+ A
A -
قرأتُ البارحة عن دراسة مفادها أنَّ تركيز الإنسان على توثيق اللحظات التي يعيشها يُفسد عليه متعة عيشها لأن الدماغ يكون منصباً على الصورة لا على الحدث فيفقد الإنسان جزءاً كبيراً من السعادة التي كان من الممكن أن يحصل عليها لو اندمج باللحظة!
ويمكنني أن أُقرِّب لكم مفهوم الدراسة - حسب ما فهمتُ منها- بمثال بسيط خطر لي وأنا أقرأ، الفرق بين عيش اللحظة وتوثيقها كالفرق بين مؤرخ وسائح في مكان يعبق بالتاريخ، الأول يعمل والثاني يستمتع وإن كان في عمل الأول متعة إلا أنه يبقى عملاً!
بالمناسبة… حتى فترة قصيرة جداً كنتُ ضد توثيق اللحظات، ولكنني الآن لستُ ضدها، وإن كنتُ ضد المبالغة فيها، والسبب الذي دفعني لأصبح أكثر مرونة تجاه الأمر أني قضيتُ منذ شهر ساعة كاملة مستمتعاً بصور عائلتنا القديمة وبعض تلك الصور لم يعد أصحابها بيننا، فقلتُ: الحمدُ لله أنهم وثقوا تلك اللحظات! وإن كنتُ الآن لم أعد حاداً تجاه تصوير اللحظات، إلا أني ما زلتُ على يقين أن بعض اللحظات لا تصلح إلا للعيش!
عيش اللحظات ليس بهذا السوء الذي يعتقده الأشخاص الذين جعلوا حياتهم كتاباً مفتوحاً على مواقع التواصل.
قراءة جملة جميلة في كتاب لن ينقص من جماليتها إذا لم نصورها وننشرها خصوصاً أننا جميعا نعرف أن نشر الأشياء لا يكون غالباً بهدف إفادة الآخرين بقدر ما هو نوع من التباهي الثقافي!
وأكل وجبة لذيذة في مطعم فاخر لن ينقص من لذتها إذا لم نصورها وننشرها خصوصاً أنه لا يوجد هدف وراء هذه الخطوة سوى إخبار الناس أننا نأكل طعاماً لذيذاً.
هدية نتلقاها من شخص نحبه ستبقى تشعرنا بالسعادة ولو لم يعرف القاصي والداني أننا نتلقى الهدايا.
لم يبقَ إلا أن يُوثق الناس لحظات سجودهم، أساساً هذا شيء موجود وكلكم تعرفون!
الأدهى من هذا أن كثيرين يعتقدون أن الآخرين غير سعداء لمجرد أنهم لا ينشرون لحظات سعادتهم!
لا أعرف من أخبر هؤلاء أنّ الذي لا يصور نفسه وهو يقبل أيدي والديه بأنه ولد عاق.
وأن الذي لا يصور نفسه وهو يعانق زوجته هو زوج فظ غليظ.
وأن الذي لا يصور كتباً يقرأها هو إنسان لا يقرأ!
هؤلاء بخير على عكس ما يعتقد الآخرون، يبرون آباءهم وأمهاتهم، يحبون زوجاتهم، يأكلون طعاماً لذيذاً، ويصلون، ويقرأون، فقط هم يؤمنون أن في حياتهم مساحة من الخصوصية تعنيهم وحدهم ولا شأن للناس أن يعرفوا عنها!
توثيق اللحظات للذكرى شيء وأن يجعل الإنسان حياته كتاباً مفتوحاً شيئا آخر، لا تخلطوا بين الأمرين!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
24/04/2018
4289