+ A
A -
وسط القلق الذي انتاب كافة الأسواق العالمية خلال الأيام الأخيرة عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واستمرار الركود الاقتصادي الذي تعاني منه الدول الكبرى، فرض ملف حوافز الاستثمار نفسه على الساحة من جديد، مع احتدام المنافسة على جذب الاستثمارات الأجنبية، لتحريك الأسواق ورفع المعدلات.
وأكد خبراء الاقتصاد أن المنافسة بين مختلف الدول على لفت أنظار الشركات الكبرى وجذبها، وصلت إلى أعلى درجاتها خلال الآونة الأخيرة، موضحين أن الكيانات الاستثمارية الكبرى بدأت في البحث عن ملاذ آمن بعيدا عن الاضطرابات السياسية التي عصفت بدول كثيرة.

وشهدت الفترة الأخيرة اضطرابات عدة بالعديد من الأسواق العالمية عقب إعلان نتائج استفتاء بريطانيا والتي أسفرت عن خروجها من الاتحاد الأوروبي، وذلك في الوقت الذي تسعى خلاله الاقتصاديات الكبرى إلى تحريك الأسواق، وبدء عودة أسعار النفط تدريجيا إلى مستويات مقبولة، مقارنة بما كانت عليه مع بداية العام.
وأشار الخبراء أن الفترة الحالية تتطلب تركيزا كبيرا من كافة الحكومات وخاصة الوزراء القائمين على المف الاقتصادي، لوضع الآليات التي تمكنهم من تجاوز المرحلة الحالية، بل والعمل على زيادة الاستثمارات في مختلف المجالات، لإضفاء المزيد من القوة على اقتصادهم ويجنبهم التبعات المتوقعة لخروج بريطانيا من أوروبا واهتزاز المؤسسات المالية الكبرى نتيجة لذلك.
البداية مع الخبير السعودي محمد العمران الذي أكد أن المملكة بدأت العمل فعلاً وبشكل جاد وصحيح في تنفيذ «رؤية 2030» وبرنامج التحول الوطني 2020، مشيرا إلى أن السعودية تسابق الزمن لتحقيق الانفتاح الاقتصادي أمام الاستثمارات الأجنبية ذات القيمة المضافة من حيث النوع والحجم، ولا يمكننا إنكار أننا كنا نرغب في هذا التوجه منذ سنوات طويلة.
وأشار العمران إلى أنه بالنظر إلى سياسة السعودية الاقتصادية أمام الاستثمارات الأجنبية سنجد أنها خلال عقود من الزمن افتقدت للمصداقية والوضوح، فسنجد مثلا أن تطور القطاع المصرفي في المملكة منذ منتصف السبعينيات ووصوله اليوم إلى مستويات متقدمة لا تقل مكانة عن كبرى المؤسسات المالية عالمياً أو إقليمياً كان سببه الرئيسي هو تشجيع ودعم وجود المصارف الأجنبية من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وهولندا من خلال احتفاظ الشركاء الأجانب بحصص أقلية في رؤوس أموال بعض المصارف في المملكة لا تتعدى 40 %.
وأكد العمران أن التوجه الحالي أصبح واضحاً نحو جذب الاستثمارات الأجنبية ذات القيمة الحقيقية المضافة ومن دول ذات ثقل سياسي واقتصادي عالمي من خلال دخولها المباشر للاقتصاد السعودي وضخها لرؤوس أموال مملوكة لها بنسبة 100 %، موضحا أن تلك الخطوة ستضيف للناتج المحلي السعودي وستخلق فرص عمل جديدة للشباب وسترفع من درجة المنافسة المحلية وستحسن من مستوى الخدمات المقدمة للمواطن والمقيم.
وتابع أن كل تلك الخطوات تأتي في مناخ من المنافسة الشريفة مع دول المنطقة التي سبقتنا في ذلك لسنوات طويلة مثل الإمارات وقطر مع عدم الإضرار بالمستثمرين السعوديين الحاليين.
وأكد الخبير الاقتصادي بشير الكحلوت أن القوانين والتشريعات التي أقرتها الحكومة القطرية على مدار الأعوام السابقة زادت من رغبة المستثمرين في إقامة مشروعات جديدة، الأمر الذي وضع قطر على خريطة الاستثمارات العالمية، مشيرا إلى أن الشهور الأخيرة شهدت تحركات عالمية كبيرة من مختلف الدول للفت أنظار الشركات العملاقة وإدخال تعديلات على مناخها الاستثمارى أو المصرفى لتحقيق ذلك.
وأشار إلى أن الاقتصاد القطري نجح بفعل النتائج التي ترتبت على تهيئة المناخ الاستثماري من النمو بشكل سريع، مما جعله الاقتصاد الأسرع نموا في العالم، نظرا لما يتميز به من حوافز وامتيازات تجذب المستثمرين الأجانب ورؤوس الأموال الخارجية، إضافة إلى شفافية وسهولة الإجراءات التي من شأنها تعزيز أداء مختلف القطاعات والنشاطات التي يتألف منها الاقتصاد سواء الاستثمارية أو الصناعية أو التجارية أو الخدمية.
وقال إن أبرز القوانين التي ركزت عليها قطر للفت أنظار الشركات الكبرى تمثلت في قانون الدين العام وقانون الشركات، وقانون حماية الملكية الفكرية، وقانون غسل الأموال، وقانون العلامات التجارية وبراءات الاختراع، وقانون الوكالات التجارية، وقانون حماية الأسرار التجارية، إضافة إلى قانون المناطق الحرة الاستثمارية الذي يهدف إلى إدارة وتطوير المناطق الحرة الاستثمارية وفقا لأفضل المعايير الدولية، وتشجيع وجذب الاستثمارات في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا والإنتاج والتصدير.
وأشار إلى أن قطر تعد من الدول المنافسة اقتصادياً على مستوى المنظومة الخليجية، بل العربية بشكل عام، حيث احتلت المرتبة الثالثة عشرة في قائمة التنافسية العالمية لعام 2015، والثانية عربياً بعد الإمارات العربية المتحدة، وفقا لتقرير التنافسية العالمية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD) بسويسرا، من بين 61 دولة، معظمها من الدول المتقدمة.
الدكتور محمد إبراهيم الرميثي الخبير الإماراتي قال إن استقطاب الكيانات الاقتصادية الكبرى بات يمثل الصراع الأكبر على الساحة الاقتصادية خلال الفترة الأخيرة، خاصة مع إعادة كبرى الشركات النظر في تواجدها بأسواق أوروبا وعزمها البحث عن أسواق آمنة بعيدا عن الاهتزازات التي عصفت بها مؤخرا.
وأضاف أنه بالنسبة للإمارات فإن المحاور التي تم الاعتماد عليها لتشجيع الاستثمارات المشتركة ولفت أنظار الشركات الأجنبية، زادت من مرونته، مقارنة بالبيئة الاقتصادية العالمية الصعبة، مشيرا إلى أن استقرار عملة الإمارات مقابل الدولار الأميركي زاد من رغبة المستثمرين في ضخ استثمارات جديدة، في ظل العملة الآمنة وسهولة تحويلها مع عدم فرض أي قيود على إعادة تصدير الأرباح أو رأس المال.
وأوضح الرميثي أن الحكومة الإماراتية نجحت في خفض الضرائب على الواردات بنسبة لا تقل عن 5 % تقريباً على كل البضائع، وانعدامها بالنسبة إلى واردات المناطق الحرة والكلفة المنافسة للعمالة، مؤكدا أن الإمارات تتمتع أيضا بعدم فرض ضرائب على الشركات أو الأفراد إلى جانب تدني مستوى المخاطرة الائتمانية في الإمارات والموقع الاستراتيجي الذي يؤمن سهولة الوصول إلى الأسواق الإقليمية والعالمية وهي العوامل الرئيسية في جذب الاستثمارات الأجنبية.
وأكد أن إرساء القواعد الخاصة بجذب الاستثمارات الأجنبية من خلال سن القوانين والتشريعات ساعد الإمارات على التواجد في مصاف الدول الجاذبة للاستثمار من خلال سهولة الإجراءات وانخفاض نسبة الضرائب والبنية التحتية الهائلة التي تسمح للمستثمرين بممارسة أعمالهم بكل سلاسة ويسر.
وفي الكويت أكد خبير الأسواق أحمد حسن كرم أن التمويل هو العنصر الأساسي والرئيسي الذي يعانى منه المستثمرون هناك، في ظل التشدد الكبير من قبل البنوك المحلية بالكويت في منح قروض جديدة أو فتح خطوط الائتمان للراغبين من الشركات المحلية في تنفيذ مشاريع خاصة، أو استكمال ما لديها من مشاريع قيد التنفيذ.
وأضاف أن تلك الإجراءات انعكست سلباً على الوضع العام للعديد من الشركات التي قلت أرباحها بشكل كبير على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، بالإضافة إلى المشكلات التي يعانى منها قطاع الاستثمار العقارى فيما يتعلق بالقوانين والتي لا تتواكب مع متطلبات القطاع الاستثماري خلال المرحلة الحالية.
وأكد كرم أن هناك محادثات كبيرة تجرى بين منظمات الأعمال ومسؤولي الحكومة للتوصل إلى صيغ مناسبة لبنود القوانين المتعلقة بالقطاع الاستثماري، بما يساعد في إزالة عقبات المستثمرين وتوفير متطلبات الشركات الأجنبية للعمل بآليات أكثر توسعية داخل السوق بمختلف القطاعات الصناعية.
ومن جانبها علقت الحكومة التونسية آمالا كبيرة على المؤتمر الاقتصادي الأول حول الاستثمار والذي تحتضنه نهاية نوفمبر المقبل، وذلك ضمن خطواتها لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية خلال الأعوام المقبلة، في ظل العقبات التي يعانى منها الاقتصاد التونسى خاصة في ما يتعلق بالقطاع السياحى الذي شهد تراجعا كبيرا خلال العام الجارى ومنذ الأحداث الإرهابية التي ضربت تونس خلال الفترة الماضية.
وأكد أستاذ الاقتصاد معز الجودى أنه لا سبيل أمام إنقاذ الاقتصاد التونسى سوى بزيادة معدلات الاستثمارات الأجنبية لتعويض الخسائر التي لحقت به على مدار السنوات الأخيرة، وعقب الانخفاض الحاد في معدلات القطاع السياحى نتيجة العمليات الإرهابية، مشيرا إلى أن التركيز على الشركات الفرنسية والألمانية وشركات كوريا الجنوبية يعد الحل الأمثل، نظرا لإعلان تلك الدول عزمها ضخ استثمارات جديدة في الأسواق الخارجية.
وأضاف الجودي أن مناخ الاستثمار في تونس لا يختلف عن الوضع في العديد من اقتصاديات المنطقة، وخاصة مصر والتي تتشابه مع تونس في التغيرات السياسية الت شهدتها منذ 2011، مؤكدا أن وضع جدول زمني من قبل الحكومة والاستعداد للمؤتمر بأجندة واضحة المعالم تتضمن المشروعات المستهدفة والقطاعات التي سيتم التركيز عليها، مع عقد جلسات مع الوفود الأجنبية التي تزور تونس للتعرف على رؤيتهم للوضع الاقتصادي، وأبرز العقبات التي تواجههم، خاصة وأن تلك الخطوة تلعب دورا كبيرا في زيادة الثقة بين الحكومة والشركات الأجنبية.
copy short url   نسخ
30/06/2016
1306