+ A
A -
حـــــوار - محمد نجيب – عامر محمد
يعد الروائي أمير تاج السر أحد أبرز الروائيين العرب في العقد الأخير، وقد تميز سرديا بالعمق والغوص داخل النفس البشرية مما أعطاه القابلية للتمدد داخل السرد التاريخي، ونبش الماضي والوقوف على الطلول ليس للرثاء إنما للبناء للمستقبل. وأمير سارد ماهر باهر صدرت له الكثير من الروايات التي وجدت حظها من القبول عربيا وعالميا، وهو فائز بجائزة كتارا العالمية للرواية في دورتها الأخيرة.
التقته الوطن إبان زيارته الأخيرة للسودان مشاركا في التحكيم في جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي وكانت هذه حصيلة اللقاء:
اذا قلنا أن التاريخ وصف للحوادث ما هي الرواية التاريخية، وهل تقع ضمن تعريف التاريخ الموازي؟
- الرواية التاريخية التي تكتب الآن، نوعان: نوع يستوحى من أحداث تاريخية وقعت بالفعل، ويتعرض لشخوص كانوا موجودين فعلا، وتركوا آثارا في بلدانهم، ونوع آخر لا يرتكز على وقائع محددة، أو شخوص حقيقيين، وإنما يتخيل أحداثا في فترة ما، ويقوم بغرس شخوص متخيلين في تلك الحوادث، مسقطا كل ذلك على الحاضر. وحتى لو جعل الكاتب حكايته عن حدث حقيقي، مثل معركة شهيرة، أو احتلال ما لبلد، حدث فعلا، لكن ما يقوم به الشخوص داخل الحدث، كله متخيل. رأيي أن النوع الأول، أي كتابة شخصيات حقيقية، يستوجب الحذر، ويقيد الكاتب في انطلاقه، وبالتالي تصعب كتابته، إلا لو مجد الكاتب تلك الشخصية الحقيقية التي كتبها، وأبعدها عن النقائص، كأن تأتي بسيرة قائد مثل عثمان دقنة، وتكتفي بمواقفه العسكرية، بعيدا عن سلوكه كإنسان، لذا أميل لتخيل التاريخ، وفي ذلك أكتب بحرية تامة.
روايتاك توترات القبطي ومهر الصباح، كانتا سرداً تاريخياً لوقائع تاريخية وحكمهما الخيال، أين موقعها في ذاكرة «أمير» السردية وقراءته للواقع الراهن؟
- الروايتان يندرجان تحت تخيل التاريخ وليس استلافه كاملا، أنا أتيت بشخصيات وغرستها في أزمان محددة، وكتبت ما أريد بلا مشاكل، هناك من يعتبر ما كتبت نصوصا تاريخية، ويحيلها إلى حوادث حقيقية، وهناك من يعتبرها روايات متخيلة. عموما أنا بحثت كثيرا، وأتيت بأزمان بعيدة لأكتب، ولو أردنا إسقاط ما حدث على الواقع، خاصة في توترات القبطي، لوجدته تماما كما ذكر في الرواية، إنها أشبه بالتنبؤ بما كان سيحدث، وهذا حدث أيضا في رواية «إيبولا 76» التي ذكرت فيها احتمال هبة جديدة لفيروس إيبولا الكامن في إفريقيا، وهذا ما حدث بعد عامين من كتابة الرواية.
ابتدأت بسيرة ذاتية «مرايا ساحلية» على حد تصنيف النقاد ألا تخشى تصنيفك كاتب سيرة وبالتالي الابتعاد بمنتوجك الأدبي من الخيال إلى الواقع؟
- كتبت في السيرة عدة أعمال هي: مرايا ساحلية، وسيرة الوجع، وقلم زينب، وفيها كتبت ذكرياتي في بورتسودان أيام الطفولة، وبعد أن عملت في المستشفى، بعد ذلك، كما تعرضت في سيرة الوجع لأيام عملي في منطقة طوكر، قريبا من حدود إريتريا. وثلاثة كتب، وسط روايات عديدة، قائمة على الخيال مع جزء من الواقع المحيط، كما هي عادتي، لذلك لن أكون كاتب سيرة كما تعتقد، ولم يصنفني أحد كذلك، ومشروعي قائم على الخيال كما ذكرت. في ذهني أعمال سيرية أخرى، مثل فترة وجودي في قطر وشهود نهضتها، إنها فترة مهمة جدا، وترتبط في ذهني بكل ما هو مفرح في حياتي، فلولا وجودي هناك، ما كنت أنجزت شيئا.
السرديات العربية الكبرى لم تؤثر في الأجيال والدليل ان السرد العربي القديم لا نراه في الكتابات الحديثة، أين غابت تأثيرات «ألف ليلة وليلة»؟
- أبدا، التأثر موجود، وليس بالضرورة تأثرا مباشرا، يكتب بلغة التراث كما كانت، وإن كان هناك من فعل ذلك مثل جمال الغيطاني، وخيري عبد الجواد الذي كان كاتبا عظيما من جيلنا، ورحل مبكرا، لكن التأثر قد يكون في استخدام الغرائبية، وإيرادها كوقائع حقيقية، مثل أن تجعل فيروسا شخصية في رواية، كما فعلت في إيبولا 76، ولي رواية اسمها اشتهاء، مستوحاة من جو ألف ليلة وليلة.
انفتحت الرواية على كل أنواع الابداع وهذا عصر الصورة، هل تعيد الصورة الشعر إلى الواجهة وتغيب الرواية؟
- بالتأكيد لا، الشعر أخذ حصته من الاستيلاء على الفنون، وجاء زمن غيبه من كتبه من الأجيال الجديدة، خاصة بعد أن سيطرت فكرة كتابة الرواية على الجميع، وأعني من كان كاتبا ومن كان غير كاتب، فالكل لديه قصة يريد حكايتها، أو لديه قصص يريد أن يصنعها بلا أي ضرورة لذلك. والرواية عموما تستوعب كل الفنون الأخرى، بما في ذلك الشعر والمسرح والرسم، وهي الأقدر على جذب الناس للقراءة كما أعتقد. كل الفنون الكتابية، تكتب فقط أقول أن الرواية، تلفت الأنظار أكثر من غيرها.
كتبت الشعر، والآن الرواية، ديوان العرب على قول أحد النقاد، أين موقع الشعر من الرواية؟
- كما قلت، الشعر يترنح بشدة، ولا بد من جرعات كبيرة من منشط موهوب لإعادته لاتزانه، أنا أقرأ لشعراء راسخين في الكتابة الشعرية، ومن الأشياء الجيدة أن لدينا شعراء في السودان لم يهتزوا، وما زالوا كبارا مثل عالم عباس ونجيب محمد علي، وعبد القادر الكتيابي، ويوسف الحبوب، وآخرين أيضا مهمين، وما زالت تجربة الراحل محمد محيي الدين من التجارب التي ظلت محافظة على بهائها حتى النهاية. إذن نحن أمام طوفان روائي، يستمر مسيطرا كما أعتقد.
الهوية السودانية، كيف تقرأها وخصوصاً ان هناك أصواتاً روائية تكتب عن الهوية بمنظورها الثقافي والروائي؟
- هويتنا معروفة، بلا شك، نحن أخذنا من العرب والأفارقة، وبالتالي تشكلت لدينا ثقافة خاصة هي ما صنع هويتنا، وقد نادى البعض بالسودانوية، لكني أساند الهوية العربية، فهي اللسان المستخدم وبها نتحدث ونكتب، عموما نتفاعل عربيا وأفريقيا بجدارة.
الهجرة، ساهمت في تأخير التعريف بأمير تاج السر، وأعادته إلى الواجهة كأحد أميز كتاب الرواية العرب؟
- تقصد داخل السودان؟، ربما لأن كتبي كلها طبعت في دور نشر خارجية، وبالتالي تعرف إلى القارئ العربي قبل القارئ السوداني، لعلي مقصر في ذلك لكن يجب أن تعرف أنني في البدايات، حاولت نشر كتبي داخل السودان، ولم ترض دور النشر المتوفرة أن تنشر لي آنذاك، ثم عادت تطلب مني أعمالا. إذن كانت لي مبادرات في النشر الداخلي، ولم أتجه للخارج مباشرة.
الترجمة إلى اللغات الأخرى، هل هي بوابة العالمية؟
- أعتقد ذلك، فحين يحتفي العالم بنص لكاتب عربي ويترجمه للغات عدة، ويسوق خارجيا يعني أن الكاتب قدم شيئا مؤثرا، لكن ليس كل ما يترجم يؤثر خارجيا، أو ينجح في التداول، فالقارئ الأجنبي أيضا له مزاج خاص به، وينتقي ما يترجم حسب ذلك المزاج، وأعتقد أن سر نجاح روايتي «إيبولا 76» في اللغة الإنجليزية، هو أنها أول نص روائي كتب عن فيروس إيبولا في هبته الأولى.
كيف تقرأ المشهد الثقافي العربي
- مطمئن إلى حد ما، هناك من يعمل بجهد للارتقاء بالكتابة، وهناك من يبدع فعلا، وأيضا المشهد لا يخلو من الشوائب، عموما هكذا المشاهد الثقافية في كل مكان، ولعلي هنا أشيد بالمثقفين السودانيين ممن التقيتهم مؤخرا، وأحسست بهمومهم الإبداعية.
فزت بكثير من الجوائز وعلى رأسها جائزة كتارا، كيف تقرأ خريطة الجوائز، ولماذا لم يصل إلى نوبل غير الراحل نجيب محفوظ من الكتاب العرب؟
- نوبل مسألة أخرى تتدخل فيها عوامل كثيرة، ولا أعتقد أن هناك نية لمنحها لكاتب عربي مرة أخرى، وعموما ليست نهاية المطاف ولا هي حلم يراود الكتاب العرب، أما الجوائز العربية فقد تعددت الآن، وأعتبرها مكاسب كبرى أتمنى أن تدوم. فهي الحوافز الهامة للكتاب في زمن لا تأتي فيه الكتابة بالكثير.
دراسة وممارسة «الطب» وكتابة السرد، أوجه المقارنة؟
-لا توجد أي علاقة بين الاثنين، فالطب مهنة بينما الكتابة هواية قد تتحول إلى حرفة خاصة في بلاد الغرب، لكن عموما ممارسة الطب تتيح كثيرا من التجارب الهامة للكاتب وتحفزه على الكتابة.
copy short url   نسخ
26/06/2016
5672