+ A
A -
- أدي ولد آدب
في ظل أزمة القدس الحالية، ينفتح جرح الأمة النازف أكثر، ويزيد من ألمه، واتساع مداه، تفاقم التخاذل والهوان في زعامات الدول العربية، بشكل أسوأ من أي وقت مضي، فمنذ زمن بعيد أريد لـ «زهرة المدائن» أن تذوي في الوجدان الجمعي، حيث اختفي من ساحات مظاهرات الشوارع العربية، صوت أغنية «وين الملاين.. والدم العربي وين»؟ وذاب السؤال على الشفاه الهاتفة؛ لأن الدم العربي الإسلامي المستباح، النزيف فوق الخرائط الحمر...خرائط وجعنا العالمي، أجابت بنفسها عن مصير ذلك الدم، وتلك الملايين، ومن هنا سنحت الفرصة- حين استلم المجانين مقود العالم، لتتحول القدس من «مدينة السلام»، إلى مدينة حرب كونية؛ باعتبارها شأنا عالميا، أو هكذا ينبغي أن يكون.
وهنا.. حين خنعت القصور في أغلب دول المشرق العربي، وتمالأت قنوات الإعلام هناك، وأخرست حتى مآذن ومنابر المساجد، وسخرت حناجر خطبائها لجزرة الترغيب، وعصا الترهيب، وخرجت بعض أفاعي النخب العربية المتصهينة من جحورها.. مجاهرة بالتطبيع مع إسرائيل.. في هذا المنعطف.. حافظ بعض شعراء العرب.. هنا.. وهناك.. على بقية أخلاق وشيء من الحرية والنبل.. في زمن عولمة السقوط هذه..
ففي موريتانيا أقصى نقطة من العالم العربي غربا، حين كنت أنا -قبل يومين- أتحدث، في برنامج «الجزيرة هذا الصباح»، عن دور موريتانيا السياسي والشعري، في دعم فلسطين عموما، تاريخا وراهنا، سكت فجأة -في اليوم الموالي- قلب صديقي شاعر شنقيط، أمير الشعراء النبيل، الشيخ ولد بلعمش، حزنا وكمدا على الوهن الدولي في التصدي للأزمة، فكان سقوطه شهيدا للقدس، بعيدا على ضفاف الأطلسي، أجمل قصيدة يكتبها في حياته، وأحسن خاتمة وشهادة له ولموريتانيا، ليكون في ذلك خير مصداق لما قلته يومها من أن موريتانيا بعيدة جدا عن فلسطين مكانيا، ولكنها قريبة منها وجدانيا، فكأن شعبي كله يقول على لساني:
حُـــبِّي: فلسطينُ.. مَجْـــدِي.. إرْثُ آبـــــائي
أرْضِـي.. سَمَائي.. هَــــوائي.. كُـــلُّ آلائِـي
هُـنَا.. مَـــــدارجُ وَحْي الله.. عــــــــابـــــقـةً
في القدْس.. في الطور.. في صَحْراءِ سيناءِ
آمَنْتُ.. بالقدْس.. تُعْـــلِـي صَــوْتَ مِـئْـذَنَـةٍ
مَعَ النَّـــــواقِيــس.. أصْـــداءً.. بأصْــــــداءِ
يَدِي.. عَلى عُهْدَةِ الـــفــارُوقِ.. قـــــابضةٌ
لله.. عُهْـدَةُ تَـوْحِـــــــــــيــــدٍ.. وإيخـــــــاءِ!
القدْسُ: أيْقُــونَـــــتِي.. وَشْـمٌ عَـلى كَـــبِدي
أنشودتي.. مِلْءَ إصْبـاحِـي.. وإمْسَــــــائِـي
يـــا مَنْ تَـــسَـمَّى بـ «شَعْبِ اللهِ».. مُنْتَحِلاً
لِــتَسْألِ اللهَ.. أرْضًـــا.. خَلْفَ أجْــــــوائي
يَا غاصِبَ الأرْض.. لا أرْضٌ لَدَيْكَ.. فَعُدْ
فِي لعْـنَةِ التّـيهِ.. دُونَ الظلِّ والـــــمَـــاءِ
وغير بعيد من موريتانيا، في الجزائر، يكتب شاعر العرب: محمد جربوعة، معلقته القدسية، التي يقول فيها:
القدس، عذراءُ، ما مسّت يدٌ يدَها
ولا هوتْ بعد (فاروق الهدى) رَجُلا
وفيَّة القلب، لا زالت مرابطةً
تحبّ مِن قلبها القرآن والرُّسلا
القدس أختُ (صلاح الدينِ)..أمّهما
مَنْ أنجبتْ للزمانِ ( القدسَ) و(البطلا )
يا مَن تدنّس إسرائيلُ عرضَهمو
شيوخَ دينٍ، شعوبا، قادةً، دُوَلا
يا مَن لهم بيننا وجهان، أعبَدُهمْ
يُهدي إلى (الله) في محرابه (هُبَلا)
الآن في (مخدعِ التاريخِ )( يَلبَسُكمْ)
(مستهترُ الرومُ) في رجليهِ منتعِلا
وفي السياق ذاته يقول الشاعر الجزائري الآخر: د.عبد الملك أبو منجل:
القدسُ عاصمةُ السماءِ ولن تُرى
للقابعينَ المُخْلِدينَ إلى الثرى
سيثور من تحت الرمادِ رجالُها
وسيرفعونَ مقامَها فوق الذُّرى!
ومن شعراء سوريا الأحرار يقول الأستاذ علي صالح الجاسم:
في القدس كم في القدس سارَ معي السَّنا
نحوَ الذُّرى متشـوِّقـاً لعريـني
في القدس عندَ البابِ قبرُ حكايتي
وبقيَّةٌ مــنِّي ورجْعُ لحــوني
في القدس مئذنةٌ تصارعُ جفنَها
كيلا تنامَ بليلِهـا المأفـــونِ
جرحي مدى الآفاقِ يسبقُ ظلَّه
مجدافُهُ قلبي ونبـضُ يميني
يمشي على وجعِ الحروفِ تمرُّداً
طوفانَ كبرٍ شامخَ العرنينِ
ويقول الشاعر السوري الآخر: عبد الله الحسيني:
أليْسَ فيكِ «صلاح الدين»؟.. وا لهَفي!
يا أمةً.. ذُكِرَتْ فِي أعْظمِ الصُّحف!
تريْنَ مَا حلَّ في أرْضِ النُّبُوءاتِ منْ
أذًى.. وشجْبكِ للإجْرامِ ليْس يفِي
لكن الحقيقة أنَّا كنَّا نسخر من بيانات الشجْب والتنْديد التي تُرْغي بها وتزبد جامعة الدول العربية، إثْر كل اعتداء إسرائيلي... واليوم أصبحنا نفتقد حتى كلمات: «نشجب»، «ندين»، «نندد»...بل صرنا نتمنى حتى سماع تصريف تلك الأفعال المضارعة الفارغة.
copy short url   نسخ
11/12/2017
5226