+ A
A -
من حسن حظ سعد الحريري أنه يحمل الجنسية الفرنسية، فقد كانت هي الملاذ الأخير– وفق بعض وسائل الإعلام الدولية– فقد أفرجت عنه وفكت قيده وأخرجته من المأزق السعودي؟!
السيناريو كاملا يمكن استقراؤه من خلال التحليلات التي واكبت لقاء الحريري التليفزيوني مع قناة المستقبل التي أعلن فيها عودته إلى بيروت خلال يومين إلى ثلاثة، ثم عدم حدوث ذلك إلى أن غرد على تويتر بأنه سيعود خلال يومين، وفشله للمرة الثانية في الوفاء بوعده، ثم تغريدته ليلا بأنه في طريقه إلى المطار، ردا على وزير الخارجية الألماني الذي أحرج الرياض بتصريحات خشنة، واصفا سياستها بأنها روح مغامرات لن تتسامح أوروبا معها.
لا يحتاج الأمر إلى صحفي محترف ليكتب قصة إخبارية مشوقة عن إفلات الحريري من إقامته الجبرية في السعودية إلى فرنسا التي يحمل جنسيتها، كجنسية ثالثة إلى جانب اللبنانية والسعودية.
المرة الوحيدة الصحيحة التي غرد فيها الحريري أو صرح بشأن سفره من الرياض هي تلك التغريدة الليلية، الجمعة 17 نوفمبر، عندما كتب أنه في طريقه إلى المطار، لكنه لم يكن سفرا إلى بيروت بل إلى باريس، مما يجعل احتمالات احتجازه في السعودية كبيرة جدا، إلى الحد الذي جعل المنكرين لها يلوذون بالصمت.
بينما كان الجدل محتدما بين بيروت والرياض حول حرية الحريري في السفر، كانت الخارجية الفرنسية تمسك بخيط مهم للغاية يتعلق بكونه مواطنا فرنسيا، من حقها طلب الإفراج عنه، بل واللجوء إلى الطرق القانونية في حال عدم الاستجابة لذلك.
يستند موقع «العهد الإخباري» إلى مصادر فرنسية كشفت له أن الدائرة العائلية المحيطة بالرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك اتصلت بشكل مباشر بالرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون وحثته على التواصل مع السعوديين ومع رجل الرياض القوي حاليا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لإخراج رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من السعودية باتجاه لبنان أو فرنسا.
على الفور وفقا لهذه المصادر وجدت الخارجية الفرنسية من طرح موضوع جنسية الحريري التي يمكن لباريس أن تعمل على أساسها في حال قررت باريس العمل باتجاه خروج الحريري من السعودية.
في أثناء مناقشة الموضوع كان هناك تيار في الخارجية الفرنسية يرى أن الحريري هو آخر حلفاء فرنسا من السنة في لبنان، وبالتالي يجب على فرنسا أن لا تخسره كما خسرت سابقا غالبية حلفائها في المنطقة، إلا أن قصر الإليزيه نظر إلى العلاقة المستجدة مع أبوظبي والتي تأمل فرنسا أن تثمر عن صفقات سلاح هذا العام أو العام المقبل.
ويعتبر ولي عهد أبوظبي، حليفا قويا ووثيقا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي كان على ما يبدو يقيد حركة الحريري وحريته.
الموقف الأوروبي، خصوصا ألمانيا، الذي تعاطف مع موقف سعد الحريري ومع الجهود السياسية اللبنانية بدءا من الرئيس ميشيل عون، غير البوصلة سريعا في اتجاه التيار الذي يطالب بإخراج الحريري من الرياض إلى فرنسا باعتباره مواطنا فرنسيا، حتى لو صرح الرئيس ماكرون أنه يستقبله بناء على كونه رئيس وزراء لبنان، فلا تعارض بين الاثنين، فقد كان قبل تقديم استقالته من الرياض رئيسا للوزراء ويحمل الجنسية الفرنسية بالإضافة إلى جنسيتيه اللبنانية والسعودية.
كان هناك خيار ثان طرح على الطاولة إذا لم يسمح له بالسفر إلى باريس رغم ما أعلنه وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريل في تصريح شديد اللهجة يوم الجمعة 17 نوفمبر، بأنه لا يمكن لأحد منع الحريري من تلبية دعوة فرنسا لزيارتها، وهو التصريح الذي انتقد فيه بشدة روح المغامرة في السياسة السعودية التي تنتهجها وبدأت باليمن ثم قطر وأخيرا لبنان، وردت السعودية باحتجاج شديد اللهجة سلمته للسفير الألماني في الرياض، واستدعت سفيرها في برلين للتشاور.
هذا الخيار الثاني هو الطرق القانونية، فبعض المعلومات من باريس أفادت أن أفرادا من عائلة الرئيس سعد الحريري تواصلت مع أهم شركة محاماة في فرنسا لتحضير ملف قضائي للمطالبة باستعادة الرئيس سعد الحريري كونه فرنسي الجنسية. الشركة التي تتخذ من الدائرة الثامنة في باريس مقرا لها درست كيفية تجهيز ملف قضائي وقانوني قد تستخدمه عائلة رئيس الحكومة اللبناني في حال استمر وجوده في السعودية وقتا طويلاً وتعرضت حياته في خطر، وكلفت شركة المحاماة مجموعة من المحامين للتواصل مع الخارجية الفرنسية ومع وزارة العدل الفرنسية والسفارة الفرنسية في الرياض.
أثناء كل تلك التطورات سافر الرئيس ماكرون في زيارة سريعة ومفاجئة للسعودية، وظهر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على شاشات التلفزة الفرنسية معربا عن شعوره بأن الحريري حر في تنقلاته. وقد فهم المحللون هذا التصريح على أنه غير مكتمل اليقين، لأنه تحدث عن شعوره ولم يؤكد ذلك بمعلومات المفروض أنه حصل عليها كوزير خارجية بعد مرافقته لرئيسه إلى الرياض. في الواقع كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يحتاج لمخرج من المأزق الذي وجد نفسه فيه بعد أن فوجئ بالموقف الرسمي والشعبي القوي في لبنان، فوجده في إعلان الرئاسة الفرنسية أنها وجهت دعوة للحريري للمجيء إلى فرنسا مع عائلته.
يعلق موقع العهد «يبدو أن المسعى الفرنسي شكل مخرجاً لمحمد بن سلمان من هذا المأزق، فالفرنسي بكل بساطة يعطيه السلم لينزل عن الشجرة التي صعد إليها».. والكلام لمصادر فرنسية متابعة لقضية الحريري في السعودية.
توصل الجانبان إلى هذا المخرج الذي يحفظ ماء وجه الرياض وبالتالي تكون عودة الحريري إلى باريس لا إلى بيروت، على ان يعود إلى بيروت بعد عدة أيام.
نواصل القصة ولكن من موقع وكالة سبوتنيك الروسية الذي تحدث عن أسباب حماس فرنسا في الأزمة، وعزته أولا إلى أنه يحمل الجنسية الفرنسية نقلا عن مصادر لجريدة «الجمهورية» اللبنانية، ما فرض على فرنسا تدخلا كونه مواطنا، فضلا عن العلاقة العميقة بين آل الحريري وفرنسا، وهي التي بناها الرئيس الراحل رفيق الحريري.
موقع الوكالة الروسية ذكر نقلا عن مراقبين أن الدبلوماسية الفرنسية استطاعت إقناع الرياض بخطورة التلويح اللبناني باللجوء إلى مجلس الأمن وتبعات تدويل المسألة على المملكة، ما غير أداء السعودية في التعاطي مع الأزمة، في الوقت الذي صرّح فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه سيستقبل الحريري كرئيس لوزراء لبنان، وليس كلاجئ سياسي، ما يعني أن الأمور قد تشهد تطورات جديدة في ظل الحديث عن عودة الحريري من فرنسا إلى لبنان ثم تشكيل حكومة توافقية جديدة.
وقال ماكرون خلال القمة الاجتماعية للاتحاد الأوروبي، المنعقدة في السويد، يوم الجمعة: «صحيح أن الحريري استقال لكن استقالته لم تتم الموافقة عليها في بلده بعد، ولهذا السبب سأستقبله كرئيس لوزراء لبنان»، متابعا «الحريري سيعود إلى لبنان خلال أيام أو أسابيع».
لدى وصوله إلى باريس أصر الحريري على أنه لم يكن محتجزا في السعودية مؤكدا على أنه سيعود للبنان وأنه أجرى اتصالات مع قيادات لبنانية من بينهم الرئيس ميشال عون الذي أعلن أنه تلقى اتصالا من الحريري بعد وصوله إلى باريس مع زوجته، أبلغه خلاله أنه سيحضر إلى لبنان للمشاركة في عيد الاستقلال يوم الأربعاء. وقد سخر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي من أن هذه الاتصالات لم يقم بها خلال وجوده في الرياض كأنه لا يوجد بها وسائل لذلك!
عائلته كانت جزءا هاما من القصة، فقد تركز الاهتمام عليها سيما أثناء استقبال الرئيس الفرنسي وزوجته له ولزوجته في قصر الإليزيه، فتناول نشطاء على مواقع التواصل عدم سفر ابنه وابنته معه، وعلقت الإعلامية الشهيرة خديجة بن قنة مذيعة قناة الجزيرة على حسابها في تويتر «يبدو قلق الرئيس عون في محله من بقاء أبناء الحريري (ابنه وابنته) في الرياض بحجة إكمال الدراسة. لن يتحرر لسان الحريري». بينما تناول الجانب الآخر وجود زوجته «لارا» معه في استقبال الإليزيه وأشار إليها بمصطلح عائلة الرئيس، للدلالة على أن العائلة كلها معه، في محاولة للهروب من بقاء ابنه عبدالعزيز وابنته لؤلؤة في السعودية، وكان ابنه البكر حسام (18 عاما) قد لحق به في باريس قادما من لندن.
آخرون وضعوا على حساباتهم صورة التقطت للحريري في باريس بابتسامة عريضة لم تظهر منه خلال كل مقابلاته في الرياض، وعلق أحدهم «شو معنى سعد الحريري ابتسم هذي اللحظة بالذات؟».
واهتمت مواقع التواصل أيضا بطريقة مشي الحريري عقب وصوله إلى المطار في باريس وتوجهه إلى منزله حيث كان يعرج على قدمه ممسكا بالهاتف في يده، وتساءل مغردون على تويتر ونشطاء على فيسبوك عن السبب الذي جعله يعرج، وقال بعضهم «بدا وكأنه مصاب في قدمه».
copy short url   نسخ
20/11/2017
10861