+ A
A -
يستمد الروائي الجزائري صديق الزيواني من بيئة الصحراء الحكي ومن رمال السرد لغة السحر والدهشة، يعترف بجمائل الصحراء وبالرمل في متاهة كثبان الحقيقة.. ويرسم في رواياته خطوط طول وعرض الهوية ولا يخشى من تأثير الفرنسية لغة أو هوية، إذ أن الصحراء في مداها البعيد عنوان لمنبر ثقافي مفتوح يصفو به التفكير.. حدثنا عن سيرته الشخصية فقال:
- اسمي الشخصي: الصدّيق، ولقبي العائلي: حاج أحمد، أما اسم الشهرة الذي عُرفت به في الأوساط الأدبية؛ فهو الزيواني، شخص صحراوي بسيط بساطة الطين والرمل، ولدتُ ونشأتُ بأحد قصور الصحراء الجزائرية (ولاية أدرار)، تلقيتُ تعليمي الأول بمسقط رأسي (زاوية الشيخ المغيلي)، بعدها تدرّجتُ في التعليم النظامي، حتى نلتُ شهادة الدكتوراه في اللّسانيات، من جامعة الجزائر المركزية بالعاصمة، اشتغل حاليا كأستاذ محاضر لمقياسي اللّسانيات وفقه اللغة بكلية الآداب واللغات جامعة أدرار.
بدأتَ مسارك الروائي برواية مملكة الزيوان؟
- بعد صدور الطبعة الأولى لمملكة الزيوان، عن طريق دار فيسيرا بالجزائر سنة 2013، الحقيقة لم أتوقّع ذلك التلقي، الذي رافق صدورها، إن على مستوى المرافقة الإعلامية، أو على مستوى المتابعة النقدية، فقد تحدّثت عنها الصحف الجزائرية بكثافة باهرة، فكتبت حولها عديد المقالات، التي فكّكت شفراتها ومساراتها..
ما هي رهانات لغة الصحراء؟
- والحق يذكر، لعلّ فضاء الصحراء البكر، الذي جاءت به، كان من بين الرهانات، التي جعلتها تفتكّ هذا الاحتفاء، فبالرغم من شاسعة الصحراء الجزائرية، واكتنازها لكشكول متنوّع من المخيال الشعبي، إلا أنها ظلّت نادرة الورود، في مدونة السرد الجزائري، إذا ما استثنينا، تجارب قليلة، كرواية تلك المحبة للحبيب السايح، والمجموعة القصصية حائط رحمونة لعبدالله كروم، ورواية تنزروفت لعبدالقادر ضيف الله، ورواية سرهو لمولود فرتوني، ورواية الخابية لجميلة طلباوي، ومن ثمّة فإن تجربة مملكة الزيوان، جاءت عاكسة لفضاء الصحراء وفانتازيته الساحرة،
يحن الجنوب إلى الشمال، إلا جنوب صحراء الجزائر؛ فإنه يحن لجنوبه؟
- التقاطعات الجغرافية والتاريخية، بين الصحراء الجزائرية وإفريقيا، قديمة جدا، فنجد كتب الممالك والمسالك وكتب الرحالة، تخبرنا عن طرق القوافل بين الشمال والجنوب، وموقعة الصحراء من تلك المسالك والطرق، وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون تلك القوافل، قد نسجت علاقات ثقافية وتاريخية بين الصحراء الجزائرية وإفريقيا، كما أن ولايتي (أدرار)، هي ولاية حدودية، لها حدود مع دولتي مالي والنيجر، الأمر الذي يجعل هذه العلاقات متجذرة، فضلا على أن تجّار التمر التواتي، نحو أسواق تمبكتو، وغاو، وطاوة، ونيامي، كانت لهم اليد الطولى في انفتاحي على الثقافة الإفريقية منذ نعومة أظافري، حيث فتحت عيني في قصرنا الطيني، على تلك السلع الإفريقية، التي كان تجّار قصرنا، يجلبونها من إفريقيا، مما ولّد وعيا بهذه الثقافة ومكوناتها منذ الصغر.
كيف جاءتك فكرة كتابة رواية كاماراد رفيق الحيف والضياع، التي تناولت مسألة هجرة الأفارقة؟
- كما قلتُ لك سابقا، فإن ولاية إقامتي (أدرار) تقع على الحدود المالية النيجيرية، وبالتالي، فهي معبر استراتيجي، لمرور الأفارقة نحو الشمال والفردوس، فقد كان تواجدهم بولايتنا المذكورة، يشكّل ظاهرة اجتماعية، لا يمكن إغفالها، مما ولّد عندي ما يسمى في عُرف النقاد، بوعي بالكتابة عن هجرة هؤلاء الأفارقة، كما أن متابعتي لمدونة الرواية العربية، فقد وجدتها تكاد تخلو من الأجواء الإفريقية العميقة (الأدغال)، الأمر الذي دعاني بداية بعد تحديد التيمة المدروسة والمشتغل عليها (الهجرة).
ألم تخش الاتهام بالكتابة على وقع المناسبات؟
- قمت بالسفر نحو مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لرصد المجتمع الإفريقي، والتقرّب من ذهنيته، وطقوسه، وتاريخه، وعاداته، كما طالعت الكثير من الكتب التاريخية، عن المجتمع الإفريقي، إضافة لمشاهدة ما أتيح على النت من اليوتيوب، لمسألة الهجرة وما يتعلق بها، كما قمت بسفرية للمغرب، ورصد الأفارقة قبالة سياج مدينة سبتة، حيث الوصول للفردوس الأوروبي، كلها عوامل ساعدتني كثيرا في رصد الظاهرة، وتتبع أسبابها، وهامشها، وسبلها المسلوكة مع المهربين، وأخيرا نتائجها، على دول العبور ودول الضفة الشمالية للمتوسط.
الرواية الجزائرية تعيش على تخوم الرواية الفرنسية؟
- الرواية الجزائرية، كغيرها من دول المستعمرات، مربوطة بحكم السياق التاريخي، بالكونيالية، وبالتالي فإن ولادتها كانت فرانكفونية، ولم تتحرّر وتعود للغتها العربية، إلا بعد فترة كبيرة من الاستقلال، بل ولاتزال الرواية الفرانكفونية، لها حضورها من دور النشر، والقراء، والمتابعين، كالصحافة المقروءة والمرئية تماما، ينضاف إلى هذا المرجعية الابستمولوجية، للنخب النقدية في الجزائر، وتأثرهم بالمدرسة الفرنسية.
هل الكتابة بالفرنسية ارتداد هوياتي، أم محاولة لمخاطبة العالم بلغة يفهمها؟
- الكتابة بالفرنسية ظاهرة تثاقفية، أكثر منها ظاهرة هوياتية، ولذلك لا أرى فيها نوعا من المهاجمة المتوجّسة، بقدر ما أرى فيها نوعا من التلاقح الثقافي المعرفي في الفضاء المتوسطي، وإن كنتُ أبغض استعمال هذه الممارسة، كنوع من التعالي الحضاري، على حساب الكتابة بالعربية، علينا أن نخلق نوعا من التعايش الثقافي السلمي بين اللغات، والثقافات، والحضارات، والأديان، وألا نحصر ذلك في خندق الأدلجة، واحتقار الذات وجلدها؛ المشكل أننا أنشأنا عقدا ثقافية متطرّفة، عند المفرنسين، وعند المعرّبين، مما ولّد تشنجا وشرخا مقصودا، بين الأنتلجانسيا الثقافية في الجزائر بكل أطيافها.
لماذا يقف الكاتب العربي عند محطة ترجمة أعماله للغات أوروبية، ولا يهمه أن كان ما كتبه قد لا يساوي ثمن الترجمة؟
- الترجمة حلم كل كاتب عربي، أن تترجم أعماله للغات عالمية.. وبالتالي فالترجمة هي جسر بين الثقافات والشعوب، فعن طريقها يمكن تصدير ثقافاتنا للعالم؛ لكن حال الترجمة في الوطن العربي، تطبعه الشللية والشوفينية كالنقد، فنلاحظ ترجمة أعمال ضحلة، بينما هناك أعمال جديرة بالترجمة، تقبع خلف طي النسيان، غير أن السياق التاريخي، كفيل بأن ينصف النصوص التي تستحق.
موقع الرواية الجزائرية العربية بين رصيفاتها في لغة الضاد؟
-الرواية الجزائرية بخير، وقد أثبتت منذ نشأتها تميّزها، بفعل الخصوصية الجغرافية والتاريخية، كما أن هناك جيلا جديدا من الكتّاب الشباب، يحاول حفر اسمه في معادلة الكتابة السردية بالجزائر، وبالتالي فإن الرواية الجزائرية والمغاربية، تنخرط في السياق العام للرواية العربية الراهنة، مما قد تضفيه من تجريب وخلق عوالم جديدة، بفعل الانفتاح الفرانكفوني الغربي، وكذا المؤهلات الجغرافية والسوسيوثقافية، التي تتوافر عليها كفضاء الصحراء الكبرى، وما خلفها من بلاد إخواننا الأفارقة.
ما هو سر «العمامة» ونحن أيضاً، نزهو بالعمامة، هل هو التواصل في لغة الصحراء؟
- العمامة موروث ثقافي، في صحراء الجزائر، وبالتالي فإن اعتماري لهذه العمامة، يشكّل عندي نوعا من الإحساس بالهوية الصحراوية، ومن ثمة فإن اعتمارها لدى ساكنة الجنوب عموما، بما فيها السودان، ينحو نحو التواصل الثقافي لدي هذه البلدان.
المرويات الصحراوية يقودها الروائي إبراهيم الكوني بسحرها وعقاربها وجفاف حلق المسافر، أين تقف من هذا المشروع؟
- إبراهيم الكوني بلا منازع هو رائد الكتابة السردية عن الصحراء، غير أن هناك أمورا يجب أن يعلمها القارئ، حيث أن الكوني اشتغل على عالم الطوارق فقط، بينما الصحراء بمكوناتها المتعددة، تتعدى عالم الطوارق، إذ أن الطوارق يشكلون جزءا من الصحراء، وليس الصحراء كلها، فعوالم الطوارق عوالم متنقلة، تخضع للترحال والخيام، بينما صحراء الجزائر، ولا سيما التي اشتغلت عليها، هي صحراء القصبات الطينية وواحات النخيل، وهي تختلف عن عوالم الكوني، بحكم أن هذه الصحراء التي اشتغلت عليها عوالم ثابتة وغير متنقلة كعوالم الكوني، لكن الصحراء بمتاهتها وعشقها الأسطوري، كعوامل مشتركة بين تجربتي وتجربة الكوني، مع اختلاف في الخصوصية لكل تجربة.
متى تكتب؟
- مزاج الكتابة يختلف من كاتب لآخر، فلكل كاتب طقوسه وعاداته، التي تعوّد عليها في الكتابة، فمثلا بالنسبة لي، أكتب في خلوتي بالمزرعة، كما أن السفر يعتبر من الحوافز المحرّضة على الكتابة، إذ أن كل نصوصي، كتبتُ معظمها أو الجانب الأكبر منها، في سفرياتي خارج الجزائر.
ماذا عن مشروعك المقبل؟
- كما أعلنت في بعض حواراتي السابقة، فإن الكتابة الروائية عندي، تبقى محكومة بمشروع سردي، رسمته لنفسي بوعي، منذ بداية المغامرة الأولى، وكتابة روايتي الأولى مملكة الزيوان، واستمرّ هذا خلال روايتي الثانية كاماراد رفيق الحيف والضياع، وهو خيط رفيع يجمعها، ذلك المتعلق بمشروع فضاء الصحراء الكبرى وما جاورها من بلاد الأفارقة، وعليه فإن روايتي القادمة، تبقى تصبّ في هذا المنحى، مع تنوّع واختلاف في التيمة، وطرائق التناول.
copy short url   نسخ
28/06/2016
4588