+ A
A -
كثيرٌ من بعض خلق الله يهوون سرقة «خبز الآخرين»، وينسبون لأنفسهم، ويصدِّقون، أو يكادون، أنها أعمالهم.
و«خبز الآخرين» هنا بمعنى: إنتاجهم الفكري، أو الإنشائي، من قصّةٍ قصيرةٍ، أو قصيدةٍ تتعب، وتحرق فيها فوسفور مخِّك، وأنت تجدِّله ضفائر قصةٍ، تعبِّر بها عن مخزون وجدانك، أو عاطفتك، أو ما استقرَّ في باطن وعيِكَ، من أحداثٍ، فترى هذا العمل ممهوراً - وبصفاقةٍ غريبةٍ- باسم أحدهم، أو إحداهنّ!
عيب، لكن كلمة العيب لا تحوق في الجلود السميكة والعقول البليدة.
قد يقول قائلٌ: توارد خواطر، وما له؟ إذا كان من تواردت خواطره يملك ناصية اللغة والتعبير، والروح، فالكتابة - إضافة إلى كونها صِيَغاً وعباراتٍ مطعَّمةً باللغة وحواشيها- هي أيضاً روحٌ وشخصيةٌ.
في القصة القصيرة نحن نحسّ بشخصية يوسف إدريس، ومحمود السعدني، ومحمود تيمور، وإبراهيم الورداني، وفي الرواية تدفعنا السطور إلى معرفة أسلوب وفكر نجيب محفوظ،، وإحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، والطيب صالح، وبهاء طاهر، وصنع الله إبراهيم، وجمال الغيطاني، وعبد الحكيم قاسم، وغيرهم، وكلٌّ اختُصَّ بما تميز به، وفي الشعر نرى نزار قباني وقد تميز عمّن سواه، وكذا فعل أحمد مطر، وبدر شاكر السيّاب، وأحمد تيمور، وحسن طلب، كلٌّ له لغته، وبصمته الفنية.
حينما كنت أعمل محرراً لأخبار التليفزيون، كنت، في ساعات الفراغ الصباحية، أتوجّه لمراقبة الأخبار، أُدَعْبِس في البريد، ونصوص «سكريبتات» الأفلام الإخبارية، وغيرها، فلم تكن الأقمار الاصطناعية قد سادت بعد، كنت أترجم وأحرر بعض القصص السياسية للأخبار، والأخرى الخفيفة لبرنامج «ألوان».. وفي يومٍ ما، وجدت عدداً من النصوص الإخبارية، التي ترجمتها وحررتها، منسوخةً بخطِّ زميلٍ آخر، وممهورةً بالحرفين الأوّليْن من اسمه ولقبه، بدلاً من الحرفين اللذيْن أمهر بهما اسمي ولقبي «ح.ف»..تركته ولم أعاتبْه، إنما أثنيتُ على براعته المهنية، ومن عجب أنه شكرني بتواضعٍ يُحسد عليه!.
أذكر هذه الحادثة، ولا يزال عَجَزَةٌ، ومدَّعو علمٍ وثقافة، وموهبة يتطاولون على خبز الآخرين ولا من رادعٍ..أليس غريباً؟
آخر العمود:
إنها حجرتي، لقد صدئَ النسيانُ....
فيها، وشاخ فيها السكوتُ
عند يأسي المكسورِ، حزمةُ أوراقٍ..
وعمرٌ في دِفّتيْها.. شتيتُ
إقرئيها، لا تحجبي الخُلدَ عنّي...
أُنشريها، لا تتركيني أموتُ
«عمر أبو ريشة»
بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
04/05/2018
2754