+ A
A -
حوار- محمد أبوحجر
قال الدكتور بسيوني نحيلة، أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر: إن المجتمع القطري من المجتمعات الإسلامية القليلة التي مازالت تحتفظ بأصالتها العربية، وتعتز بدينها الإسلامي؛ لذلك فإن كثيرًا من صفات الشهر الكريم تتجلى في رحاب هذا المجتمع الطيب.. ومنها: الكرم وحسن الضيافة، وإطعام الجائعين، ونجدة المظلومين، وإغاثة الملهوفين والمسارعة في فعل الخيرات وتيسير وسائل الطاعات للعابدين.
وأضاف خلال حواره لـ الوطن أن المسلم يستعد للشهر الكريم بالاستعداد الروحاني الذي يكمن في صفاء القلب، وصدق النية، واحتساب الثواب والأجر، والفرح بالطاعة، ومشاركة الطائعين فرحتهم.. داعيًا الصائم بالابتعاد عن العادات المذمومة والمحرمة شرعاً، كالغيبة والنميمة، والكذب، والنظر إلى المحرمات، وفحش القول.. وغيرها من الصفات التي تخل بمنزلة الصائم، وتقلل من قدره، وتحرم من الثواب والأجر.
ولفت إلى أن من نفحات شهر رمضان المبارك، أنه يحقق التوازن والاعتدال في التعامل مع البدن والروح؛ ولذا نجد إقبال الناس على الطاعات وفعل الخيرات في رمضان أكثر من غيره، وفي المقابل تقل الرغبة إلى الطعام والملذات المادية عند كثيرين في شهر رمضان؛ وفي هذا دليل على أن يقظة الروح وتفاعلها مع مناسبات الطاعة، ترتفع بالنفس إلى مستو راقٍ من الحياة الكريمة التي تمتزج فيها الروح مع البدن لأداء واجب العبودية بين الخلائق في أبهى صورها.
في البداية نريد أن تحدثنا عن فضائل شهر رمضان على المسلمين؟
- شهر رمضان هو شهر الصوم، الذي فيه يبني المسلمون فيه الركن الرابع من بناء الإسلام العظيم (صوم رمضان)، وفيه يتدرب المسلون على الالتزام بجميع أركان دينهم الحنيف، وهي: (العقيدة– الأخلاق– التشريعات).. فالمسلم يبدأ شهر رمضان بالنية الخالصة لله تعالى، فيصوم شهر رمضان، إيماناً بالله وحده، واحتساباً للأجر من الله وحده، وتتكرر هذه النية مع كل يوم من أيام شهر رمضان، كما يعلن المسلم الصائم- بالتزامه وفعله- أنه يدع شهواته من أجل الله تعالى، وفي هذه كله إعلان مستمر عن التوحيد المطلق، وتدريب على العقيدة، التي تاجها وذروة سنامها هو الإخلاص؛ وكنتيجة لذلك يكون الفضل الكبير من الله في الثواب الفريد، الذي هو من نفس جنس العمل، جاء في الحديث: (الصوم لي وأنا أجزي به)، فكما أن الصوم يكون بين الله وعبده، فالثواب يكون كذلك.. وفي شهر رمضان أيضاً يتدرب المسلم على حسن الخلق، فيتحلى بالصبر، الذي هو نصف الإيمان، ويبادر بالعفو والصفح، ويتنافس في الكرم والسخاء، ومقابلة السيئة بالحسنة، والتزام حسن القول والفعل، فيكون كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (وإن سابه أحد أو شاتمه، فليقل إني صائم).. وكذلك جميع الفرائض ونوافلها تؤدى في شهر رمضان، فالصلاة المفروضة، وكذلك القيام، والزكاة وصدقة الفطر، وعمرة رمضان، يتسابق إليها المسلمون لنيل ثوابها الذي يعدل حجة مع النبي، صلى الله عليه وسلم.. وبهذا يكون شهر رمضان هو المحطة الإيمانية الكبرى في حياة المسلمين ليجددوا إيمانهم، وليزدادوا إيماناً مع إيمانهم.
ما الطرق الواجب على المسلمين اتباعها للاستفادة من خيرات الشهر الكريم؟
- أولاً: لا بد أن يتعرض الإنسان لنفحات الله في هذا الشهر بالاستعداد النفسي الذي يكمن في صفاء القلب، وصدق النية، واحتساب الثواب والأجر، والفرح بالطاعة، ومشاركة الطائعين فرحتهم.. ثانياً: الاستعداد العقلي، بتعلم ومدارسة أحكام شهر رمضان المتعلقة بالصيام والقيام والاعتكاف والصدقة.. وغيرها، ثالثاً: الاستعداد الاجتماعي، بصلة الأرحام، وإطعام الفقراء، وإفطار الصائمين، وصلاة الجماعة، والالتقاء على الطاعات، والتعاهد على فعل الخيرات من خلال المجتمع والجماعة.. رابعاً: الاستعداد الأُمَمي، المتعلق بمتابعة أحوال المسلمين في المشارق والمغارب، والدعاء للمستضعفين المظلومين، والإسهام في رفع المعاناة عن اللاجئين والمشردين والمهجرين من المسلمين في المشارق والمغارب.
حدثنا عن كيفية استقبال الرسول، صلى الله عليه وسلم، والصحابة للشهر الكريم؟.. وما أبرز الأحاديث عن الشهر الكريم؟
- كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يستقبل شهر رمضان بتحقيق صفات عباد الرحمن، فكان أجود الناس في رمضان، ينفق كالريح المرسلة، ليس فقط من الأموال، إنما بمفهوم الإنفاق العام الذي يشمل الوقت والعلم وكل أنواع العطاءات، وكان يتدارس القرآن مع جبريل، عليه السلام، قراءة، وفهمًا، وتدبرًا، وعملاً، وكان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها، فيشد المئزر، ويعتزل النساء، ويعتكف في مسجده، وكان يتحر ليلة القدر، ويكثر من الدعاء وبخاصة قوله: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) وكان يوقظ زوجاته لقيام الليل استشعارًا لمسؤوليته عن أهل بيته.. وعلى هذا كان حال أصحابه، رضي الله عنهم، وهذا هو ما يجب أن يكون عليه المسلمون في كل زمان ومكان لينالوا من فضائل هذا الشهر الكريم، ويحصلوا فيه على أعلى المنازل والدرجات.
ما الأفكار الخاطئة لدى البعض عن المفطرات؟
- الأصل في الصيام هو الإمساك عن المفطرات، وقد ينجح كثير من المسلمين في كف النفس عن الطعام والشراب، شهرًا كاملًا، ولكنه قد لا يستطيع أن يكف يومًا واحدًا عن العادات المذمومة والمحرمة شرعاً، كالغيبة والنميمة، والكذب، والنظر إلى المحرمات، وفحش القول.. وغيرها.. وهؤلاء وإن صح صومهم حكمًا، إلا أنهم قد أخلوا بمنزلته وقدره، وقللوا من ثوابه وأجره.. إن الصيام الكامل في الحكم والأجر والفضل هو صيام النفس عن اللغو والرفث، والفحش والبذاءة، وكل ما يغضب الله تعالى، تمامًا كما يكون الامتناع عن الطعام والشراب.
حدثنا عن الروحانيات التي تحدث للمسلم في الشهر الكريم؟
- المعلوم عند العلماء أن زيادة الاهتمام بالجسد، وتلبية حاجاته بدون ضوابط، تؤثر على ارتقاء الروح، وأن العناية بالأرواح والعمل على ارتقائها، يعين على التقليل من متطلبات الجسد.. وشهر رمضان، يحدث هذا التوازن في التعامل مع البدن والروح، ولذا نجد إقبال الناس على الطاعات وفعل الخيرات في رمضان أكثر من غيره، وفي المقابل تقل الرغبة إلى الطعام والملذات المادية عند كثيرين في شهر رمضان، وفي هذا دليل على أن يقظة الروح وتفاعلها مع مناسبات الطاعة، ترتفع بالنفس إلى أعلى مستويات الحياة الكريمة التي تمتزج فيها الروح مع البدن لأداء واجب العبودية في أبهى صورها.
ما العادات الخاطئة التي يقوم بها بعض المسلمين في الشهر الكريم مثل الإسراف في الطعام وغيره، وكيف نتجنب ذلك؟
- من العادات التي يقع فيها بعض المسلمين أثناء هذا الشهر الكريم: التفكير في إعداد الطعام والشراب والإكثار من متطلبات المادة ربما أكثر من الأيام الأخرى، وينسون أن الأصل في شهر رمضان هو تغذية الأرواح والقلوب وليس الأبدان.. ومن العادات الخطأ أيضًا: قتل نهار شهر رمضان بالنوم والكسل والتباطؤ في القيام بالمهام والأعمال، وتضييع ليله بالسهر والترفيهيات والمبالغة في الاجتماعيات، وهذا هو الخسران المبين والحرمان الكبير، جاء في الحديث: (فمن حُرم خيره فقد حُرم).
حدثنا عن الصدقات والزكاة في رمضان؟
- يظن بعض المسلمين أن شهر رمضان هو موعد دفع زكاة المال المفروضة، وهذا غير صحيح إلا في حالة واحدة وهي أن يكون شهر رمضان هو بداية الحول وتمامه.. أما حقيقة شهر رمضان فهو شهر التنافس في الصدقات التطوعية التي هي بعد أداء الفريضة، وهو شهر الكرم والعطاء الذي لا يكون بأداء الواجب وهو الزكاة المفروضة، إنما يكون بما زاد على ذلك من الإنفاق على المحتاجين ومواساة المعوزين، وإطعام الجائعين، وبكفالة الأرامل والأيتام من المسلمين، وغيرها من أوجه الخير التي تحتاج إلى مزيد من البذل والعطاء في شهر القرآن.. هذا بالإضافة إلى زكاة الفطر المعروفة والتي هي واجبة على كل من شهد شهر رمضان من المسلمين كبيرًا أو صغيرًا رجلًا أو امرأة، صحيحًا أو مريضًا، غنياً أو فقيرًا، فقد قال بعض العلماء: إن الفقير يأخذ من الصدقات في زكاة الفطر، ثم يدفع منها عن نفسه ومن يعول، وذلك حتى تتدرب الأمة جميعها على العطاء والإنفاق في سبيل الله.
حدثنا عن المشاهدات الإيجابية في المجتمع القطري في رمضان؟
- المجتمع القطري من المجتمعات الإسلامية القليلة التي ما زالت تحتفظ بأصالتها العربية، وتعتز بدينها الإسلامي، ولذا فإن كثيراً من تقاليده وأعرافه ترتبط بشعائر الإسلام.. فالكرم، والضيافة، وإطعام الجائعين، ونجدة المظلومين، وإغاثة الملهوفين، والمسارعة في الخيرات، عندهم سجية وطبيعة، وهي من أخلاق الإسلام الكبيرة.. وفي شهر رمضان يتجلى الفرح والسرور بمقدم الشهر الفضيل، وترى المتنافسين في فعل الخيرات، وتفتح مجالس العائلات لمزيد من الترابط والتواصل، والتعاون على فعل الخيرات.. كل ذلك يشعر بروح وروحانيات شهر رمضان، وأعظم ما يراه الناظر في شهر رمضان هو ما تقوم به مؤسسات الدولة لتيسير الطاعة من صلاة التراويح والتهجد، ودروس الفقه والعلم، ومسابقات حفظ القرآن الكريم وغيرها من وسائل الإعانة على الطاعة.
كيف تقضى يومك في رمضان؟
- شهر رمضان بالنسبة لي هو شهر معايشة القرآن الكريم والأنس به، قراءةً، وتدبرًا، وفهمًا، ومحاولة لتطبيق ما استطعت.. ففي هذا الشهر الكريم أجد للقرآن مذاقًا مختلفًا، وطعمًا فريدًا، وأشعر بأبواب البركة والعلم تتدفق عند تدبره قرب وقت الإفطار، وأشعر بروح خفاقة تحلق في عوالم غير معهودة وذلك عند قراءة القرآن في ليالي السحر من شهر رمضان.. وليس ذلك بمستغرب إذا استحضرنا أن منزلة هذا الشهر الكريم وصيامه، لم تكن إلا لنزول القرآن فيه، فبالقرآن كان شهر رمضان من خير الأشهر، وكانت ليلة القدر هي خير الليالي. يقول تعالى: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه).
كيف يمكن للمسلم أن يستكمل ما بدأه في رمضان عقب انتهاء الشهر وألا يعود للمعاصي؟
- صحة البدايات وإخلاص النيات دليل على إمكانية الوصول إلى النهايات ومواصلة طريق الطاعات، فمن ذاق طعم العبادة وأدرك حلاوتها ولو مرة واحدة، فلن يتركها في حياته ولو لمرة.. ومن أراد لنفسه أن يكون على العهد بعد رمضان، فليستعن من الآن بشهر رمضان ولياليه على أن يرزقه الله الثبات بعد رمضان والاستمرار على القرب من الله، وذلك بالإخلاص والصدق، وحسن العمل، وكثرة الدعاء، والحرص على القبول بإتقان قليل الأعمال.. إذ إن قبول العمل معناه أن الله قد أذن لك بطاعته حتى تلقاه.
تقبل الله منا ومنكم وجعل هذا لشهر الكريم أمنًا ورخاءً وسلمًا وسلامًا على العالمين.
copy short url   نسخ
21/05/2018
1261