+ A
A -
كتب– محمد أبوحجر
عكفت جامعة قَطَر ممثلة في معهد البحوث الاجْتمَاعيَّة والاَقْتصَاديَّة المسحيَّة على تنفيذ دراسة وطنيَّة شاملة باستخدام أعلى منهجيات البحث العلمي دقة للتعرف على توجهات الشَّارع القَطَريّ السياسيَّة والاَقْتصَاديَّة والاِجْتمَاعيَّة تجاه التَّطورات الناتجة عن أزمة حصار قطر.
وأشرف على هذه الدراسة فريق من الباحثين القطريين على رأسهم الدكتور حسن عبدالرحيم السيد مدير معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية والمشرف العام على الدراسة والدكتور ماجد الأنصاري مدير إدارة السياسات في المعهد ومدير مشروع الدراسة والدكتور خالد شمس العبدالقادر عميد كلية الإدارة والاقتصاد والدكتورة فاطمة الكبيسي منسقة برنامج علم الاجتماع ولولوة الخاطر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية كمشرفي أقسام في الدراسة بالإضافة إلى فريق من الباحثين المساعدين وهم نوف الراكب ومحمد السبيعي ومريم آل ثاني وسارة الأنصاري. وفي تصريح صحفي بمناسبة عرض هذه الدراسة أكد الدكتور حسن راشد الدرهم رئيس جامعة قطر أن «دراسة قطر في مواجهة الحصار» التي نفذها معهد البحوث الاجتماعية الاقتصادية المسحية في جامعة قطر من الدراسات الجادة التي حللت الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في قطر بعد الحصار الجائر بشكل واقعي وأكاديمي، وقال رئيس الجامعة إن إعلان النتائج اليوم بكل شفافية يؤكد على أجواء الحرية التي نعيشها في قطر». وفي كلمته بمناسبة انتهاء وإعلان هذه الدراسة صرح الدكتور حسن السيد مدير الدراسة ومدير معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية بجامعة قطر بأنه تم تنفيذ هذا المسح من خلال إجراء مقابلات بالهاتف في شهر نوفمبر 2017، وتضمنت عينة الدراسة 889 من القطريين البالغين الذين يعيشون حاليًا في قطر، كما تم إعداد إطار العينة من خلال التواصل مع مزودي خدمات الهاتف النقال المحليين، وبما أن نسبة القطريين البالغين الذين يملكون هاتفا نقالا يشكلون 98%، فإن اختيار العينة من ذلك الإطار يتوقع له أن يشكل أفضل تمثيل لمجتمع الدراسة المستهدف. بلغت نسبة الاستجابة المعدل في هذا المسح 53%. تشكل نسبة الخطأ في العينة +/- 3.4%، وتم الأخذ في الاعتبار تأثيرات تصميم العينة (الوزن والطبقية) عند احتساب نسبة الخطأ.
النتائج القانونية
وفيما يتعلق بنتائج الدراسة في الجانب القانوني، ذكر الدكتور السيد أن النتائج أشارت إلى أن نسبة المواطنين الذين يرون أن مشاركة شعوب المنطقة من خلال مجالس منتخبة لا تؤدي إلى تدهور الخلافات السياسيَّة سريعًا بين الدول تقترب من 62% في حين أن نسبة من لا يرى ذلك هي 17% مما يشير إلى ارتفاع في الوعي السياسي للقطريين نتيجة الأحداث المتسارعة. ويؤكد ذلك بحسب السيد ما أسفرت عنه النتائج من أن نسبة المواطنين القَطَريّين الذين يرون أهمية العيش في بلد ديمقراطي هي 67%، وهي نسبة تصل إلى ضعف ما كان يراه القَطَريّون في الدِّرَاسَة التي أجريت قبل الحِصَار، إذ كانت نسبتهم 34%، مما يدل على أن شعور المواطنين بأهمية العيش في بلد ديمقراطي قد تضاعف بعد الحِصَار عما كان عليه قبله بأشهر معدودة.
رضا عن الأداء الحكومي في الجانب السياسي
أما في الجانب السياسي، فأشار الدكتور ماجد لأنصاري إلى ارتفاع كبير في نسبة الاهتمام بمتابعة الأخبار السياسيَّة من النصف فقط إلى قرابة 90% من المواطنين، ويعد ذلك طبيعيًّا في ظل التداعيات اليومية للأزمة وسرعة وتيرة الأخبار. كما يفيد ذلك حسب الأنصاري بأن هناك اهتمامًا عاليًا لدى معظم المواطنين بمتابعة تطورات الأزمة ومجرياتها اليومية.
وفي ذات السياق ذكر الدكتور ماجد أن النتائج تشير إلى أن غالبية المواطنين القَطَريّين (62%) يرون أن على قَطَر تحقيق الاستقلال التام عن التحالفات الإقليميَّة بما يشير إلى انعدام الثقة بالمحيط الإقليمي، ولذلك وافقت نسبة أكبر من المواطنين (86%) على أن قَطَر عليها البحث عن تحالفات جديدة مع قوى إقليميَّة في المنطقة، والبحث عن تحالفات جديدة هو دلالة أخرى على عدم الثقة بالتحالفات الموجودة.
وفي إطار الحديث عن القوة الناعمة القطرية أكد الأنصاري أن النتائج تشير إلى أن 79% من القَطَريّين يعتبرون أن قناة الجزيرة تخدم المصالح القَطَريَّة بشكل كبير ولا شك أن ذلك مرتبط بالدور الكبير الذي لعبته الجزيرة في مقاومة الحرب الإعلامية التي استهدفت قَطَر عبر أجهزة إعلامية تابعة لدول الحِصَار كما يشير إلى قبول عام بالدعم الرسمي لشبكة الجزيرة وإيمان بمحوريتها في تحقيق المصالح القَطَريَّة، وعند سؤال المواطنين عن الحليف الأكبر لدولة قطر أكد الأنصاري أن تركيا ظهرت في المقدمة حيث اختارها أكثر من 72% من المواطنين بينما حلت الكويت ثانيًا بنسبة 16% في حين اختار 12% من المواطنين دول أخرى. ومن حيث الأداء الحكومي في التعامل مع أزمة الحصار، أفاد 98% من القَطَريّين بأنهم راضون عن الأداء الحكومي خلال الأزمة، وأشار 88% منهم إلى أنهم يعتقدون أن قَطَر قادرة على العيش في ظل هذا الحِصَار لو استمر لسنوات عديدة قادمة.
الجانب الاقتصادي
أما في الجانب الاقتصادي فذكر الدكتور خالد شمس العبدالقادر أن النتائج أظهرت أن تصورات غالبية المواطنين (أكثر من 80%) تجاه الاقتصاد القَطَريّ كانت إيجابية. بالإضافة إلى ذلك، فقد تحسنت تصورات المواطنين بشأن تلك المؤشرات مقارنة بنتائج دراسة سابقة أجريت قبل أزمة الحِصَار في يناير 2016 بأن التصورات حول ظروف الأعمال والتجارة حاليًا كانت إيجابية بالنسبة لنصف المواطنين تقريبًا (55%)، في حين ارتفعت تلك النسبة بعد أزمة الحِصَار لتصل إلى 84% من المواطنين (شكل 3). كذلك تحسنت التوقعات الإيجابيَّة للمواطنين بشأن ظروف الأعمال والتجارة مستقبلًا لتصل إلى 96% من المواطنين بعد أزمة الحِصَار مقارنة بنسبة 72% من المواطنين قبل أزمة الحِصَار (شكل 3).
أما من حيث موقف المواطنين تجاه ريادة الأعمال ومدى توافر الفرص الاستثمارية فأشار العبدالقادر إلى أن النتائج أظهرت أن نسبة الذين أفادوا بتوافر العديد من الفرص الاستثمارية في قَطَر شكلت 77% من المواطنين وأن 34% من المواطنين مهتمون بشكل جدي للبدء في مشروع.
وبالنسبة لجودة المنتجات وأسعارها ومدى توافرها في السوق المحلي أكد الدكتور خالد أن النتائج تشير إلى وجود اختلاف في تصورات المواطنين بشأن الأسعار، فقد أشار ثلث المواطنين تقريبًا (31%) إلى أن الأسعار لم تكن مرتفعة، وذلك في مقابل 27% يرون أن الأسعار كانت مرتفعة، في حين ذكر 33% منهم أن أسعار بعض المنتجات كانت مرتفعة، وبعضها لم تكن مرتفعة، أما من حيث جودة المنتجات ومدى توافرها، فقد أشار غالبية المواطنين إلى ارتفاع جودة المنتجات وتوفرها بشكل كامل في السوق (88% و71% على التوالي).
الجانب الاجتماعي
وأخيرًا في الجانب الاجتماعي أكدت الدكتورة فاطمة الكبيسي أن النتائج أظهرت أن أكثر من ثلاثة أرباع المواطنين (75%) لديهم أقارب في دول الحِصَار، وفي ذلك دلالة على مدى عمق العلاقات الاِجْتمَاعيَّة الخَلِيجِيَّة. إضافة إلى الترابط الاجتماعي والديني واللغوي وعلاقات الأنساب والقرابة بين شعوب دول الخليج العَرَبيَّة.
كما أكدت الكبيسي أن 70% من المواطنين أفادوا بأنهم لم يتمكنوا من رؤية أقاربهم من دول الحِصَار منذ بدأت الأزمة، مما يعني أن جملة الإجراءات التي فرضتها دول الحِصَار على رعاياها وعلى المواطنين القَطَريّين أثرت على شبكة العلاقات الاِجْتمَاعيَّة، ولا سيما أن أزمة الحِصَار أسهمت في تمزق العائلات الخَلِيجِية وهشاشة تماسك المجتمعات المَحَليَّة والأسر البينية. بالإضافة إلى ذلك يتبين أن 69% من المواطنين أجابوا بأنهم التقوا أقاربهم من دول الحِصَار في دولة قَطَر، إذ يمثل عددًا كبيرًا، ويوضح أن قَطَر لا تزال تُرحب بمواطني دول الحِصَار، ولم تسلك الطريق الذي فضلت دول الحِصَار سلكه. وأضافت الكبيسي أنه تبين أن غالبية المواطنين تواصلوا مع الأقارب عن طريق الهاتف الجوال (52%) وبرنامج الواتساب (20%) كوسائل للتواصل مع العائلات والأقارب الموجودين في دول الحِصَار، بينما أفاد 10% من المواطنين بأنهم لا يتواصلون مع أقاربهم المتواجدين في دول الحِصَار إطلاقًا وهذا يشير إلى مدى تأثير الأوضاع السياسيَّة الراهنة على العلاقات الاِجْتمَاعيَّة. كما تبين أن نسبة 47% من المواطنين أفادوا بأن علاقاتهم مع أقاربهم الموجودين في دول الحِصَار لم تتغير، وهذا مؤشر على أنه لا يزال هناك أناس لم يخلطوا الأمور السياسيَّة والولاء للقيادة والدَّولَة بالروابط الاِجْتمَاعيَّة. بينما أشار ربع المواطنين تقريبًا (26%) إلى أن علاقاتهم مع أقاربهم من دول الحِصَار ساءت؛ وذلك يعود لجملة الإجراءات التي شنتها دول الحِصَار ضد قَطَر والمتمثلة في انقطاع جملة العلاقات الاِجْتمَاعيَّة التي مثلت الأساس في تقارب الدول، إذ لعب ذلك دورًا في هدم النسيج الاجتماعي وزعزعة العلاقات.
وعند سؤاله عن الخطوات المستقبلية بعد الفراغ من الجانب الميداني من الدراسة، أفاد الدكتور ماجد الأنصاري بأن المعهد قام بإعداد تقرير خاص لصناع القرار على أعلى المستويات كما ينوي إعداد مجموعة من الأوراق العلمية يقوم عليها باحثون مختصون في مجالات العلوم الاجتماعية المختلفة بهدف تقديم قراءة علمية رصينة للأحداث وتوثيق التحولات الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن أزمة الحصار، كما أكد الأنصاري أن المعهد ينوي تنفيذ هذه الدراسة أو أجزاء منها مرة أخرى في الفترة القادمة لقياس التغيرات في رؤى المواطنين حسب تطور الأحداث على الأرض.
copy short url   نسخ
27/02/2018
2330