+ A
A -
تراقب دول الجوار العربي ومعها دول القرن الافريقي بقلق التطورات التي تعيشها إثيوبيا، حيث تتصاعد المخاوف من اندلاع حرب أهلية من شأنها نسف استقرار المنطقة والتأثير على الدول المحيطة. فإثيوبيا -أكبر دول القرن الافريقي وثاني أكبر الدول سكانا في القارة السمراء- كان يُنظر إليها قبل بداية الاحتجاجات الواسعة التي شهدها إقليما أروميا وأمهرا حتى أكتوبر 2015، على أنها نموذج باهر للحكم استطاع إدارة التنوع العرقي والمناطقي، ونجح في إدارة دولة متعددة الإثنيات عبر الفدرالية.
غير أن ذلك النموذج تكسر على وقع تلك الاحتجاجات التي استمرت حتى بداية هذا الشهر، مما أدى إلى إعلان حالة الطوارئ يوم 16 فبراير الجاري للمرة الثانية في غضون ستة أشهر، واستقالة رئيس الوزراء هيلاميريام ديسيلين.
ويرى مراقبون أن تداعيات اندلاع حرب أهلية في إثيوبيا لن تتوقف آثارها على تلك المنطقة، بل ستمتد لا محالة لتتأثر بها بعض الدول العربية القريبة منها، وعلى رأسها السودان وجيبوتي والصومال، إضافة إلى دول أخرى مثل مصر والإمارات وإريتريا والسعودية تجد نفسها معنية بشكل ما بالأزمة الإثيوبية.
اعتبرت مصر أن بناء سد النهضة الإثيوبي دون اتفاق معها يشكل تهديدا مباشرا لأمنها القومي، وهو ما لخصه الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية نادر نور الدين بالقول إن «المياه قضية أمن قومي لأننا لا نملك موارد غير نهر النيل.. مصر تعتمد بنسبة 97% على مياه نهر النيل التي تأتي من خارج الحدود».
وانطلاقا من ذلك، سعت مصر إلى تعطيل بناء السد بشتى الطرق القانونية والسياسية وعبر المفاوضات، ولكن جهودها لم تفلح في ثني إثيوبيا عن بناء السد الذي اكتملت منشآته بنسبة 63%.
وقد اتهم صراحة رئيس الوزراء ديسيلين الطرف المصري بالتدخل في بلاده حينما قال إن «العناصر المناوئة للسلام في إثيوبيا تتلقى دعما ماليا وتدريباً في القاهرة، وإن قيادات المعارضة المسلحة انتقلت من إريتريا إلى القاهرة لتتلقى الأوامر من الأخيرة لزعزعة الاستقرار واستهداف أمن إثيوبيا القومي».
كما ساهمت التحركات المصرية العسكرية مؤخرا عبر قاعدتها العسكرية بإريتريا في تعزيز تلك الاتهامات، حينما كشفت مصادر خاصة لمراسل الجزيرة في إثيوبيا عن وصول تعزيزات عسكرية من مصر تشمل أسلحة حديثة وآليات نقل عسكرية وسيارات دفع رباعي إلى قاعدة «ساوا». وردت إثيوبيا بتحركات مماثلة، ففي 5 يناير الماضي نقلت صحيفة «الصيحة» السودانية عن مصادر إثيوبية أن قيادة المنطقة الغربية الإثيوبية أرسلت تعزيزات عسكرية قبالة المثلث الحدودي مع جارتها إريتريا.
بدوره سارع السودان مطلع العام الحالي إلى نشر آلاف الجنود على طول الشريط الحدودي مع إريتريا، بالموازة مع تقديم دعم سياسي لإثيوبيا «بحكم الروابط القوية وتاريخ المصالح والمصير المشترك». وعلى ضوء تلك التطورات دخلت بعض دول الخليج العربي على خط الأزمة الإثيوبية بفعل التحالفات القائمة بين القاهرة والإمارات والسعودية وإريتريا التي تستضيف قواعد عسكرية مصرية وإماراتية في جزرها وموانئها -وأهمها ميناء عصب- وفي الممرات المائية بين إرتيريا وجيبوتي عند مدخل مضيق باب المندب الاستراتيجي، بحسب مجلة «جنيز ديفنس» المتخصصة في الشؤون الدفاعية. وفي انتظار كيف ستؤول الأزمة الإثيوبية، حذّر الخبير في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية الأميركية «ستيفن كو» من احتمال تورط دول خليجية في هذه الحرب، مشيرا إلى أن الإمارات ستنخرط في هذا الصراع على ضوء علاقاتها بمصر وإريتريا.
ويعتقد مراقبون أن هناك أربع دول عربية مرشحة للانخراط في الصراع الإثيوبي الداخلي، فالسودان الحليف الوثيق للنظام الإثيوبي يتخوف من حرب أهلية في إقليم أروميا تدفع بآلاف اللاجئين إلى داخل حدوده. كما سيؤثر الصراع سلبا على إكمال بناء سد النهضة الذي يعول عليه في مده بالطاقة الكهربائية التي تمكنه من إقامة مشاريع زراعية ضخمة.
في المقابل، ستجد مصر في الصراع الداخلي الإثيوبي فرصة لوقف تقدم بناء السد أو تعطيله نهائيا. وبانشغال إثيويبا بصراعاتها الداخلية سيعزز التحالف السعودي الإماراتي الإريتري وجوده السياسي والعسكري في منطقة القرن الأفريقي.
وسيؤثر المشهد الداخلي الإثيوبي لا محالة على المشهد الإقليمي، حيث يتوقع أن يؤثر الصراع على أهم ممر مائي في العالم بمنطقة القرن الأفريقي (البحر الأحمر) الذي تمتد شواطئه على مدى أربعة آلاف كيلومتر يربط بين ثلاث قارات (أفريقيا وآسيا وأوروبا) ويمر عبره أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا.
ومن المحتمل أن تكون الاستثمارات العربية في إثيوبيا (نحو 46.2 مليار دولار حسب إحصاءات مفوضية الاستثمار الإثيوبي) معرضة للخطر. وتأتي السعودية في المرتبة الأولى إذ تستثمر -حسب القنصل العام لإثيوبيا في مدينة جدة مروان بدري خمسين مليار ريال (13.3 مليار دولار)، إضافة إلى استثمارات أخرى قطرية وإماراتية وسودانية. في المقابل، تبلغ الصادرات الإثيوبية إلى دول الخليج 16 مليار دولار، ومن المرجح أن تتأثر إذا تفاقمت الأزمة السياسية ولم يجد الساسة الإثيوبيون حلا لها.
copy short url   نسخ
27/02/2018
2734