+ A
A -
الخرطوم- عامر أحمد
الروائية والشاعرة التونسية فاطمة بن محمود مثقفة وروائية وشاعرة، درست الفلسفة وتدرسها، اختارها المجمع التونسي للآداب والعلوم والفنون «بيت الحكمة» من أبرز الشخصيات التونسية والأدبية في النصف الثاني من القرن العشرين. وفي الشعر أصدرت «4» مجموعات شعرية: «رغبة أخرى لا تعنيني»، «مالم يقله القصيد» «الوردة التي لا أسميها» «لا توقظ الليل». ورواية «امرأة في زمن الثورة»، ومجموعة قصصية قصة قصيرة جداً «من ثقب الباب». وفي النقد «جدلية الانتصار والهزيمة في قفص الاتهام» للكاتب اسماعيل اليحياوي و«دلالة السارد في فتنة الشمس للقاص المغربي نفيس مستاوي». زارت الخرطوم للمشاركة في اجتماعات اتحاد أندية القصة والسرد العربية، فحاورتها حول تونس التغيير والياسمين والتحديات الماثلة، تونس المرأة وما وجدته من حقوق وما تدافع عنه من حداثة ونهضة ومستقبل.
قالت عن زيارتها للسودان:
- سعيدة بزيارتي الثانية لهذا البلد الحبيب إلى نفسي والذي تعرفت عليه قبل زيارته عن طريق كتاب سودانيين تمثلهم في المقدمة عبقري الرواية العربية وأيقونة الابداع الكاتب العالمي الطيب صالح وازدادت سعادتي بالتعرف على المنجز الأدبي السوداني وما يحتويه من تنوع خلاق وأدب له نكهته الخاصة غير المتشابهة مع بقعة جغرافية أخرى.
الربيع التونسي له عبق الياسمين، لماذا لم ينعكس على الأدب والتعبير عن لحظة مفصلية لبلد حكمها بورقيبة حكم الأب و«بن علي» حكم التسلط؟
-هناك نوعان من الكتابة عن الثورة يراها النقاد، وهي الكتابة الأولى يتم تصنيفها حماسية تقودها العاطفة والاستعجال ومن النادر نضجها وأنا شخصياً ضد هذا المفهوم، لأنها تعبر عن نبض الناس وإحساسهم بالثورة وعمق الثورة وتشظيها أيضاً.
والكتابة الثانية؟
- تثمر بعد سنوات ونحن ما زلنا في مرحلة الكتابة الأولى، الكتابة المتشظية. والنقاد ومنظرو النقد الأدبي يصفونها كما قلت لك بالاستعجال وأنا أتمنى على النقاد مراجعة هذا المفهوم وصياغة مفهوم آخر يعبر عن هذه الكتابات التي تظهر أثناء الثورة والتي تسيرها وتجد القبول والترحاب والنقاش من القارئ.
المتغيرات الاجتماعية التي صاحبت الثورة وأثارت انقلاباً شاملاً في الساحة التونسية لا تجد لها أصداء في الكتابة الأدبية؟
- العديد من الكتابات في الرواية والشعر والنقد وهي مختلفة في قيمتها الأدبية إلا أنها ذات قيمة وأحاطت بما تسميه متغيرات اجتماعية في أثناء وعقب الثورة ونجاحها.
روايتك عن الثورة «امرأة في زمن الثورة»؟
- سعيدة بصداها عند كثير من الكتاب السودانيين وهذا ما يود الكاتب أن يراه وامرأة في زمن الثورة محاولة سردية لقراءة واقع التغيير والمتغيرات التي شهدتها تونس.
المرأة التونسية التي أخذت الكثير من الحقوق في عهود سابقة وكانت مثار غيرة من بعض نظيراتها العربيات، هل هذه المرأة بهذه المواقع والحقوق داخل المجتمع وبالتلقائية والبساطة مع العلم الذي تحمله مع الثقافة العالية، هل وجدت ما وجدته في ظل «بورقيبة» مع ما تراه من متغيرات تحيط بها؟
- من أبرز عناصر الثورة التونسية، أن المرأة كانت ركنا أساسيا فيها، ساهمت في الحراك الثوري بشكل كبير، خرجت في المظاهرات وكانت تقودها، وتصنع الشعارات وموجودة في كل لحظات الثورة، وفي المرحلة الأولى من الثورة كانت هناك محاولات لإحكام القبضة على المجتمع ولكن المرأة قاومت بشكل قوي.
ماهي ملامح هذه المقاومة وشكلها القوي؟
- كانت المرأة تقود التيار «الحداثي» وتدافع بشراسة عن حقوقها وحقوق المجتمع وتدافع عن وجودها ووجود الرجل إلى جانبها، المرأة كانت رقما صعبا في تونس ولا تزال، لا يمكن لأي منظومة أن تنجح في أن تمس حضورها أو تقصيها أو تزعزع مكانتها.
هل أنت راضية عن موقع المرأة المبدعة في الخريطة الثقافية التونسية؟
- أنا سعيدة ولست راضية، سعيدة لأن المرأة حاضرة بقوة في المشهد الأدبي التونسي أو في المجتمع ككل وتموقعها القوي والمدعم بحضورها، ولست راضية لأنني أطمع إلى ما هو أفضل.
الربيع العربي الذي عم الوطن العربي من اشترك فيه ومن ينظر إليه بعين هل عبر عن الجماهير حقيقة وأين موقعه الآن في المخيلة الجمعية لهذه الجماهير؟
- إذا قرأنا قراءة آنية نقول إنه أحبط كثيراً الشعوب، لبروز روح فوضوية سياسية اقتصادية، ثقافية ووضع غير آمن ونزاعات مسلحة في بعض الأقطار ونزاعات سياسية طاحنة في البعض الآخر. وضع غير مريح تماماً، بارتفاع معدلات البطالة، وهذا مما ساهم في البحث عن عمل عبر طريق الهجرة ولكن التفاؤل يأتي بأن هذا المخاض العسير ستنجلى عنه هذه الهموم والأزمات وتصفو بالحرية الكبيرة الشاملة وازدياد قيمة الانسان واكتمال حريته والتعبير لديه وكذلك صورة المستقبل رغم ما نراه حالياً، حتماً هذا الحراك الشعبي الكبير والنهوض الذي نراه ستقطف الشعوب ثماره ويساهم في تغيير الذهنية اليائسة أو غير المنفتحة على التغيير.
هل يختلف تعريف الشعر في ظل الثورية؟
- الشعر هو الشعر، وهو قيمة جمالية، تظل هي نفسها. وقراءتي للفلسفة تمثل مرجعية هامة في تكويني الأدبي والسردي والشعري والخلفية الفلسفية لها تأثيرها الكبير ووجهت طريقة تعاملي مع النصوص الأدبية. وأنا أحبذ تعريف الفلسفة كتعريف للشعر بأن أتفلسف هي أن أقول «لا». والابداع عموماً هو أن نقول «لا» «لا» للأنماط السائدة، «لا» للحقائق الجاهزة والمعلبة في الأدب والشعر والرواية وفي الجمال. وكما تلاحظ من خلال الكلمة «إبداع» من «البدعة» و«البدعة» هي الخروج عن المألوف وعن السائد. الشعر هو أن نقول الأشياء العادية بطريقة غير عادية. والشعر والأدب صياغة العالم وفق رؤية جمالية مغايرة لما هو موجود. الابداع لا يمكن أن يكون محاكاة للواقع حتى لو أوهمنا بذلك، وهو خلخلة للواقع وبناء تصور جمالي وانساني مغاير تماماً.
هل ما زال الشعر في موقعه القديم، وهل غيب الشعر السرد في تجربتك؟
- الشعر لا يتزعزع، وحتى في ظل الفوضى، يظل حلما ويظل رغبة ويظل فكرة ومشروعا إنساني. ولكل نمط ابداعي مجال مختلف. يضيق هذا المجال أو ينحصر أو يتسع إلا أنه لا يغيب كلياً ولا يوجد نص نمط أدبي يستطيع القضاء على نمط آخر، وحتى نحن الآن في الفلسفة نتحدث عن فلسفة التنوع، يمكن أن تكون أطروحة فلسفية متنوعة، في جانب اشتراكية وفي جانب ميتافيزيقية. ثمة تقاطعات اذا صح التعبير ونحن نعيش عصر ثورة افتراضية، جعلت العالم كله «قرية» واحدة ولم يعد هناك مجال لأن ينفرد كل نمط أدبي بمجاله. والأنماط الابداعية تنفتح على بعضها وتأخذ من بعضها. لكل نمط مجاله الخصب الجمالي وحيزه الذي يتحرك ويعيش فيه، ولا يتلاشى أو يضمحل ولكنه يزدهر. السردية لم تخصم من الشعر أو الشعرية، بل زادته «ثراء» وأعطته نطاقاً واسعاً للتعبير وفي الشعر يمكن أن تجد موسيقى وسينما ومسرح الرواية وفي التشكيل، نجد الشعرية ونثريتها الواسعة. وكل نمط بمميزاته، لا يضمحل ولا يتنازل عن مكانته. وهذه أنماط متقاربة، لا تنقطع عن التأثير في غيرها مع البقاء صامدة وناصعة تزيد ولا تتغير.
كثير من النقاد يقول إن هذا زمن الانفجار الروائي وأنت شاعرة وروائية؟
- ربما هذا زمن الرواية ولكن هذا لا يعني إلغاء الشعر. وممكن أن نعيش زماناً آخر ابتعاد الرواية وفي فترة معينة يمكن أن يهيمن نمط أدبي لمجمل متغيرات والتاريخ هو الفاصل، أنا مع تراكم الخبرة الكتابية وهذا التراكم سيفرز الجيد من الرديء.
استسهال الكتابة الروائية؟
- في كل زمان وأوان، هناك الكتابة الجيدة وغيرها التي لا تعيش طويلاً. وتظل مهمة النقد قائمة دوماً في استبصار الكاتب لما تعوزه كتابته من تجويد. لست مع منع الكاتب بأدوات النقد الشديد، فلنترك الجميع يعبر ولكن بمعرفة أدوات الكتابة وخفايا وخبايا اللغة والحديقة لا يمكن أن تكون حديقة بزهرة واحدة.
هذه الكتابة السردية الكثيرة العدد والعناوين ألا تؤدي إلى غياب النقد والتمحيص؟
- بالعكس فإنها تساهم في ازدهار النقد ولا يزدهر النقد بغياب الكتابة والناقد هو المراقب الوحيد المسموح به في الحقل الأدبي.
هناك كتاب ينفرون من النقد؟
- أحياناً النقد يسقط في لون من الاخوانيات والولاءات ولكن على المستوى المفاهيمي، الابداع كمفهوم ككتابة ونمط مهما كان لونه، والناقد كمفهوم يجب أن يكون موجوداً وفاعلاً. والناقد الذي يخلد نفسه في التاريخ هو الذي في تكوينه شمول معرفي وحرفية وموضوعية والصدق في التعامل مع النص، ولا يمكن أن نقصي الذائقة الشخصية للناقد ولا يجب لهذه الذائقة أن تسقطه في الكتابة «الاخوانية» أو المجاملة على حساب النص والحقيقة. والشلليات النقدية في كل مجتمع بما فيها الأوروبي، نوع من المرض يصيب الساحة الثقافية لأنها تتحكم فيها وتنتصر لمن تود الانتصار له وتقف ضد من لا ينتمي إليها وقد تهمش نصا جيدا لصالح نص رديء وعندما تتحول هذه الشللية إلى سلطة مطلقة تتحول إلى حالة مرضية يجب الوقوف طويلاً لمعالجتها.
غياب الشعر «منبرياً»؟
- الشعر لم يغب عن المشهد. ولكن الايديولوجيات هي التي غابت، فغاب صهيل الشعر المنبري وانحسر هذا الدور لعوامل سياسية وايديولوجية وأزمنة كانت للشعر وقفته منافحاً ومدافعاً، والآن هناك نمط آخر للقصيدة، القصيدة النثرية أو الومضة وهي لا تحتمل المنبرية أو الحماسة.
تكتبين القصة القصيرة جداً ما الفرق بين القصة القصيرة والقصيرة جداً؟
- القصة القصيرة جداً تحتمل كثيرا من التكثيف وكثيرا من الاقتصاد في اللغة ولديها شروطها الخاصة بحيث لا تحتمل الوصف المسهب والاطناب في الكلمة وهي اقتصاد في اللغة وتكثيف في الصورة، وتنبني على المخاتلة وإرباك القارئ المفاجئ والمفارقة والاندياح.
أصبح لها جمهورها؟
- القصة القصيرة جداً، انتشرت واسعاً في الوطن العربي وهي تعبر عن حالة صحية وحالة الموت الابداعي تصيبنا عندما ننغلق على نمط واحد وثقافة واحدة، ونحن نعيش عصر الانفتاح الكوني بكل تجلياته الموجبة والسالبة.
copy short url   نسخ
16/01/2018
2584