+ A
A -
فرش الرئيس الأميركي دونالد ترامب طريق زيارته للصين الأربعاء الماضي 8 نوفمبر – الذكرى السنوية لفوزه في انتخابات الرئاسة- بفيض من المديح والإشادة بالرئيس الصيني شي جينبيغ وقال إنه أنجز - ما وصفه ترامب- «بالصعود الاستثنائي» وقال إن «بعض الأشخاص ربما يطلقون عليه ملك الصين». سوف لن تحدث زيارة ترامب للصين اختراقا يعتد به، وبالتأكيد لا مجال لمقارنتها بالزيارة التاريخية، التي قام بها الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون للصين العام 1972، والتي وضعت أساسا لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وبكين للمرة الأولى عام 1971.
لقد فتحت زيارة نيكسون تلك للصين أفقا جديدا في لعبة القوى الكبرى على الساحة الدولية، صحيح أنها لم تحدث شرخا في علاقات الصين مع الاتحاد السوفياتي القطب الجبار آنذاك في عالم الحرب الباردة التي انتهت بهزيمته عام 1991.
واحتفظت الصين بعلاقاتها المتميزة مع موسكو، حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، مثلما ظلت محافظة على دعمها لكوريا الشمالية منذ وقوفها إلى جانبها في مواجهة القوات الأميركية في الحرب الكورية التي استمرت من 1950 إلى 1953.
علاقات متأرجحة
وعلى مدى أربعة عقود منذ كسر الجليد بين واشنطن وبكين تأرجحت علاقات البلدين بين التراجع والانفتاح، كان نيكسون هو من كسر جليد العلاقات مع الصين الشيوعية إلى أن قامت بينهما علاقات دبلوماسية على حساب تخلي واشنطن عن تبنيها لتايوان، بينما توترت هذه العلاقات في عهد عراب «المحافظين الجدد: الرئيس رونالد ريغان الذي استأنف دعمه لتايوان بالسلاح، إلى أن استطاع جورج بوش الأب – كان سفيرا في الصين في منتصف السبعينيات - إعادة التوازن لتلك العلاقات وفي عهد بيل كلينتون اتخذت العلاقات مسارا دافئا عندما منح الصين الأفضلية في التجارة – وهي خطوة كان لها ما بعدها – أما الجمهوري جورج بوش الابن – سليل المحافظين الجدد وعميدهم الجديد – فقد وصف الصين بأنها صارت المنافس الاستراتيجي لبلاده، ولم يخرج خلفه باراك أوباما عن مسار كلينتون فقد ركز على سياسة الانخراط في التحالف التجاري مع آسيا بما فيها الصين التي صارت بالفعل كما وصفها بوش الابن المنافس الاستراتيجي للاقتصاد الأميركي.
ولذلك فإن ترامب الرئيس الجمهوري المتشدد ورجل الأعمال البراغماتي إلى أبعد حدود يمكن تخيلها، والذي سحب بلاده من تحالف الشراكة بين دول المحيط الهادئ وكان من أول قراراته بعد دخوله في البيت الأبيض هو توقيع أمر تنفيذي- 23 يناير الماضي - تنسحب الولايات المتحدة بموجبه رسميا من اتفاق تجارة الشراكة عبر المحيط الهادئ الذي يضم 12 دولة، ملتزما بذلك بأحد تعهدات حملته الانتخابية. ووصف ترامب قرار الانسحاب من اتفاق الشراكة عبر الهادئ بأنه «شيء عظيم للعامل الأميركي».
وربما يجد ترامب مخرجا لخطأ ارتكبه بتوقيع ذلك القرار – كما يرجح المحللون – عندما أخلى منطقة الهادئ التجارية للصين وهو ما ترحب به الصين في حقيقة الأمر حسب آراء المحللين.. وذلك بإيجاد صيغ ثنائية للتعاون التجاري بين واشنطن وبكين، اللتين تبلغ تجارتهما البينية نحو 600 مليار دولار، تبلغ نسبة العجز الأميركي منها 400 مليار دولار لصالح الصادرات الصينية.
وكما كان متوقعا فإن ترامب الذي يعمل لكي تعود أميركا عظيمة كما كانت، قد وضع ملف كوريا الشمالية النووي والصاروخي على رأس بنود زيارته ومحادثاته مع الرئيس الصيني التي تشكل صادرات بلاده لكوريا الشمالية 90 % من إجمالي صادراتها.
ترامب الآن يواجه ما حذر منه بوش الابن، يواجه المنافس الاستراتيجي لبلاده الصين التي تغزو صادراتها واستثماراتها معظم دول العالم، نفذتها بصمت وتواضع شديدين، وأصبحت كما وصفها سفير الصين السابق في الدوحة في حديث صحفي بأنها «مصنع العالم».
لم تطلق الصين طلقة واحدة، ولم تحرك حاملات الطائرات ولم تلجأ لصنع حكومات موالية أو صناعة معارضة موالية لها في نفس الوقت، ولم تمهد لتجارتها بغزو الليم الموعودة كأسواق لسلعها وسلاحها.
ربما تصاعدت حدة الاستقطاب الدولي في مناطق شتى من العالم، وعلى نحو استثنائي السخونة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وهذا ما دفع بمصنع القرار السياسي الصيني الهادئ الحكيم إلى إرسال أول سفينة حربية وأقام قاعدة عسكرية هي الأولى خارج البر الصيني، ونعني بذلك قاعدته العسكرية في جيبوتي، التي اكتشفت نوعا جديدا من الاقتصاد الذي يدر أموالا كثيرة.
تتقاطع بين ترامب والرئيس الصيني تطلعات كل منهما لمستقبل بلاده فترامب يريد أن «يعيد العظمة لأميركا» فيما تعهد شي «ضخ دماء جديدة عظيمة في عروق الأمة الصينية». وعلى الرغم مما جرى إعلانه عن «صداقتهما» في أعقاب اجتماعهما الأول في منتجع ترامب «مارا-لاغو» في فلوريدا في أبريل الماضي، فقد بدا نقاشهما ساخنا ومحتدما كما تشير المصادر حول العمودين الأساسيين اللذين ترتكز إليهما جولة ترامب الآسيوية وهما التجارة، وكوريا الشمالية. ويبدو أن الأولى طغت على الثانية فلم يصدر عن ترامب أي تصريح يشير إلى تذمره من هيمنة الصادرات الصينية إلى بلاده وعجز ميزانها التجاري لصالح الصين.
وقال ترامب على تويتر قبل توجهه إلى فيتنام المحطة الرابعة من جولته الآسيوية «إن محادثاتي مع الرئيس شي جينبينغ كانت مثمرة جدا في ما يتعلق بالتجارة وكوريا الشمالية على حد سواء».
وتمكن الرئيس ورجل الأعمال المخضرم من إبرام عقود تجارية في الصين بقيمة إجمالية تبلغ 253.4 مليار دولار، كما جرى توقيع اتفاق أميركي- صيني لاستثمار ما يصل إلى 43 مليار دولار لاستخراج الغاز الطبيعي من ألاسكا. ووصف ترامب نظيره الصيني لإعادة انتخابه الشهر الماضي على رأس الحزب الشيوعي الصيني، قائلا إن شي «ممثل قوي ومحترم جدا من شعبه».
وأعرب عن شكره للصين لمشاركتها في فرض عقوبات دولية على كوريا الشمالية.. وكان ذلك عندما صوتت بكين في 5 أغسطس على مشروع قرار أميركي بتشديد العقوبات ضد كوريا الشمالية. وتطبيقا لهذا القرار أعلنت بكين تعليق استيراد الفحم والحديد وثمار البحر من كوريا الشمالية.
وكان ترامب الذي انتُخب قبل نيف وعام واحد فقط قد اتهم الصين «بسرقة» ملايين الوظائف في الولايات المتحدة. وقارب العجز في الميزان التجاري الأميركي مع الصين 350 مليار دولار في 2016، ولم يتوان ترامب وقتذاك - خلال حملته الانتخابية - عن التنديد بتداعيات الواردات الصينية على الوظائف الأميركية في قطاعات عدة ولا سيما الصلب.
حتى المسعى الأميركي في محاولة تقريب مواقف الصين واليابان – العدوين التاريخيين - أثمر فقط عن اتفاق– وليس اتفاقية - بين رئيس وزراء اليابان شينزو آبي والرئيس الصيني شي جين بينغ على تعزيز التعاون بين الدولتين بشأن كوريا الشمالية.
وقال آبي للصحفيين إن شي أبلغه بأن اجتماعهما – السبت الماضي - يمثل «بداية جديدة للعلاقات اليابانية الصينية». إلا أن من المرجح بأن لا يشكل اتفاقا شفويا بين الرجلين حجر أساس لعلاقات اكثر في الأركان الأساسية لاستراتيجيات القوى المتواجهة في بحر الصين الجنوبي.
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية وصفت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الصين بانها تعد الأولى في التاريخ التي يأتي فيها زعيم أميركي كملتمس الحاجة من بكين. وفقا للصحيفة فإن ترامب استخدم في خضم محادثاته مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، تكتيك التملق البسيط، لتحقيق أهدافه. ومع ذلك، فإن احتفال التشريف الطنان والتكريم اللذين استقبل بهما ترامب في الصين أخفيا حقيقة بسيطة، وهي أن الرئيس الأميركي لا يمكن أن يحصل على أي تنازلات من بكين، حسب وصف الصحيفة.
وقالت الصحيفة: إنه على ما يبدو، من تاريخ العلاقات بين البلدين فقد حدثت نقطة تحول، إذ تحتاج الولايات المتحدة إلى مساعدة الصين أكثر من احتياج الصين إلى واشنطن. وترى الصحيفة أن ما يتعلق بـ «الصفقات» الموقعة بين البلدين بقيمة 250 مليار دولار، تبدو وكأنها أقرب للفتة حسن نية من جانب بكين، وستستغرق سنوات عديدة لتصبح واقعا. وفي نفس الوقت كما ليس من المرجح أن يكون أسلوب ترامب المعتمد على «الكيمياء المشتركة» من النوع الذي عثر عليه ترامب في لقائه بالرئيس المصري، والضغط القوي بقبضته على كف مصافحيه والعبارات السخية في الثناء على ضيوفه أو مستضيفيه، ذا تأثير في رسم استراتيجيات بكين في ما يتعلق بكوريا الشمالية – ربما نجح في وقف واردات الصين من «ثمار البحر» الكورية الشمالية أما الفحم والحديد فهما ليسا مؤثرين إلى درجة يعتد بها! فهذا الأسلوب لا يجد صدى عند صناع القرار في معظم دول العالم ربما فقط في بعض دول الشرق الأوسط، أما في بكين فهو السراب بعينه.
copy short url   نسخ
18/11/2017
4023