+ A
A -
إنها هناك يا سيدي، أعرف كما تعرف أنك تخفيها عن كل الآخرين، وتحاول إخفاءها عن نفسك، لكنها تفاجئك دائما بحضورها المزعج حتى في أحلامك، تتصرف دائما مع الآخرين وكأنها غير موجودة، تستحي من الاعتراف بها، هل عرفتَ الآن ما هي؟! إنها أخطاؤك يا صديقي.

الأخطاء هي المعلم الأول في الحياة وليس أفلاطون ولا الفارابي ولا ابن سينا، نحن مكونون من مجموعة أخطاء، نحن أخطاء متراكمة تمشي في الشوارع وتتناول الأطعمة في الأماكن العامة وتشرب القهوة في زوايا الميادين وتتذكر، خطأ علمك درسا، وخطأ آخر علمك درسا آخر، والغريب ألا أحد يتعلم الدروس من أخطاء غيره، كُتب التاريخ تحكي لنا عن أخطاء السابقين القاتلة، ولكننا نكررها بغباء بشري، وعناد غير مفهوم، من قال إن الأخطاء يجب ألا تحدث؟!

كم خطأ أوجد اكتشافا علميا مذهلا، ألم يكن خطأ سقوط ورقة الشاي في كوب الماء الساخن أمام الرجل الصيني العجوز، كان خطأ تسبب في اكتشاف نبتة الشاي، وانتشار هذا المهدئ السحري في كل أنحاء الأرض، وازدهار تجارة الشاي التي تدر على العاملين فيها ثروات لا تُحصى.

هل تعلم السبب في خيبات أمتنا وخيبات أبنائها الذين يتفاخرون بجذورهم أكثر مما تفاخر عمرو ابن كلثوم، السبب يا صديقي هو عدم الاعتراف بالخطأ، وعدم الاعتراف هذا يستوجب وجود خطأ آخر للتغطية على الخطأ الأول، وهكذا تستمر سلسلة الأخطاء التي نحاول إخفاءها عن عيون بعضنا البعض، بل ونحاول إخفاءها عنا، وفي الوقت ذاته اعترف أعداؤنا بأخطائهم فنجحوا وبرزوا وهزمونا، والحقيقة هي أن إخفاء أخطائنا هو السبب الرئيسي في كل هزائمنا.

حريصون دائما على الظهور بمظهر الملائكة، مع أن رسولنا الكريم بشر مولود من أب وأم، تملأ أرواحنا عذابات أخطاء لا نعترف بها، إنه الجُبن الغبي أو الغباء الجبان، كيف تدعي المعرفة يا من لا تعرف، كيف تتعلم من أخطائك، وكيف تدعي الصدق وأنت تخفي أخطاءك حتى عن نفسك، وكيف تدعي الاستقامة واستقامتك مستمدة من مجموعة كبيرة من الأخطاء التي لا تعترف بها.. كيف؟!

قل شكرا لأخطائك لأنها من رافقك منذ البداية، كنت ترى احمرار الجمر في الكانون المصنوع من صلصال الحقل البعيد وتتعجب من جمال ذلك الاحمرار وتتمنى لمسه، وحين تجرع إبهامك وجع الحريق عرفت أن ليس كل جمال يُلمس.

أخطاء والدينا هي التي علمتنا، كانوا يضربوننا حين نخطئ، لكنهم لا يشرحون لنا الطريقة التي نتعلم بها من الخطأ، لذلك تعودنا على إخفاء أخطائنا كي لا يراها ولي الأمر فيعاقبنا، وأصبح إخفاء الأخطاء عادة ملازمة لنا نمارسها مع أهلنا ومع مدرسينا ومع زوجاتنا ومع أبنائنا ومع رجل المرور ومع بائع الحلوى وماسح الأحذية، صار الاعتراف بالخطأ أمرا نادرا لا يقوم به سوى العظماء، لا يا صديقي من قال ذلك؟! تقدم بهدوء وثقة وقف مباشرة أمام خطئك، اعترف به، وتعلم منه ألا تكرره، افعل كل ذلك بإرادة مكللة بابتسامة، بذلك تكون عظيما، وتكون إنسانا جديرا بالحياة، وبذلك تكون قويا وشجاعا، أما الصورة التي أنت عليها الآن، والتي تخفي فيها أخطاءك وتتباهى بميزات لستَ صاحبها، من قال إنها صورة جميلة، إنها أقبح من القبح، وأسوأ من السوء، أخرج منها بسرعة كي أسمعك ثانية يا... صديقي.
copy short url   نسخ
30/06/2016
2382