+ A
A -
ترجمة- نورهان عباس
أشاد موقع «جي أف ماج» الاقتصادي العالمي بما أسماه «ثورة الاستقلال الاقتصادي»، التي شهدتها قطر، بعد فرض الحصار الدبلوماسي والسياسي والاقتصادية عليها، والذي فشل في تركيع الدولة اقتصادياً.
وأكد الموقع أن الدوحة أصبحت أكثر تنوعاً من حيث مواردها المالية، كما تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي، مما جعلها تتحرر اقتصادياً بعيداً عن قيود دول الخليج الأخرى، التي فرضت عليها الحصار.
وقال المحلل الاقتصادي، دارين ستوبينج، في تقريره عن حالة الاقتصاد الحالية في قطر: «بدأ الحصار المفروض على قطر في يونيو 2017، من قبل بعض دول مجاورة، ومع ذلك، كان اقتصاد قطر مرناً طوال عام 2017 وخلال الربع الأول من 2018، واستمر في المضي قدماً في عام 2018 مع زيادة الاستقرار».
وكانت محاولات دول الحصار لشل قطر اقتصادياً واضحة، من خلال وقف توريد المواد الغذائية ومواد البناء (التي تأتي أساسا من السعودية)، إضافة إلى وقف الرحلات المباشرة مع البلدان المعنية. لكن الكثير من التأثير زال الآن، مع تطوير الحكومة القطرية لطرق الإمداد الجديدة وقنوات العمل.
وتابع الموقع: «ليس هذا وحسب، لكن عمدت الحكومة القطرية أيضاً إلى تقوية روافدها البنكية، حيث قام مصرف قطر المركزي بضخ حوالي 38.5 مليار دولار من احتياطيات البلاد، البالغة نحو 340 مليار دولار في الاقتصاد، كودائع مالية في البنوك، ومن حيث توافر السيولة وقوة الريال القطري، فإن وضع السوق لا يزال سليما، كما انتعش الاقتصاد القطري بسرعة».
وتمتلك قطر ثروات هيدروكربونية كبيرة وموارد مالية توفر لها احتياطياً هائلاً، للتغلب على الأزمات. وفي رأي الكاتب فإن هناك عوامل أخرى أفادت اقتصاد قطر.
ويقول ستوبينج: «سوف يستمر ارتفاع أسعار النفط، وبرنامج البنية التحتية الطموح للغاية في البلاد، كما ستساهم القوى العاملة الكبيرة نسبياً في دعم نمو غير الهيدروكربوني، الذي لا يزال صلباً».
وفي قطاع الهيدروكربونات، تخطط قطر لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال (LNG) بنسبة 30%، في غضون خمس إلى سبع سنوات، مما يعزز موقعها كمصدر رئيسي للغاز الطبيعي المسال على المدى الطويل.
وأشار ستوبينج إلى أن برنامج البنية التحتية والاستثمار ساعدا على نمو قطر خلال هذه الفترة الصعبة. مدفوعًا بالرغبة القوية للبلاد في تحدي الحصار، حيث سيكون الاتجاه الكبير لتحقيق الاكتفاء الذاتي دافعاً أساسيا لعجلة الاستثمار في العديد من القطاعات، كما شهد اقتصاد قطر تسارعاً في التنويع، خلال الأشهر التسعة الماضية، وحدث استثمار في عدد من الصناعات الجديدة كذلك.
وينقل «جي أف ماج» عن سعادة علي شريف العمادي، وزير المالية، قوله: إن الحصار خلق المزيد من الفرص لتعزيز الاقتصاد المحلي، حتى يتفوق القطاع الخاص في قطر.
وقال العمادي: «في الماضي، كانت سياستنا هي الاعتماد على استيراد البضائع من الدول الأخرى في دول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي خلق بعض التحديات في الأمن الغذائي واستيراد الأدوية، من بين عدة مجالات أخرى بعد فرض الحصار. ولكن في المستقبل، ستختلف سياساتنا».
وأضاف العمادي، في مؤتمر يورومني في ديسمبر الماضي: «على سبيل المثال، نحن حققنا بالفعل أكثر من 40% من الاكتفاء الذاتي في منتجات الألبان، وسوف يصبح الرقم 100% في المستقبل».
ويعد مجال إنتاج الألبان مثالا مناسبا على إصرار قطر على تحقيق الاكتفاء الذاتي، حيث كانت البلاد تعتمد بشكل كبير على منتجات الألبان المستورة من المملكة العربية السعودية، ولكن أتى الحصار كعامل إيجابي لمزرعة «بلدنا»، التي قامت بتوسيع رقعة المزرعة ورفع طاقتها الإنتاجية، لاستيعاب الطلب المتزايد.
ويقول جون دور، الرئيس التنفيذي لمزرعة بلدنا: «كان هناك حوالي ثمانية لاعبين مختلفين في سوق منتجات الألبان في قطر قبل الحصار، أربعة منهم من السعودية وواحد من الإمارات العربية المتحدة، واثنان أو ثلاثة لاعبين محليين، وكان ما يقرب من 80% من غذائنا يأتي من الواردات من هذه الدول، و90% من منتجات الألبان كانت تستورد من السعودية وحدها، لذلك رأينا الفرصة بعد الحصار للتوسع والقفز على هذه الدول».
وبدأت خطة الاكتفاء الذاتي القطري تلامس أرض الواقع في يوليو 2017، عندما نقلت الخطوط الجوية القطرية 165 بقرة هولشتاين من بودابست، وعلى مدى الأشهر التالية، توسع القطيع إلى 4000، حيث تم نقل الأبقار من عدة أماكن، مثل: أستراليا والولايات المتحدة وهولندا وألمانيا، إلى قطر. نمت قدرات البلاد الغذائية منذ ذلك الحين.
وتخطط مزرعة «بلدنا» لزيادة عدد أبقارها إلى 14000، وتلبية الطلب المحلي كلياً بحلول منتصف عام 2018.
ويؤكد «جي أف ماج»، أن هذه الشحنات الأولية تميزت بإطلاق صناعة ألبان جديدة لقطر.
ويقول دور: «إن ما نفعله هنا جاء من الحاجة إلى تحقيق الأمن الغذائي للبلاد، وذلك انطلاقاً من رؤية قطر الوطنية 2030».
ويضيف: «سنقوم بتربية الثيران هنا ودخول سوق اللحم البقري ورفع قطيعنا من الأغنام البالغ عددها 40 ألفا».
ويتمتع المصنع الملحق بمزرعة بلدنا بآلات متطورة، كما أصبحت مرافق بلدنا الدوارة من بين الأفضل والأكبر في منطقة الشرق الأوسط برمتها. وتخطط الشركة الطموحة للاكتتاب العام هذه السنة أيضاً.
دعم الصناعة المحلية
على الجانب الآخر، ولتحقيق التنمية الصناعية المتوازنة، تدعم الحكومة القطرية الصناعات المحلية المختلفة، وتقدم الحوافز الصناعية، مثل: إعفاء المنشآت من الرسوم المفروضة على الآلات والمعدات وقطع الغيار والمواد الخام، وذلك من أجل تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (SMES) على وجه الخصوص، كما زادت الحكومة من تركيزها على تطوير ودعم الصناعات المستهدفة في قطاعات، مثل الصناعات الغذائية والصيدلانية والبيئية والمعرفية.
وبلغت نتائج هذه الجهود الأولية نحو 730 مؤسسة صناعية، باستثمارات تزيد على 260 مليار ريال (71.4 مليار دولار)، كما أولت قطر اهتماما خاصا لأمن المياه، من خلال إنشاء محطات تحلية جديدة وخزانات كبيرة لتخزين مياه الشرب.
وفي هذا الإطار، يقول السيد يوسف محمد الجيدة، الرئيس التنفيذي لهيئة مركز قطر للمال، في حوار مع صحيفة الجارديان البريطانية: «استقر القطاع المالي في قطر، وساعدت الموانئ الاستيرادية الجديدة، خاصة في عمان، في تقديم الخدمات اللوجستية، لتحل محل جبل علي في دبي».
ويضيف: «لم يتغير شيء أساسي حتى الآن، في الواقع، قامت قطر بتصدير المزيد من الغاز الطبيعي المسال في عام 2017 أكثر مما كانت عليه في عام 2016».
وحول نفس الموضوع، يشير سعادة علي شريف العمادي، وزير المالية، إلى أنه بحلول الشهر الثاني من الحصار، عاد الميزان التجاري لقطر إلى مستويات ما قبل الأزمة، حيث دفع الحصار البلاد إلى إطلاق اتفاقيات تجارية جديدة لا تعد ولا تحصى.
وقال: «بدلاً من الاعتماد على مجموعة واحدة من الدول، لدينا إمكانية الوصول إلى أكثر من 80 بلداً، الحصار فتح فرصاً أكبر في السياحة والقطاع الصحي والأمن الغذائي، وكان له مفعول عكسي».
ويرى العمادي، أن الاقتصاد القطري سيثبت مرونته الكبيرة، لأنه كان متقدما على دول الخليج الأخرى في الانفتاح على الاستثمار الأجنبي بالفعل، خاصة بعد أن استثمر بقوة في صناعات الغاز والنفط والغاز السائلة، وفي المرافق مع الشركات الدولية، وكذلك في تعليم السكان.
تطورات اقتصادية متلاحقة
ويؤكد محلل «جي أف ماج»، أن هذه الاستثمارات مستمرة. ولا يزال برنامج الاستثمار في البنية التحتية الكبيرة في قطر دون توقف، مما يخلق إمكانات جديدة للاستثمار على المدى المتوسط إلى الطويل، وذلك وفقاً لما أكده أيضاً السيد علي أحمد الكواري، الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك قطر الوطني «QNB»، أكبر بنك في المنطقة.
ويقول الكواري: «يتم فتح قطاعات استثمارية جديدة لدعم الاكتفاء الذاتي في قطر، مثل النقل والخدمات اللوجستية، كما خلق ذلك نشاطا متزايدا في ميناء حمد، وفي إنتاج الغذاء والسياحة».
وأضاف الكواري في مؤتمر حضره شهر ديسمبر الماضي: «إن زيادة الإنتاج المتوقعة في الغاز الطبيعي المسال ستصل إلى نسبة 30%».
وتشمل التطورات الاقتصاية الجديدة في قطر أيضاً مشاريع البنية التحتية الأخرى، وتطوير شبكة معززة من الطرق السريعة السريعة والمناطق الاقتصادية الخاصة.
وفي عام 2017، بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي لقطر 2.1%. ومن المتوقع، أن يرتفع إلى 2.6% في عام 2018، وكان أداء القطاع المصرفي القطري جيداً في عام 2017، حيث ارتفعت الودائع بأكثر من 13% على أساس سنوي، مع نمو الائتمان بما يقترب من 9%. ولا يزال طلب المستثمرين الأجانب على الأصول القطرية جيدًا.
وارتفعت الواردات أيضاً بنسبة 28.8% على أساس سنوي في ديسمبر 2017، في حين نمت الصادرات بنسبة 34.5% على أساس سنوي، كما ارتفع احتياطي النقد الأجنبي إلى 37.6 مليار دولار في ديسمبر، مقارنة بـ 36.9 مليار دولار في نوفمبر.
وزادت صادرات قطر في يناير 2018 بشكل أساسي بسبب قطاع الهيدروكربونات، حيث ارتفع الفائض التجاري بأكثر من 50% على أساس سنوي، كما تحسن الإنتاج الصناعي.
ويتوقع موقع «جي أف ماج» الاقتصادي أن يصل إنفاق قطر على المشاريع الكبرى إلى حوالي 25 مليار دولار هذا العام، مستهدفاً قطاعات التعليم والصحة والبناء، وذلك استعداداً لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، كما تخطط قطر لمنح عقود بقيمة 29 مليار دولار للقطاع الخاص، لتشجيع التنويع والتركيز على دعم مشروعات الأمن الغذائي والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير البنية التحتية، في المناطق الاقتصادية ومناطق التجارة الحرة.
ويرى الموقع أن ميناء حمد سيلعب دوراً رئيسياً في تطوير المرحلة التالية من الاقتصاد، حيث أنه واحد من أكبر وأحدث الموانئ في الشرق الأوسط. وتم توقيع اتفاقيات مع خطوط الشحن المهمة لربط ميناء حمد بالموانئ الدولية في تركيا والصين وتايوان وعمان واستراليا وباكستان وسنغافورة والكويت.
وأشار «جي أف ماج» إلى أنه يتم حالياً بناء وتطوير نظام مشروع مترو الدوحة الهائل، ومن المقرر أن تبدأ المرحلة الأولى منه في العمل في عام 2020، كما أن ترام لوسيل هو مشروع رئيسي آخر.
ولدى قطر الموارد اللازمة لتعجيل التقدم في باقي المشاريع، كما وفر الإنفاق الاستثماري والنمو السكاني دفعة للطلب المحلي والنمو في القطاع غير الهيدروكربوني، حيث يتنوع الاقتصاد القطري بقوة حالياً بعيداً عن عائدات النفط والغاز.
القطاع المصرفي..
مساهم قوي
أما عن البنوك المحلية فيرى «جي أف ماج» أنها تستفيد من الفرص الجديدة، إضافة إلى تمويل المشاريع الرئيسية، حيث تشارك البنوك الكبرى مثل QNB بالعديد من المشاريع الأساسية الأخرى، المتعلقة بالمرافق والنقل والبنية التحتية - بما في ذلك مشاريع المياه والطاقة والسفن والطائرات والسكك الحديدية في جميع أنحاء البلاد.
ويختم موقع «جي أف ماج» الاقتصادي تقريره، بالقول: «استجابة قطر للحصار كانت فعالة، من خلال البدء في مشاريع هائلة تركز على الاكتفاء الذاتي الاقتصادي الطويل الأجل والاستدامة داخل القطاع الخاص، كما ساعد الحصار على تنشيط سعي قطر لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وضمان استدامة الاقتصاد المحلي».
copy short url   نسخ
22/04/2018
3354