+ A
A -
الخرطوم – الوطن- محمد نجيب




يعد محجوب كبلو من شعراء قصيدة النثر في السودان وممن حملوا لواء هذه القصيدة في العقود الأخيرة، وله مساهمات نقدية وآراء تتسم بالجرأة، وهي مثيرة للجدل. وكان جزءا من حركة شباب السبعينيات، كتب القصة والمسرحية الإذاعية، صدر له في معرض الخرطوم الدولي ديوان بعنوان «سكرتير الحقول» عن دار رفيقي بدولة جنوب السودان.
التقته «الوطن» في حوار تناول التجربة والرؤية وقضايا قصيدة النثر المعاصرة.
«سكرتير الحقول» عنوان مجموعتك الأخيرة، لماذا هذا الغموض الذي يراه البعض ملازما لقصيدة النثر؟
- العنوان ليس سوى اسم للناتج الإبداعي، والاسم لا يمكن وصفه بالغموض، فالغموض يبدأ من الجملة في أدنى مراحله في النص، وينتشر بعد ذلك في ثنايا الناتج وقد ينسحب على مجمل النص، إذا تجاوزنا كل ذلك واتجهنا إلى إضاءة دلالة العنوان وكشف استراتيجيته فإن ترجمة كلمته المطلعية المعربة (سكرتير) إلى مقابلها في اللغةالعربية وهو (أمين السر) فإن عبارة (أمين سر الحقول) توضح بجلاء شديد استراتيجية العنوان في وعوده ومقترحاته الجمالية.
كذلك في ذلك العنوان لجدليات الحداثة والتقليد، العربي والعالمي باضافة(سكرتير) اللاتينية إلى (الحقول) العربية، وقد تقود هذه الاضافة إلى استدعاء عدد أوفر من الثنائيات.
ورغم ما قلته هناك اعتراضات على الغموض الذي اتصفت به قصيدة النثر؟
- الغموض في الشعر لم تبدأ الاعتراضات عليه من قصيدة النثر، وقديما قيل لأبي تمام لم لا تكتب ما يفهم فرد عليهم ولم لا تفهمون ما يكتب، ويبدو ان هؤلاء من الصنف الكسول، وفي الواقع هنالك نظرتان مختلفتان إلى قضية الغموض في الشعر:
نظرة ترى أن الفنون جميعها تنحو نحو التجريد إلى غاياته، وهو الموسيقى التي هي التجلي الكامل للتجريد فهي خالصة من أي دلالات لغوية، وتعتبر اللغة في هذه الحالة غير منتجة للدلالات؛ بل هي مادة خام لبناء النصوص كالألوان في الرسم والصوان في النحت. وأظن هذا منحى سليم بركات والجيل الأخير من الشعراء الشباب خاصة مجموعة (اتينية) في السودان. أما النظرة الأخرى للشعر فهو التيار الرئيسي للشعر وهي التي تعتمده بنية لغوية جمالية وهي إذ لا تعتبر دلاليته غاية، الا أنها تقر بحضورها.
يرى البعض أن مرجعية قصيدة النثر ليست عربية؟
- لا أرى مرجعية أقوى لأي من الأجناس الأدبية من مرجعية اللغة، بكون اللغة ليست محايدة، بل هي الحامل لفكر ووجدان وروح الثقافة الناطقة بها، فما دامت قصيدة النثر العربية، تبقى مرجعيتها عربية قحة، وما عدا ذلك افتراضات لم يقم عليها دليل.
وحقيقة أن سؤال المرجعية يواجه بصورة متكررة قصيدة النثر بالرغم من وجود نثريات شعرية عربية ضاربة في آماد بعيدة كاعمال النفري وبعض رقائق ابن عربي وغيرهم والغريب الا يواجه سؤال المرجعية أجناسا أخرى كالرواية التي تحمل الهوية الغربية تماما، أسوق ذلك مع اتفاقنا جميعا أن الثقافة إرث لكل الانسانية.
النقد الحداثي العربي هل استطاع أن يواكب التجارب الإبداعية الجديدة؟
- النقد الحداثي العربي هو الأب الشرعي للتجارب الإبداعية الجديدة، وقد كان لتأثير دراسات مثل الثابت والمتحول لادونيس والاستشراق لإدوارد سعيد وترجمة العمل الموسوعي (قصيدة النثر) لسوزان برنار، دورا انقلابيا في تشكيل الحساسية الجديدة.
تزامن ذلك في السودان مع بروز حركة البنيويين في منتصف الثمانينيات، ودورها الكبير في طرح المفاهيم الجديدة والتبشير بحداثة تتشكل في رحم الإمكان، ومازال النقد السوداني يتعهد التجارب الجديدة بإضاءات باهرة وكشوفات ذكية، وقد كانت قصيدة النثر على حظ عظيم من الاهتمام، وتوفر لها نقاد على درجة عالية من العلمية والرصانة والثقافة الرفيعة كالدكتور عبد الماجد الحبوب، والدكتور احمد الصادق في النقد العام، والدكتور هاشم ميرغني في السرديات، والدكتور هشام عمر النور والاستاذ متوكل محمدين على صعيد الفلسفة.
الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي سمى قصيدة النثر بالقصيدة الخرساء، وقال محمد المكي إبراهيم أنها قصيدة تقرأ ولا تسمع؟
- توصيف احمد عبد المعطي حجازي جزافي ولم بتقدم خطوة واحدة للتدليل عليه رغم اختياره عنوانا لكتيب من النقد الانشائي البلاغي في مجمله.
والشاهد أن التوصيف يفتقد إلى أبسط أسس العقلانية ولا يصمد أمام أول سؤال يتبادر إلى الذهن حول ما إذا ما كان جنس القصائد يمتلك حواسا كالسمع والبصر، أظن مجازفة حجازي هجائبة غيورة.
أما توصيف ود المكي فهو أقرب للتوصيف المحايد، ولا أرى فيه أي تحامل كسابقه ولاغيره معهودة بين المدارس المختلفة، ويبقى توصيفه قابلا للتحاور حوله.
كتب أدونيس هذا زمن الشعر كيف نفسر هذا وفق غياب الجمهور وغياب القصيدة؟
- لقد تجاوز مفهوم الشعرية حدود الآداب اللغوية وحطم إطار القصيدة، ليشمل كل الأجناس الفنية من دراما وموسيقا وتشكيل بحسبان أن الشعرية هي العنصر الذي يحيل الفعل النفعي إلى فعل جمالي، ذلك العنصر الذي يحدد الفارق بين مقعد دراجة عادي ومقعدها بعد تدخل بيكاسو بمعالجاته على سبيل المثال. من هنا أعتقد أن ادونيس يرمي إلى هيمنة الشعرية على كافة الفنون، ومن هذا الفهم جاء قوله هذا زمن الشعر.
التجريب والتجاوز في العالم العربي كان دعوة جيل السبعينيات ورغم ذلك لم يؤسس لمشروعه الإبداعي؟
- انا لا اؤمن بالمانيفستو السابق وما يماثله من دعاوى سابقة ووعود براقة بما لا يزال في رحم الغيب من إبداعات، ولم ينتقل فعليا من حيز الوجود بالقوة إلى مرحلة الوجود الفعلي.كما لا أؤمن بمفهوم المجايلة في الفن بصورة عامة، فالإبداع تعبير فردي بدرجة وتتقاطع فيه الأزمنة بطرق معقدة، لذا تكون مشاريعه فردية، وحيناته تترى من أزمنة مختلفة. لذا لا أعتقد بوجود مشروع جماعي لجيل السبعينيات أو لأي جيل آخر.
كيف ترى المشهد الشعري في السودان الآن؟
- هذه هي مرحلة زئير وردة الشعر، وأعتقد أن ما يكتب الآن قد حقق نبوءتي التسعينية. ولديّ رأي بأن الشعر السوداني منذ التيجاني يوسف بشير كان يعاني فراغاً كاملاً من الشعرية، حتى ظهور كتابات قصيدة النثر التسعينية وفي الألفية الثالثة.
وعموماً، أعتقد أن التقدم قهري، والإنسان محكوم بالحرية والتطور مهما كان السقف العالي للمستبد، لكنَّه لا يستطيع أن يدخل جدرانك.ورهاني في الحياة هو صداقتي مع البسطاء، فالعالم والمجتمع ثري جداً.. أرى نفسي مُحتجباً بالبسطاء عن الطبقة المدعية...
كيف ترى مستقبل الشعر في العالم العربي؟
- سيصبح حوار الناس في الشوارع شعريَّاً، ومشيهم سيصير (الباليه).. اللغة الفرنسية الآن تتجه نحو الشعر.. وأعتقد كذلك العربية.
copy short url   نسخ
20/11/2017
3653