+ A
A -
عمان -الوطن- خالد سامح
شهدت الساحة الثقافية العربية خلال العقدين الماضيين ولادة ظواهر ونشاطات أدبية جديدة يقف على رأسها فكرة «مختبرات السرد» والتي تجمع نقادا وقاصين وروائيين من مدارس وأجيال مختلفة، وذلك بهدف مناقشة المنجز الروائي والقصصي العربي الجديد بعمق لا سيما عند الكتاب الشباب الذين يحملون رؤى إبداعية ورسائل فكرية وإنسانية مهمة في أعمالهم.
«مختبرات السرد» تلك لاقت ترحيبا من قبل النقاد والأدباء الا أن البعض يحذر من وقوعها في فخ النمطية والعمل الشللي والروتين إضافة إلى العلاقات الشخصية، مؤكدين أن بعض تلك المختبرات مصيرها الفشل إذا لم تنحاز بموضوعية وشفافية لكل ماهو إبداعي وذو قيمة فكرية وجمالية...عن آفاق تلك الظاهرة وأهميتها تحدث لـ «الوطن» عدد من الكتاب والنقاد الأردنيين.
السرد فن من الفنون الأدبية المهمة بتفرعاته الرئيسية: الرواية والقصة، وحاجتهما الأساسية للمادة الأولية في إتقانهما وهي السرد، هذا ما قاله القاص والروائي أحمد أبو حليوة، وتابع «والسرد ملكة ودراية وخبرة وإتقان وحسن تعامل مع آفاق رحبة تدور في فضائه الإبداعي، وكذلك النقدي، الذي يعاين هذه الحالة أو تلك، ويتوقف عندها بالدراسة والتمحيص والتحليل، لمتعلقاتها وعناصرها المختلفة التي يُشكل السرد العمود الفقري لها، بالإضافة إلى الشخوص المشكّلة عوالم الكتابة من خلال عكسها الواقع وتجلياته سلباً أو إيجاباً».
وأكد أبو حليوة أن المختبرات السردية ستفيد الأدب العربي اذا كانت جادة، وأضاف «من هنا كانت الحاجة تتشكل شيئاً فشيئاً لمثل هذا النوع من المختبرات الإبداعية، الساعية للرقي بالمستوى السردي في وطننا العربي من خلال التوقف عند الأعمال البارزة في هذا المضمار على المستوى القطري أو القومي، ليُشكل العمل في هذا الأمر أفقاً جديداً ومنارة هادية للأعمال السردية الجديدة المتقنة والمؤثرة، وهي تشدّنا نحو مستقبل يتوجب علينا أن نحسن التعامل معه إبداعياً وفكرياً وثقافياً، وبالتالي سردياً من خلال هذه المختبرات التي ستعود على الأدب العربي بالفائدة، إذا ما طبقت الأهداف المرجوة من تأسيسها، والرؤى التي قامت عليها ومن أجلها».
نمط وتجديد
وتشير القاصة حنان بيروتي إلى أهمية مختبرات السرد على أن تبتعد عن العمل التقليدي والنمطي، وقالت «ظاهرة مختبرات السرد تلك الهيئات الثقافية التي تعنى بكل أشكال السرد الذي يتبوأ مكانة النظرة الثاقبة والعين الراصدة للحياة، والجامعة بالمراكمة والتنوُّع والتجدد لرؤى الوجود أمرٌ إيجابي وحراك ثقافي مهم يسهم في معاينة المنتج السردي العربي بميزان نقدي وبطريقة منهجية تعتمد على تعدد وجهات النظر للنص وتكاملها، وتفعيل الحوارات والندوات بما يخدم الارتقاء بالعمل، وهو يوائم في عمله بين الأقطاب المكونة للعمل الإبداعي وهي الكاتب والقارئ والناقد، ويشرع الباب للتجريب والتجديد والخلق؛ فالفنون السردية كما نعلم مطواعة وقابلة للتجريب والتجدد والنمو؛ فالمنجز السردي العربي بحاجة لعمل جاد للارتقاء بدور فاعل في ظل القتامة التي تحتل مساحات جديدة من الحلم الإنساني المشروع بالمحبة والحرية ونبذ الطائفية... إضافة لدورها في تحفيز الحركة النقدية البنّاءة ومحاولة جعل النقد مواكبًا للنتاج السردي وفاعلاً في دوره الأساس في التقييم والغربلة والارتقاء، وفي تأثيث الذائقة الفنية العربية بالنماذج المشرقة والجديدة، ومساعدة المبدع في استشراف آفاق جديدة بخطى واثقة ومدعمة بتعدد وجهات النظر وشمولية الرؤية. فإنْ قامت المختبرات بخططها وأنشطتها بمنأى عن التقليدية والنمطية ونأت بنفسها عن الأمراض الثقافية من شللية وغيرها اضطلعت بدور ثقافي مهم وفاعل على الساحة العربية حاضرا ومستقبلا».
وتنوه أستاذة الأدب والنقد الدكتور مريم جبر بأن الاهتمام بوجود مختبرات للسرد يمثّل واحدة من حلقات الاهتمام بالفنون السردية عامة، والرواية بشكل خاص، إلى جانب المؤتمرات الدورية المتخصصة والجوائز وورش الكتابة وغيرها مما باتت آثاره ماثلة للعيان إيجاباً أو سلباً بحسب رأيها، وزادت «غير أن لمختبرات السرد شأنا يختلف عن بقية الحلقات في انحيازها لما تخلقه من مناخات إبداعية ونقدية مؤثرة في الحركة الثقافية عموماً، ولما تتضمن من قصدية التطوير والتجويد بعيداً عن شوائب المادة وأسئلتها، وهو الأمر الذي يجعل مهمتها تغدو أكثر صعوبة ومشقة كلّما كانت أكثر إخلاصاً لوجه الفن، وقد شهدنا تجارب ناجحة لمختبرات سردية في مشرق الوطن العربي ومغربه. غير أن علينا أن نميّز بين نوعين من المختبرات، أحدهما يتخذ طابعاً مؤسسياً لجهة انتمائه لمؤسسات ثقافية أو أكاديمية تنتظم عمله وتختبر نتاجاته، سواء أكانت دراسات وبحوث تصب في خدمة الفنون السردية المختلفة، أم ندوات متخصصة وورشاً وحلقات نقاشية حول عمل أو أعمال سردية منشورة أو قيد النشر، يسهم فيها مبدعون ونقاد متخصصون، وتعمل من ثَمّ على نشر فعالياتها عبر كتب أو مجلة تصدر عن تلك المختبرات، في حين لا تجاوز أخرى في أدائها تكرار واجترار ما تقوم به هيئات عامة تطوعية شبيهة، يقتصر عملها على تنظيم ندوات وحلقات نقاش، كما تمنح صكوك اعتراف لمؤلفات ولكتّاب جدد في الوقت الذي تحتاج فيه تلك الهيئات نفسها اعترافاً بدورها الحقيقي في الحركة الثقافية والأدبية محلياً وعربياً، فسقف الطموحات الذي غالباً ما يكون عالياً وواسعاً سرعان ما وضيق أمام ضآلة إمكانيات التنفيذ مادياً وتواضعها علمياً ونقدياً».
حماية ومقاومة
وتشدد الناقد أميمة الناصر على إبداعية السرد وفنيته العالية التي تفرض الاهتمام الدائم به، وتقول «تكمن أهمية السرد العليا في ما يمنحه من قيمة جمالية للمتلقي، وإذ أؤكد على المفهوم الأفلاطوني للجمال بأنه الخير، فإن السرد انفتاح على كل ما هو إنساني وجميل وخيّر.
وتضيف «وفي ظل ظروف سوداوية نعيشها تسيد فيها القبح الناتج عن انحطاط فكري المشهد، فإنه بات من الضروري حماية المنجز السردي ودفعه للأمام ليكون فعلا مقاوما لصور الخراب التي تنخر أرواحنا وعقولنا، باعتباره أداة فاعلة للتغيير ووعاء يعبر عن تجليات النفس البشرية وامتدادها الكوني في سعي أزلي للتصالح مع الذات ومع الكون..
وتربط الناصر بين كفاءة القائمين على المختبرات والنوادي الأدبية وبين نجاحها»، وتضيف «ومن هنا جاءت المختبرات السردية، هادفة إلى حماية المنجز السردي من أن يطاله الخراب الفكري الذي طال نواح كثيرة في حياتنا وأيضا إلى حمايته من الرداءة والسطحية وذلك بإخضاعه لمشرط النقد القائم على أسس معرفية أكاديمية.
وباعتقادي أن هذه المختبرات يناط نجاحها بمدى كفاءة القائمين عليها وامتلاكهم لأدواتهم النقدية ولذائقة جمالية قادرة على غربلة النصوص والحكم عليها، ليس للتجارب السردية الجديدة وحسب بل للمنجز بصورة عامة. ويبقى القول إن الإبداع خلق فردي ذاتي قد يدفع بالعملية النقدية إلى إمام. على اعتبار أن الحالة الإبداعية تسبق الحالة النقدية».
copy short url   نسخ
23/10/2017
3975