+ A
A -
من كان يصدق قبل فترة وجيزة أن يحدث ما هو حاصل هذه الأيام في شبه الجزيرة الكورية؟!.
كانت الأجواء قاتمة ومنذرة بوقوع حرب نووية تبيد الأخضر واليابس.. كانت خطب وتصريحات زعيم كوريا الشمالية من النوع التصعيدي والمتوتر والمهدد بمحو كوريا الجنوبية من الخريطة.. كان تلويحه بتطوير واستخدام قدرات بلاده النووية والصاروخية لا يتوقف لحظة واحدة، وسط إرسال رسائل دعائية خاصة ردا على دعوات سيئول للجنود الكوريين الشماليين بالانشقاق عبر مكبرات الصوت الضخمة المثبتة في المنطقة الواقعة بين شطري كوريا. كل هذا صار اليوم (أو سوف يصير قريبا) شيئا من الماضي ومن الذكريات التي قد يرويها الآباء الكوريون يوما لأحفادهم.
لقد تسارعت الخطوات الدبلوماسية في الآونة الأخيرة بشكل مدهش لم يتوقعه أكثر المراقبين تفاؤلا. فمن قمة صينية- كورية شمالية إلى إعلان من بيونغ يانغ يقترح عقد قمة ما بين كيم جونغ أون ونظيره الأميركي، ومن ترحيب أميركي بالمقترح إلى تخفيف لهجة واشنطن ضد عدوتها الآسيوية الكبرى. ومن الإعلان عن زيارة سرية قام بها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية- المرشح لمنصب وزير الخارجية- مايك بومبيو إلى بيونغ يانغ، إلى الإعلان عن قرب عقد قمة كورية - كورية تسبق لقاء ترامب بالزعيم الكوري الشمالي. ومن قرار بيونغ يانغ بالكف عن إطلاق الصواريخ الباليستية وإجراء التجارب النووية إلى إعلان الكوريين الجنوبيين عن إيقاف الدعاية المضادة لجارتهم الشمالية عبر الحدود.
لا شك أن الرياضة لعبت دورا في تخفيف حدة التوتر بين شطري كوريا منذ أن شارك الشطر الشمالي بوفد رفيع المستوى كان من بين أعضائه شقيقة الزعيم الكوري الشمالي «كيم يو جونغ» في الأولمبياد الشتوية التي استضافها الشطر الجنوبي هذا العام، وذلك على غرار ما فعلته دبلوماسية «البينغ بونغ» في السبعينات لجهة فتح خطوط الاتصال المقطوعة بين الولايات المتحدة وخصمها الإيديولوجي الصيني العنيد.
لكن الرياضة ما كانت لتنجح لولا توافر عوامل أخرى مثل الإرادة السياسية لدى طرفي المعادلة لنزع فتيل الحروب طلبا للسلام والاستقرار.
وتتجلى تلك الإرادة بأوضح صورها في الأفكار التي يتبناها الرئيس الكوري الجنوبي «مون جاي إن» ومحورها التأكيد الدائم على وحدة الأمة الكورية، وضرورة بذل الغالي والنفيس كي تعود كوريا موحدة دون استحضار ما حصل على مدى العقود الستة الماضية من حملات شعواء ومؤمرات قامت بها بيونغيانغ ضد سيئول.
ذلك أنه منذ انتخابه رئيسا لبلاده في مايو 2017 لم يكف «مون جاي» - حتى في ظل أكثر الفترات توترا مع بيونغيانغ - عن الإعراب عن أمله في وحدة الكوريتين، بل إنه أصدر في مطلع العام الجاري كتابا عن حياته - على غرار ما فعله معظم أسلافه - تمنى فيه أن يعود إلى القرية التي ولد فيها والداه (قرية هونغنام) الواقعة اليوم ضمن أراضي كوريا الشمالية، كي يعيش بها بقية حياته مع والدته البالغة من العمر 90 سنة.
ولا يقتصر هذا الحلم على الرئيس الكوري الجنوبي وحده وإنما هو حلم يتمنى كل سكان الشطر الجنوبي تحققه. وفي هذا السياق كتب الزميل محمد فايز فرحات مقالا جاء فيه ما مفاده أنه على الرغم من مرور 65 سنة على تقسيم الكوريتين، فإن مفهوم الأمة الكورية الواحدة ما زال محفورا بقوة في عقول أجيال من الكوريين الجنوبيين والشماليين. وبعبارة أخرى يتحين هؤلاء الفرصة لساعة إعلان السلام الدائم في المنطقة من أجل إعادة لم شمل العائلات المقسمة التي تصل إلى نحو مليون أسرة.
كم هو حري بنا في أقطارنا العربية التي تعاني اليوم من وباء الانقسامات الداخلية واختلال مفهوم الوحدة الوطنية وضمور الولاء الوطني أنْ نستحضر التجربة الكورية ومعانيها.
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
29/04/2018
2066