+ A
A -
كتب سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، مقالاً بعنوان: «صراعات لا لزوم لها»، نشرته صحيفة «هانديلسبلات» الألمانية واسعة الانتشار، أمس.
ويأتي ذلك تزامناً مع أول مشاركة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في مؤتمر ميونخ للأمن.
وفيما يلي نص المقال:
يشهد مؤتمر ميونخ للأمن هذا العام، أول مشاركة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر. ومن المخطط أن تشهد اجتماعات هذه المؤتمر، وكذلك اللقاءات الثنائية على هامشه، مناقشة النزاعات في الشرق الأوسط والأدنى.
منذ شهر أبريل في العام الماضي، أصبحت دولة قطر موضعاً لحملة تشهير أميركية ودولية إعلامية، ممنهجة ومنظّمة ومنسّقة بعناية. ففي غضون ستة أسابيع فقط، نشرت وسائل الإعلام الأميركية وحدها 15 تقريراً ومقالة موجّهة ضد دولة قطر. وبعد بضعة أسابيع، بتاريخ 24 مايو 2017 تعرّض الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء القطرية، وكذلك موقعها على تويتر، لقرصنة إلكترونية، حيث تم نشر تصريحات مزيّفة، نُسبِت لسمو الأمير ولوزير الخارجية.
وتلقّفت وسائل الإعلام في المملكة العربية السعودية، وفي الإمارات العربية المتحدة هذه الأخبار المزيّفة، وقامت وسائل الإعلام في هاتين الدولتين بنشرها، وذلك على الرغم من نفي دولة قطر لصحة هذه الأخبار جملة وتفصيلاً. وكانت هذه الحملة حملة شريرة.
تتضح سخافة الاتهامات الموجّهة ضد دولة قطر، عندما ينظر المرء إلى تاريخ التجربة القطرية خلال مسيرة العقود الماضية. فبوصفها دولة صغيرة، محاطة بقوى إقليمية، دأبت دولة قطر على الدوام على لعب دور الوسيط، الذي ركّز على الاعتماد على التواصل والحوار والتقارب. وفي الوقت نفسه تحتضن دولة قطر تحالفاً دولياً ضد الإرهاب يضم 19 دولة وأمة، بما في ذلك ألمانيا، حيث يقاتل هذا التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
حصار غير مُبَرَّر
بعد جريمة القرصنة الإلكترونية فرض بعض جيراننا حصاراً غير قانوني وغير مبرَّر علينا في شهر يونيو 2017. حيث قطعت السعودية والإمارات ومصر والبحرين علاقاتهم الدبلوماسية مع دولة قطر، إذ اتهموها بدعم وتمويل منظمات إرهابية. وقامت هذه الدول بإغلاق الحدود البرية الوحيدة مع قطر، ومنعوا طائراتنا من الهبوط في أرضيهم، واستخدام مجالهم الجوي، كما منعوا خطوط طيرانهم من الهبوط في مطار الدوحة.
وأضحت قطر هدفاً للتشويه والعزلة. وبوصفها خلاف بين الأشقاء، أتت الأزمة الخليجية مفاجِئة لدولة قطر، وبيّنت بشكل واضح مخاطر العدوان الانفعالي، إذ قُطِعَت أواصر العائلة الواحدة، حيث أُجبِرَ المواطنين القطريين على مغادرة أراضي هذه الدول، بصرف النظر عمّا إذا كان لديهم عائلات في هذه الدول، أو كانوا يتلقّون العلاج في مستشفيات هذه الدول. وطالبت هذه الدول الأربع مواطنيها، بمغادرة الأراضي القطرية بشكل فوري، وترك عائلاتهم القطرية لوحدها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العائلات الخليجية تتزاوج وتتصاهر فيما بين بعضها البعض. وفجأة دُمِّر كل شيء بين ليلة وضحاها. حيث تم إلغاء العقود التجارية، وتم مصادرة الممتلكات الخاصة لمواطنينا ولشركاتنا بشكل غير قانوني، وهكذا بكل ببساطة.
ورغم ذلك، فإننا نأمل في أن يتمكّن مجلس التعاون لدول الخليج العربية – والذي يضّم تحت سقفه اتحادا لدول خليجية، مثله في ذلك مثل الاتحاد الأوروبي– في أن يتمكّن من إعادة بناء هذه الوحدة. فمواطنو قطر هم متسامحون وأصيلون، وحريصون على العيش في انسجام. فنحن لا نستطيع ولا نريد قطع هذا الرابط التاريخي في الخليج الذي يربطنا ببعضنا البعض.
فهذه هي الروابط الوثيقة، الأسرية والعائلية والثقافية والاقتصادية، التي تجعلنا أقوى. ولهذا فإننا نريد المحافظة على مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتعميق دوره. إن قطر ستبقى على الدوام منفتحة على الحوار إزاء دول الحصار. ونحن نتمنى أن يتم هذا الحوار في ظل إطار مجلس تعاون خليجي شفاف، يمثّل مصالح جميع الدول المنضوية تحت سقفه بنفس الدرجة، ويدافع عن حقوق جميع أعضائه، ويقدّم آليات وطرق واضحة لحل الخلافات، ويتخّذ من العقلانية، لا من اللامبالاة العمياء، نهجاً له.
ومثلما قال وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل بعدما قامت هذه الدول بفرض الحصار، فإن سيادة أي دولة تمثّل خطاً واضحاً، لا يجوز لأحد أن يتجاوزه. وهذا ما ندعو إليه الدول الشقيقة في المنطقة. فالأزمة الخليجية هي صراع لا لزوم له، ولا طائل منه، وتسبّب في خلق حالة من انعدام الأمن في الجزء الوحيد المستقر من منطقة غير مستقرة. فمنطقة الشرق الأوسط والأدنى المبتلية منذ زمن بعنف مفرط وبعدوان لديها من المشاكل ما يكفيها. فانعدام الاستقرار في المنطقة هيّأ التربة الخصبة لجيل قادم من المتطرفين والإرهابيين. والإرهاب المنتهِك لحقوق الإنسان، يصيب أوروبا، بنفس القدر الذي يتسبب فيه بمآس في دول الشرق الأدنى والأوسط. فمنذ زمن طويل لا تزال الحقوق الأساسية للناس ولاحتياجاتهم تُداس بالأقدام.
دأبت دولة قطر منذ عقود طويلة على الاستثمار وبكل نشاط في القطاع التعليمي، سواء أكان ذلك داخل حدودها، أو في المنطقة كذلك، بهدف وضع حجر الأساس للتعددية وللعدالة الاجتماعية. حيث نجحنا في استقطاب أبرز الجامعات الدولية إلى الدوحة، ونحن على قناعة تامة، بأن التعليم، والتعددية، والمشاركة، والعدالة، هي الأعمدة الضرورية والمهمة للأمن المستدام، وللاستقرار في المنطقة.
تغيير جوهري في الشرق الأوسط
يجب أن تُزهر مجدداً البيئة التي دمرّتها الثورات المضادة التي انقلبت على ما سُمّي بالربيع العربي. ومنذ عام 2012 استثمرت دولة قطر أكثر من 4 مليارات يورو في المساعدات التنموية، ومكّنت بذلك أكثر من 9 ملايين طفل حول العالم من الحصول على التعليم. ولكي تؤتي هذه الاستثمارات ثمارها، فإنه من الضروري أن تتغير الظروف الخارجية في المنطقة: إذ يجب وضع حدٍ أمام الدول التي تحاول من خلال الخداع والتدليس فرض إرادتها على الآخرين، وأمام الأنظمة القمعية التي تتجاهل الحقوق والأخلاق، وأمام أصحاب السلطة الذين يغتنون ويتربّحون على حساب مواطنيهم.
وفي الوقت الذي يقف فيه الشرق الأدنى والأوسط أمام تغيير جوهري، تحتاج أوروبا بوصفها جاراً مباشراً، إلى شريك في المنطقة، يقف بشكل واضح ضد الطائفية الدينية، والإيديولوجيات المقسِمَة. فأوروبا تحتاج إلى شريك لا يميّز بين الناس بسبب جنسهم أو دينهم أو عرقِهم، أو جنسيتهم، شريك يعتمد الحوار البنّاء بين جميع الأطراف والأجنحة، شريك لا يعتمد على الاستقطاب، وإنما يسعى إلى التعايش السلمي.
وقطر هي شريك يتمتع بهذه المواصفات. ورغم أننا دولة صغيرة، إلا أننا نستخدم قوتنا الناعمة، لحل النزاعات بشكل سلمي، ولتشجيع التنمية.
إن قطر تريد العمل مع ألمانيا على تحقيق تحوّل إيجابي في الشرق الأوسط والأدنى. فبعد أربعة وأربعين عاماً على العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين البلدين، أصبحت قطر شريكاً موثوقاً لألمانيا في المنطقة. إذ ترتبط البلدان بعلاقات وثيقة وخاصة في المجال الاقتصادي.
تُعتبَر ألمانيا ثالث أكبر مصدّر إلى قطر، كما تستثمر قطر أكثر من 21 مليار يورو في صناعة السيارات والتكنولوجيا والمصارف الألمانية. وتمثّل قطر أكبر مستثمر عربي في السوق الألمانية.
دور ألمانيا المهم في التصدير
تلعب ألمانيا دوراً مهماً في الاقتصاد الصناعي والإنشائي في قطر، وكذلك في المنشآت التي ستستضيف ألعاب مونديال 2022. إذ تسهم الشركات الألمانية في مشاريع بقيمة تتجاوز 20 مليار يورو في قطر. وقوة العلاقة التي تربط البلدين، لا تقتصر على الميدان الاقتصادي وحده وحسب، إذ يرتبط البلدان بعلاقات وثيقة في الميدان الثقافي أيضاً. إذ تستثمر قطر في المتاحف الألمانية، بشكل يحقق التقارب بين ثقافتينا، وقبل فترة وجيزة، قمنا بتدشين «الديوان» كبيت ثقافي قطري في برلين، بهدف تشجيع التبادل الثقافي بين البلدين.
من الواجب أن نبني على هذه الأسس الواقعية، لكي نهيّأ مستقبلاً أفضل، لا لبلدينا وحسب، وإنما لكامل المنطقة. إذ يجب علينا أن ننجح في الحيلولة دون اضطرار الناس إلى مغادرة منازلهم، وفي تمكينهم من العودة إليها. ونحن مستعدّون لإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع وأجهزة الدولة في الشرق الأوسط والأدنى. ولهذا السبب فإن قطر تؤّيد وتدعم إقامة حوار إقليمي استراتيجي، يرتكز على مبدأ التعايش السلمي المشترك في المنطقة، وعلى الأمن والعدالة لضمان الرخاء. وهذا ما ندعو إليه أيضاً جميع جيراننا في المنطقة.
copy short url   نسخ
18/02/2018
3963