، وتحقيق مكاسب مرتبطة بتخفيف الحصار وتعديل سلوكيات سلطة رام الله.
استراتيجية شاملة
ودعا مركز «الزيتونة» إلى ضرورة أن تكون مسيرات العودة جزءا من الاستراتيجية الشاملة لمقاومة الاحتلال، وتوضيح هدف المسيرات للشعب الفلسطيني ليتم الإسهام الفاعل، ضمن مشاريع أخرى، في تحقيق رفع أو تخفيف الحصار وإفشال مخطط تفجير قطاع غزة، وتوجيه الاحتقان الشعبي ليستهدف الاحتلال، وإبراز حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها، وإعاقة مشروع التطبيع ومشروع تصفية القضية الفلسطينية، وإعادة الاعتبار إلى القضية الفلسطينية، وتعزيز ثقافة المقاومة الشعبية.
وشدد على ضرورة استخدام المسيرات والمقاومة الشعبية وتوسيعها زمانيا ومكانيا، بحيث يتم توسيع الامتداد الزماني لها لتصبح على مدار العام تحت مختلف المسميات، وتوسيع الامتداد المكاني لها لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل الفلسطيني ودول الطوق، مع زيادة نقاط الاحتكاك بالاحتلال على حدود غزة وفي الضفة الغربية والداخل المحتل، وحشد القوى المعنوية وتكثيف التعبئة النفسية للجمهور بالتزامن مع المسيرات، وكذلك حشد القوى المادية بما يشمل المستلزمات المالية والتنظيمية والسياسية والإعلامية لتحقيق الأداء والاستثمار الأمثل لها.
وأكد ضرورة الاقتصاد في القوى وتخفيف التكاليف البشرية والمادية، واعتماد أسلوب الموجات بما يراعي مدى الزخم الشعبي ويتلافى الانجرار إلى مواجهة مسلحة، وإعداد استراتيجية تحرك سياسي وخطاب إعلامي للاستثمار السريع والمتكامل للتضحيات، وضرورة استمرار الإجماع الوطني على المسيرات.
ونوه أيضا إلى ضرورة ضبط وتيرة الاحتكاك بما ينتج أكبر عائد من الضغط الخارجي على الاحتلال، وبما يشمل تجنب التصعيد في الأوقات التي يتركز فيها الاهتمام الدولي على ملفات ساخنة أخرى، والحفاظ على إدارة مشتركة للمسيرات بهدف تفادي مساعي عزلها وشيطنتها؛ ولتفادي الضغوط المطالبة بوقفها، والحفاظ على الصبغة الوطنية الجامعة في الأداء، واعتبار تجربة إدارة المسيرات مدخلا لتعزيز التنسيق النضالي بين مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية.
copy short url   نسخ
21/05/2018
3288